لم يحضر حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة أمس جلسة الهيئة الاتّهامية في بيروت برئاسة القاضي ماهر شعيتو التي عقدت لاتّخاذ القرار بإمكانية إصدار مذكرة توقيف وجاهية أو غيابية بحقّه.
ولكن حضر وكيله القانوني المحامي حافظ زخّور، الذي أعلن تقدّمه بدعوى مخاصمة عن أعمال القضاة بحق كل الهيئات الاتّهامية التي تناوبت على النظر في هذا الملف: هيئة القاضية ميراي ملاك التي قبلت الاستئناف المقدّم من قبل هيئة القضايا في وزارة العدل، هيئة القاضي سامي صدقي الذي تعذّر في جلسته إبلاغ الحاكم السابق بموعد الجلسة، والهيئة الحالية برئاسة القاضي الأصيل ماهر شعيتو.
وكان يفترض أن يتمّ رفع اليد عن هذا الملف مباشرة فور تقدّم محامي سلامة بالدعوى، إلا أنه حصل التباس صغير بين تسجيل الدعوى في القلم وإبراز الإفادة اللازمة من القاضي ماهر شعيتو وهي ترتبط بأسماء الهيئة الاتّهامية الحالية من ضمن دعوى المخاصمة. الأمر الذي كان يحتاج الى الوقت لعودة المحامي الى الهيئة العامة لمحكمة التمييز والحصول على إفادة واضحة تبيّن أسماء القضاة المعنيين بدعوى مخاصمة الدولة وإبرازها مجدداً أمام القاضي ماهر شعيتو والمستشارين معه في الجلسة.
ثم قرّر شعيتو بحضور ممثل هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة اسكندر ومحامي الحاكم رفع اليد عن هذا الملف، بحجّة أنه لا يمكن البتّ فيه بسبب عدم وجود تشكيلات قضائية خاصة بالمحكمة العامة للهيئة التمييزية غير مكتملة الأعضاء.
القاضية اسكندر اعترضت خلال الجلسة على إعطاء الوقت اللازم لمحامي سلامة لإحضار الأوراق اللازمة، معتبرة أنه يجب إصدار مذكرة توقيف غيابية فوراً وعدم انتظار هذه الورقة. ولكن شعيتو والذي كانت بحوزته الورقة أراد استيضاحها بشكل أكبر. ثم قام شعيتو بإجراء قانوني في نقابة المحامين بحق المحامي الذي يتابع قضية حاكم مصرف لبنان السابق، على اعتبار أن هناك خطأ ما أو لغطاً في الإجراءات التي حصلت خلال جلسة أمس.
ارتفع صوت هيلانة اسكندر خارج قاعة الهيئة الاتّهامية التي نظرت في طلبها إصدار مذكّرة توقيف بحق الحاكم السابق للمركزي رياض سلامة. وخاضت اسكندر جدالاً عالي النبرة على توقيت تقديم دعوى المخاصمة من قبل محامي سلامة.
وبعد التداول قرّرت الهيئة الاتّهامية رفع يدها عن الملف بسبب دعوى المخاصمة التي قدّمها محامي سلامة حافظ زخّور. وركّزت الدعوى على وقائع عدة يتقدّمها أن رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل ليست لها صفة المحامي بل هي قاضية تعمل في الوزارة، فيما تنصّ أصول المحاكمات الجزائية على أن الاستئناف يجب أن يكون موقعاً من محام في الاستئناف حصراً.
ويعني ذلك أن ملفّ سلامة دخل مرحلة الجمود شبه الكامل بفعل غياب التشكيلات القضائية وعدم تشكيل أعضاء الهيئة العامة لمحكمة التمييز، لينضمّ بذلك الى دعاوى أخرى طمسها القضاء لا سيّما حادثة انفجار مرفأ بيروت بسبب تعديلات ضرورية تستلزمها القوانين.
وفسّر محامي مطلع لـ»نداء الوطن» دعوى المخاصمة أن محامي سلامة قام بها استناداً الى قانون أصول المحاكمات المدنية، وهي دعوى ضدّ القضاة، ولكن لا يجوز قانوناً هذا الأمر فترفع الدعوى ضد الدولة. وجاء في القانون «تجوز مداعاة الدولة بشأن المسؤولية الناجمة عن أعمال القاضي سواء كان ممن يتولون الحكم أو التحقيق أو النيابة العامة في جميع الحالات التي يجيز فيها هذه المداعاةَ نص خاص وفي الحالات التالية:
1- الاستنكاف عن إحقاق الحق.
2- الخداع أو الغش.
3- الرشوة.
4- الخطأ الجسيم الذي يفترض ألا يقع فيه قاض يهتم بواجباته الاهتمام العادي.
وفي هذا السياق من هي الجهة التي تحسم دعاوى الردّ والمخاصمة؟
اعتبر مؤسس ورئيس مؤسسة JUSTICIA المحامي د.بول مرقص خلال حديثه الى «نداء الوطن» أن «طلبات الرد والتنحّي ومخاصمة القضاة وسائر الطلبات تكون في أحيان كثيرة في سبيل إعاقة العدالة ومسار التحقيقات التي تكون جارية في لبنان سواء في قضية المرفأ أو قضايا أخرى. ورغم الحفاظ على حقوق الدفاع، ولكن في الوقت نفسه يجب ألا يتم استخدام هذا الحقّ في إطار تعسّفي».
في هذا الإطار رأى أنه «كان يجدر على مجلس النواب أن يتدخّل على الأقل منذ تفجير المرفأ لتعديل مواد عدة متعلّقة بهذه الطلبات، وبسبب عدم إجراء تعديلات حصل ما حصل اليوم (أمس). فتقدّم المتقاضي أو المتظلّم أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز التي للأسف لا تزال غير مشكّلة بطلب مقاضاة الدولة بدعوى مخاصمة، لمسؤوليتها عن أعمال قضاتها العدليين. فيتمّ التذرّع أن هناك إما عدم إحقاق للحقّ، أو استنكافاً أو غشّاً أو رشوة أو خطأ جسيماً يجعل من القاضي الناظر بالنزاع المنسوب اليه سبب الدعوى منذ تقديم الاستحضار يمتنع عن القيام بأي عمل من أعمال وظيفته يتعلق بالمدّعي حسب المادة 751 من قانون أصول المحاكمات المدنية».
ما يعني أن ما يحصل هو تعسّف باستعمال الحقّ تكرّر مرات عديدة، فيستدعي ذلك تدخل المشترع لكبح تمادٍ كهذا مع عدم تجاوز حقّ الدفاع المشروع بالأساس الذي يجب ألا يتحوّل الى جنوح أو تجاوز وصولاً الى عرقلة سير عمل العدالة.
واستباقاً للتعديلات التشريعية المرجوّة والى هذا الحين يمكن للمحاكم أن تقضي بغرامات عالية جداً نتيجة التعسّف في استعمال حقوق الدفاع إذا ثبت فعلاً أنه ليس هنالك من أسباب جديرة بتقديم هكذا طلبات تعرقل سير عمل العدالة تحت مظلة أو بحجة الدفاع عن النفس أو التظلّم.