أصدر مصرف لبنان تعميماً يسمح للمتضررين من انفجار المرفأ بالاقتراض بالدولار على خمس سنوات وبفائدة صفر. في الشكل، يوفّر التعميم مُساعدة للناس للتمكنّ من ترميم بيوتهم ومؤسساتهم، ولكن بين طيّاته الكثير من «الفخاخ»، أبرزها أنّ القرض سيُدفع على شكل «شيك»، أي يُدفع بالدولار «الوهمي»
بهدف «مساعدة المُتضررين من الانفجار في مرفأ بيروت»، وجّه مصرف لبنان تعميماً أساسياً يحمل الرقم 152، إلى المصارف والمؤسسات المالية، يطلب منها «أن تمنح قروضاً استثنائية بالدولار الأميركي للمتضررين من الانفجار في مرفأ بيروت (أفراداً ومؤسّسات فردية ومؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم وشركات، باستثناء المطورين العقاريين) بغية الترميم الأساسي لمنازلهم ولمقر مؤسساتهم». الشروط التي ينصّ عليها التعميم هي:
– أن تستحصل المصارف المعنية، وعلى مسؤوليتها، من المُقترض على فواتير تُبيّن قيمة أعمال الترميم.
– أن تمنح هذه القروض بغضّ النظر عن السقوف المُحددة لكل عميل.
– أن لا يُحتسب على هذه القروض أي عمولة أو فائدة.
– أن يتم تسديد هذه القروض خلال مدة خمس سنوات بدفعات تستحق في نهاية كل شهر أو كل فصل وفقاً للعقد الموقّع بين المؤسسة المالية والعميل.
– يُمكن تسديد القرض الاستثنائي الممنوح للعميل بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر الصرف المُعتمد في تعاملات مصرف لبنان مع المصارف، ويُمكن للعميل الاتفاق مع المصرف أو المؤسسة المالية على:
أ- تسديد القرض الاستثنائي خلال فترة تقلّ عن الخمس سنوات المُحددة أعلاه
ب- إجراء تسديد مُبكر بالدولار الأميركي للقرض الاستثنائي دون أي رسوم أو عمولات.
وفي التعميم مادة ثانية تنصّ على أنّ مصرف لبنان يمنح المصارف والمؤسسات المالية «تسليفات بالدولار الأميركي بفائدة صفر لمدة خمس سنوات بقيمة القروض الاستثنائية الممنوحة بالدولار الأميركي»
التعميم «مُستغرب» لسببين. أولاً، لماذا القروض المُسهّلة ستُمنح بالدولار وليس بالليرة اللبنانية؟ وثانياً، إذا كان مصرف لبنان يُعاني من شحّ في الدولارات، وبالكاد بقي بعض الدولارات في موجوداته (تُشير التقديرات إلى أنّ المبلغ لا يتعدّى 20 مليار دولار، بينها نحو 17 مليار دولار هي كناية عن احتياطيات إلزامية في مقابل الودائع، أي إنها غير قابلة للاستخدام)، فمن أين سيأتي بالدولارات ليُقرض المصارف؟
في البداية، تُوضح مصادر متابعة للتعميم أنّ القرض سيُدفع للمُقترض على شكل «شيك مصرفي»، أي يُدفع بالدولار «الوهمي». أما في حال أراد المُقترض الحصول على الأوراق النقدية، «فيسحبها من المصرف بالليرة اللبنانية وبحسب السعر الذي حدّده البنك المركزي، أي نحو 3900 ليرة للدولار الواحد».
لنفترض أنّ أحد مالكي الشقق في شارع مار مخايل يُريد ترميم منزله والاستعانة بسمكري وحدّاد، وشراء زجاج وتبديل أثاث المنزل، فهو سيحصل من المصرف على «شيك» لكل من هؤلاء، بالدولار الأميركي. لكن هذا الشيك غير قابل للتسييل بالدولار، وسيكون الحدّاد مضطراً إلى قبض أجرته وثمن بضاعته بواسطة «شيك». لكن ليس لكل اللبنانيين حسابات مصرفية ليودعوا فيها الشيكات التي لا تُصرَف. لا حلّ أمامه سوى سحبه بالليرة اللبنانية، وبوجود فارق هائل بين السعر المُحدّد لدى المصارف لعمليات السحب وسعر السوق السوداء الذي على أساسه تُحدّد أسعار البضاعة، وبذلك يكون المُقترض قد خسر أكثر من نصف قيمة المبلغ الذي اقترضه. لماذا لم تكن القروض بالليرة؟ تُجيب المصادر بأنّ الحاكم رياض سلامة «لا يُريد أن يتحوّل التعميم أداةً للتضخم والمضاربات على العملة». ولكن ألن تمتنع غالبية الشركات، ولا سيّما في هذه الظروف، عن قبول الشيكات بعد أن تحوّل الاقتصاد اللبناني منذ الأزمة والتدابير التي فرضتها المصارف، إلى اقتصاد نقد؟ بالنسبة إلى أحد المصرفيين، يُمثّل التعميم «مُحاولة لحلّ مشكلة الأشخاص الذين لا يمتلكون إمكانيات مادية لشراء البضاعة. العديد من التجّار سيقبل القبض بالشيكات، لأنّه سيكون أيضاً بحاجة إلى شراء البضاعة بالدولار الأميركي. تُسهّل هذه الآلية على المصارف فتح اعتمادات خارجية مُباشرةً وتسهيل الاستيراد، فنكون قد حللنا مشكلة أساسية».
يسمح التعميم للمقترض بتسديد الدين بالليرة على السعر المُحدّد للتعامل بين المصرف المركزي والمصارف، أي 1507 ليرة لبنانية. هذا الرقم مُرشّح للتعديل والارتفاع، في حال تغيّر السعر الرسمي في السنوات الخمس المُقبلة.
التعميم الثاني الذي أصدره البنك المركزي أمس، هو التعميم الوسيط الرقم 566 للمصارف والمؤسسات المالية والمؤسسات التي تتعاطى العمليات المالية والمصرفية بالوسائل الالكترونية («أو أم تي»، «ويسترن يونيون»، «كاش يونايتد»…)، الذي يُعدّل القرار الصادر في 16 نيسان، ويُعيد العمل بتسديد «قيمة أي تحويل نقدي إلكتروني بالعملات الأجنبية وارد إليها من الخارج بالدولار الأميركي. وأن تُعلم العميل بشكل واضح وصريح عن العمولات والرسوم المقتطعة عن كلّ تحويل». اضطر سلامة إلى إجراء التعديل بعد أن انخفضت التحويلات المالية إلى لبنان عبر المؤسسات غير المصرفية من حدود 150 مليون دولار شهرياً إلى نحو 25 مليون دولار شهرياً، ولم يعد المبلغ يكفي لتمويل السلّة الغذائية أو لتعزيز موجوداته من العملات الأجنبية. وقد سمع سلامة في الأيام الماضية تحذيرات من أنّ التحويلات ستستمر في الانخفاض، بما يزيد من الضغط على الليرة.
العمل بالتعميم سيبدأ ابتداءً من اليوم، وقد أصدر وكلاء شركة «ويسترن يونيون» في لبنان بياناً يُعلنون فيه أنّ «الحوالات المالية المُرسلة من الخارج ستخضع لرسم 2% يُسدّده المُرسِل كبدل إدارة للسيولة النقدية، على أن يحصل المُستلِم في لبنان على المبلغ بالكامل وبالدولار الأميركي حصراً ومن دون أي رسم إضافي عند الاستلام».
من المفترض أن يؤدّي هذا القرار إلى انخفاض سعر الصرف في السوق السوداء. وبحسب معلومات «الأخبار»، يبحث سلامة في إمكان التوقّف عن توفير الدولارات للصرافين، وحصر العمليات بالمصارف، «مُعتبراً أنّه إجراء أكثر فعالية وأقل تسريباً للدولارات».