اليوم، هو الأخير لرياض سلامة في حاكمية مصرف لبنان. 30 سنة أمضاها «حاكماً بأمر المال، وشريكاً مضارباً وخادماً مطيعاً لـ»منظومة» فساد أهدرت بتسهيلات مشبوهة من سلامة 100 مليار دولار من أموال المودعين»، وفق توصيف مصادر مالية وقانونية أجمعت على تحميله المسؤولية في الدرجة الأولى.
وقالت المصادر نفسها: «يحلو للبعض القول إنّ صفحة ستطوى اليوم، متجاهلاً عمداً أنّ ما تركه سلامة وراءه من دمار مالي ومصرفي يحتاج الى جيل كامل لاحتواء كل آثاره الإفلاسية على أكثر من صعيد، ولا سيما الودائع. فمدّخرات جيل وجنى عمره أهدرت وأفسد فيها، تحتاج الى جيل آخر على الأقل لإعادة تكوينها».
وأوضحت أنه «إذا لم يحاسب سلامة ويُحاسب معه كل الأطراف المتورطين ( سياسيين ومصرفيين) في انهيار القطاع المصرفي وخسارة أكثر من 20 سنة من النمو الاقتصادي، وفقدان 98% من قيمة العملة الوطنية، فإنّ أزمة أخرى تلوح في الأفق، ولو بعد حين». وحذّرت من «جهود «المنظومة» السياسية والقضائية الحثيثة لتبرئة سلامة، وذلك في سياق إفلات متعمّد ومدروس من العقاب في دولة تقترب من الفشل الشامل، مع تخوّف من تحولها دولةً مارقة لا حكم قانون فيها ولا مؤسسات حكم رشيد».
وعلى نحو مضطرب، تنتقل مهمات الحاكمية اعتباراً من اليوم الى نواب الحاكم، وعلى رأسهم النائب الأول وسيم منصوري الذي يعقد مؤتمراً صحافياً قبل الظهر يعرض فيه الاتفاق المبدئي الذي توصل اليه مع الحكومة لاستمرار مصرف لبنان في تمويل الدولة لمدة 3 أشهر إضافية، وفق عقد استقراض مشروط يجب إقراره في مجلس الوزراء والمجلس النيابي. وبين الشروط التزام الحكومة ردّ المبلغ المقترض من الاحتياطي الإلزامي ربطاً بميزانية 2024 التي يفترض أن تزيد ايراداتها على نحو كبير، وإقرار البرلمان مشاريع قوانين «الكابيتال كونترول» وهيكلة المصارف ومعالجة فجوة الخسائر والودائع، فضلاً عن تعهد وزارة المالية إجراء إصلاح ضريبي ترتفع بموجبه ايرادات الخزينة العامة على نحو نوعي تنتفي معه الحاجة الى أي تمويل من مصرف لبنان.
وأكدت مصادر نواب الحاكم «انه اعتباراً من يوم غد الثلاثاء، فإنّ مصرف لبنان لن يصرف دولاراً واحداً قبل إقرار مشروع قانون عقد الاستقراض، وتحويله الى البرلمان لإقراره في غضون أسابيع قليلة قبل استحقاقات آخر آب. خلاف ذلك، قد تجد الحكومة نفسها بلا دولارات تحتاج اليها لدفع رواتب الموظفين على منصة صيرفة وثمن أدوية ومستلزمات أخرى ضرورية».
وأضافت المصادر: «بعد 3 أشهر، لكل حادث حديث اذا لم تقرّ التشريعات، إذ قد تطرح استقالة نواب الحاكم من جديد، علماً أنّ وسيم منصوري بقي حتى مساء أمس يتعرض لضغوط مرجعيته السياسية والطائفية كي يستقيل». ولا تستبعد المصادر هذا الخيار، لأنه «ما من شيء جدي يشي بأن الإصلاحات ستقرّ بسبب الخلافات المحتدمة حولها بين معظم الكتل النيابية والتيارات السياسية المتهربة من مسؤولياتها. والأنكى هو تعثر إقرار تشريع الضرورة الخاص بعقد الاستقراض، عندئذ قد تطرح الاستقالة مجدداً قبل نهاية آب لتدخل البلاد في المجهول!».
وعن المنصة الجديدة، كشفت المصادر عن اتصالات مستمرة مع «بلومبيرغ» و»رويترز» للمفاضلة بين عرضين. وكان رياض سلامة رفض توقيع إجراءات طلبها نوابه لإلغاء منصة صيرفة، وأحالهم على وزير المالية يوسف خليل الذي سيجتمع بهم غداً لهذا الغرض. وليس سراً القول، وفق المصادر المتابعة، «إنّ هناك ضغوطاً شرسة من «لوبيات» مصرفية وسياسية وتجارية للإبقاء على المنصة الحالية التي تفيد مجموعة محظوظين ونافذين وتجار ومستوردين ومصرفيين ومضاربين أكثر من افادتها موظفي القطاع العام والمودعين». وإذا سارت الأمور كما يخطط لها نواب الحاكم وبمساعدة ضرورية من وزارة المالية، فإنّ أسابيع قليلة كفيلة بوضع ما يلزم من لوجستيات وإنجاز التدريب عليها، فضلاً عن وضع نصوص حوكمة وشفافية يدرسها حالياً نواب الحاكم وصندوق النقد الدولي الذي وضع بين شروطه، في الاتفاق المبدئي مع لبنان، توحيد سعر الصرف، ثم اعتماد سعر صرف مرن وفقاً لمقتضيات العرض والطلب مع تدخل محدود لمصرف لبنان عند الضرورة القصوى. ويمكن لسعر الدولار أن يرتفع ليصل الى قيمته العادلة وفق معادلة الكتلة النقدية بالليرة مقابل الطلب على الدولار والليرة معاً.