يتدخّل مصرف لبنان في السوق، عارضاً ومشترياً للدولار، للتأثير على سعر صرفه وليُعيد جمع ما طرحه، وتختلف أسعار الصرف خلال هذه العملية. ولا يجد حاكم المصرف المركزي رياض سلامة حرجاً في زيادة تفريعات منصة صيرفة، عن طريق ابتداع أرقام جديدة لتلبية مطالب مختلف القطاعات. فعمد، تلبيةً لقرار السلطة السياسية، إلى تمويل دفع رواتب موظفي القطاع العام ومتقاعديه، وفق دولار منصة صيرفة، لكن بسعر 60 ألف ليرة. أي بأقل من سعر المنصة المعتمد لباقي القطاعات ولمودعي المصارف. إلاّ أن هذه العملية تنعكس على السوق، وعلى قدرة المركزي في الاستمرار بالتدخّل، وتالياً على عودة الدولار للارتفاع بعد الانخفاض.
دولار السوق يتراجع
انخفض دولار السوق من نحو 107 آلاف ليرة إلى نحو 100 ألف ليرة، قبل حسم سعر منصة صيرفة الذي يفترض دفع رواتب موظفي القطاع العام وفقه. كما استفاد السوق من استمرار ضخ المركزي للدولار عبر المصارف، وهو القرار الذي أسقَطَ الدولار من نحو 140 ألف ليرة إلى نحو 107 آلاف ليرة.
يوم أمس الإثنين، أعلن وزير المالية يوسف الخليل دفع رواتب القطاع العام بالدولار على سعر 60 ألف ليرة. وترافق ذلك مع انخفاض إضافي لدولار السوق إلى نحو 97 ألف ليرة.
وهذا الانخفاض قد يستمر لفترة مؤقّتة، بفعل سحب الموظفين رواتبهم وضخ الدولار في السوق للاستفادة من فارق الشراء على سعر 60 ألف ليرة والبيع بنحو 97 ألف ليرة. فارتفاع العرض يؤدي إلى انخفاض الطلب وتراجع الأسعار، وهو ما يعوِّل عليه مصرف لبنان لإعادة امتصاص سيولة الدولار التي ضخّها للموظفين. وما يكسبه المركزي في هذه الحالة، هو سحب الدولارات بليرات أقل.
التدخّل غير مستدام
أكثر من مرّة، تدخَّلَ سلامة لخفض سعر الدولار ولم يفلح في ذلك لوقت طويل. فهو يدرك أن الضغط الذي يخلِّفه التنازل عن المزيد من موجوداته بالدولار، سرعان ما سينعكس ارتفاعاً لدولار السوق، ما يحتِّم حصول خضّة كبيرة يصل خلالها الدولار إلى مستويات قياسية، قبل إعلان الحاكم مجدداً تنشيط ضخ الدولار عبر المنصة.
أيضاً، يعرف سلامة أن استمرار طبع الليرات لتمويل عجز الموازنة العامة وتسديد نفقات الدولة وتلبية حاجة المصارف إلى الليرات، يرفع مستويات التضخّم ويُفقِد الليرة مزيداً من قيمتها، فتنتفي بذلك آثار ضخّه للدولار لخفض أسعار السوق.
وفي السياق، يصف الخبير الاقتصادي باتريك مارديني، حركة سلامة بأنّها “عملية تدخّل غير مستدامة”. ويشير في حديث لـ”المدن”، إلى أن بإمكان سلامة “وقف طباعة الليرة وتقليص اللجوء إلى إعادة شرائها بما يتوفّر لديه من دولارات”. وفي الوقت عينه، على الحكومة اللجوء إلى الإصلاحات التي تبدأ بـ”ترشيد النفقات وتعزيز الإيرادات. وهو ما يساعدها على تقليص حاجتها إلى المركزي”. أما مواصلة النهج ذاته، وتلبية سلامة لطلبات السلطة السياسية، يعني “الاستمرار في تمويل الأزمة”.
موافقة مصرف لبنان على اعتماد 60 ألف ليرة لدولار موظفي القطاع العام، بدل 90 ألف ليرة أو 88 ألف ليرة، وهو سعر المنصة حالياً، يعني اضطراره للإفراج عن دولارات إضافية، يستفيد منها الموظفون، لكنها حسابياً تقلّص موجودات المركزي التي تتناقص كذلك عبر تلبية حاجة المستوردين للدولار، والتي تُمَوَّل عبر المصارف بدولار المنصة. والتناقص سينعكس قفزة كبيرة لدولار السوق قريباً، فحالة شبه الثبات التي يشهدها السوق من حين لآخر، نتيجة ضخ المركزي للدولارات، تعزّز القلق وتزيد حالة الترقُّب للارتفاع المقبل، وهو ما حفظه اللبنانيون عن ظهر قلب. ومن المرجَّح أن يبدأ الارتفاع بين منتصف الشهر الجاري ونهايته.