هامش المناورة عند رياض سلامة يضيق. ولذلك، فإن هامش مسايرته للسلطة يضيق أيضاً. لديه استحقاقات قضائية عليه التعامل معها من دون أن يكون واثقاً من دعم شركائه في الحكم. وهو لذلك، ولأن الحكومة التي يتمنى تشكيلها لا أفق لها، قرّر أخذ الأمور بيده. أول الغيث كان البيان الذي حمّل فيه الحكومة مسؤولية التأخر في بت مسألة ترشيد الدعم. لم يعد يناسبه بقاء الأمور على حالها. تحذيراته المستمرة من اقتراب نفاد الاحتياطي القابل للاستعمال لم تلق آذاناً صاغية من الحكومة، التي تبحث منذ نحو ستة أشهر مسألة ترشيد الدعم من دون أن تتوصل إلى أي نتيجة.
في هذا السياق، أتى البيان الذي كان عنوانه دعم الكهرباء، لكن مضمونه السعي إلى رمي الحمل عنه باتجاه الحكومة، طالباً منها تحمّل مسؤوليتها في تأمين العملات الأجنبية اللازمة للمصاريف والمستوردات الأساسية. بحسب مصدر معني، فإن في ذلك تمهيداً إلى نفض يديه من المسّ بالاحتياطي الإلزامي، وبالتالي دفع الحكومة ومن ثم المجلس النيابي للطلب منه صراحة الصرف من هذا الاحتياطي الذي وصل إلى 17 مليار دولار. أيّ قرار من هذا القبيل سيعني تبرئة ذمته عن صرف الاحتياطات سابقاً، على اعتبار أن لا فارق قانونياً بين الاحتياطي إن كان طوعياً أو إلزامياً. في الحالتين أموال المودعين هي التي تُبدّد. عندما كان الاحتياطي 32 مليار دولار مع بداية الأزمة، على سبيل المثال، كان سلامة صارماً في التأكيد أن السياسة النقدية هي مسؤوليته فقط.
كان ذلك من الماضي. حالياً، أيّ تعديل في آلية الدعم لن يتحمّلها وحيداً، علماً بأنه صار يُشرك المجلس المركزي في كل القرارات. أما بالنسبة إلى مسألة دعم قطاع الكهرباء للعام 2021، فالاجتماعات بين وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان من جهة، ومصرف لبنان من جهة أخرى، كانت قد بدأت منذ 28 تشرين الأول الماضي، كما كانت تسير بشكل سلس وعلمي، واتفق في نهايتها على تحضير المؤسسة للائحة تفصيلية بحاجات المتعهدين المتعاقدين معها. لذلك، فإن انقلاب المصرف على الاتفاق، وقفزه عن النقاش في الجداول التي قُدمت له عن حاجات القطاع، والتي يُقدّر مجموعها بـ 300 مليون دولار، بدا مغامرة كبيرة بالنسبة إلى مصدر مطّلع على الملف.
وأكثر من ذلك، يشير المصدر إلى أن المجلس المركزي الذي يحرص سلامة على إشراكه في كل القرارات، لن يعترض، على سبيل المثال، إذا قدمت كهرباء لبنان مستندات مفصّلة تثبت حاجتها للدولارات خلال الشهر المقبل، أو خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. لكنه لن يكون مستعداً لتقديم التزام طويل الأمد. هذا الموقف، بالرغم من أنه مفهوم من قبل المصرف الذي لا يضمن كيف سيكون وضع الاحتياطي في العملات الأجنبية خلال سنة، إلا أنه سيتطلّب اقتناع الشركات المتعاقدة مع المؤسسة، وتحديداً شركة «برايم ساوث» التي ينتهي عقدها اليوم، بالاستمرار بالعمل وفق الآلية السابقة. أي من دون أي ضمانة بالحصول على أموالها، علماً بأن لها في ذمة كهرباء لبنان عن العام الماضي 45 مليون دولار، لا تزال المفاوضات بشأن الحصول عليها بالدولار مستمرة. لكن لأنّ المسألة لا تحتمل أيّ مخاطرة، عقد حسان دياب، مساء السبت، اجتماعاً طارئاً في السرايا الحكومية، حضره وزيرا الطاقة والمالية، إضافة إلى حاكم مصرف لبنان.