عززت سلطنة عُمان استثماراتها بإطلاق أكبر مصنع إسمنت بالمنطقة الاقتصادية بالدقم في خطوة ستعطي زخما أكبر للنشاط الاقتصادي للبلاد الساعية إلى تنويع مصادر الدخل والخروج تدريجيا من نفق الأزمة التي زاد من وطأتها الوباء.
تستعد شركة الدقم الدولية للمشاريع الإسمنتية لتنفيذ أكبر مصنع متكامل في صناعة الإسمنت في السلطنة بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم باستثمار يقدر بحوالي 435 مليون دولار أميركي من أجل تعزيز تطور قطاع صناعات البنية الأساسية بالسلطنة.
وتبلغ السعة الإنتاجية للمصنع الجديد حوالي 3.5 مليون طن في السنة أي بمعدل يبلغ 10 آلاف طن في اليوم.
ونسبت وكالة الأنباء العُمانية للمتحدث باسم شركة الدقم الدولية للمشاريع الإسمنتية قوله إن “المصنع الجديد لديه جوانب إيجابية عديدة من حيث القدرة الإنتاجية المتميزة الناتجة عن استخدام أحدث التكنولوجيا في هذا المجال، ما سيجعله أحد أكبر مصانع الإسمنت فعالية في المنطقة”.
وأضاف أن المشروع يهدف إلى الإسهام في تحقيق أحد أهم الأهداف الوطنية للسلطنة والمتمثلة في جعلها مركزا للتميز الصناعي في الإقليم، بفضل وفرة الموارد الطبيعية من المعادن والمضافات وتوفر البنية الأساسية اللازمة للتطور الصناعي مثل الموانئ وشبكات الطرق وغير ذلك بمواصفات عالمية عالية الجودة إضافة إلى الموقع الجغرافي الاستراتيجي الأمثل. ومن المتوقع أن يبدأ التشغيل الفعلي للمصنع في الربع الأول من عام 2023.
وأوضح أن المصنع الجديد سيسهم في تلبية احتياجات السوق المحلية من مادة الإسمنت بينما يوجه جزء من الإنتاج إلى أسواق خارجية مثل الهند وسريلانكا وشرق أفريقيا استغلالا للتجهيزات العالمية في ميناء الدقم.
وأشار إلى أن الشركة المالكة للمشروع تنوي توسعة المصنع في مرحلة لاحقة ليشمل وحدة إضافية لإنتاج وتصدير مادة “الكلنكر” مستهدفة بذلك أساسا السوق الهندية المتنامية الاستخدام لهذه المادة، وبذلك يسهم المشروع بقيمة مضافة عالية.
ويهدف المشروع أيضا إلى إيجاد عناصر قيم مضافة محلية عديدة مثل توظيف الحد الأقصى الممكن من الكوادر المحلية، وإيجاد حوالي 340 فرصة عمل بصورة مباشرة وحوالي 1000 وظيفة بصورة غير مباشرة.
وكانت شركة البحار السبعة، المروّج الرئيسي للمشروع، قد أعلنت عن طرح مناقصة التصميم والتوريد لكبار المصنعين في العالم للمعدات والأجهزة كما أنها بصدد طرح مناقصة الأعمال المدنية والإنشائية لشركات عالمية متخصصة في مثل هذه المشاريع.
كما وقعت الشركة المطورة أخيرا اتفاقية حق الانتفاع مع الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة، وقامت الشركة كذلك بالتنقيب اللازم للتعرف على أفضل موقع للمحجر لتوفير احتياجات المصنع من الحجر الجيري.
إضافة إلى ذلك قامت الشركة بعمل كل الترتيبات الخاصة بتوفير الخدمات مثل الكهرباء والمياه ومن ثم الحصول على جميع التصاريح البيئية والحكومية الأخرى.
وتعطي تحركات مسقط باتجاه تطوير المشروعات لمحة عن إصرار الحكومة على التركيز على المنطقة، التي باتت بالنسبة إليها دعامة استراتيجية لتحفيز النمو المستدام.
وتسعى الحكومة إلى التغلب على تحديات الوباء التي أثرت على اقتصادها المتعثر، خصوصا مع تزايد زخم المشروعات التي تأتي ضمن “رؤية 2040” لتنويع مصادر الدخل.
ويعدّ مشروع منطقة الدقم، الأكبر في تاريخ سلطنة عُمان، ويقع على بعد نحو 550 كيلومترا عن مسقط ويشغَل مساحة تبلغ ألفي كلم مربع، وهو يأتي في إطار جهود تنويع مواردها لتشمل صناعات أخرى قبل نفاد الاحتياطيات النفطية القليلة أصلا.
وتركز مسقط كثيرا على الدقم، التي تتمتع بموقع فريد، إذ يبلغ طول الشريط الساحلي البحري للواجهة السياحية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بها حوالي 18 كلم يمكنه استيعاب أكبر أنواع المنشآت والمرافق الحيوية السياحية.
وتشهد المنطقة التي تم إنشاؤها في أواخر عام 2011 إقبالا كبيرا من المستثمرين بفضل موقعها على بحر العرب المفتوح على المحيط الهندي وبالقرب من خطوط الملاحة الدولية.
وتقدم هيئة المنطقة العديد من الحوافز للمستثمرين تتضمن إعفاءات ضريبية وجمركية ومنح حق الانتفاع بالأرض لفترات طويلة تصل إلى 99 سنة.
وعززت الحكومة من خطوات تحسين مناخ الأعمال، عبر إطلاق منصة إلكترونية في أكتوبر الماضي، من أجل تحفيز الشركات المحلية والأجنبية وتسهيل دخولها للمنطقة الاقتصادية في الدقم.
ومن خلال هذه المنصة يتم منح كافة التسهيلات للمستثمرين، وهي تعتبر بوابة الاستثمار في المنطقة، وتصدر عن طريقها مختلف التصاريح الخاصة بالأنشطة التجارية والصناعية والسياحية والعقارية والخدمات اللوجستية.
وتضم المنطقة العديد من المرافق التي تهيئها لاستقطاب الاستثمارات المحلية والعالمية من بينها مطار الدقم الذي يربط المنطقة بالعاصمة العُمانية ويمكن تشغيله دوليا إذا ما رأت الجهات المختصة بالسلطنة ضرورة لذلك.
كما تضم المنطقة ميناء الدقم متعدد الأغراض، وحوضا جافا لإصلاح السفن وتغيير استخداماتها من نشاط إلى آخر، وعددا من المشاريع السياحية كفندق كراون بلازا الدقم وفندق بارك إن، بالإضافة إلى مصفاة الدقم والعديد من المشاريع التجارية والصناعية المتنوعة.
وأعلنت هيئة المنطقة في وقت سابق خلال مايو الماضي عن إنجاز رصيف المواد السائلة والسائبة، فيما تجاوزت نسبة الإنجاز في الرصيف التجاري 90 في المئة، ويضم الميناء أيضا رصيفا حكوميا تم إنجازه العام الماضي.
واستقبل الميناء خلال العام الجاري العديد من سفن الشحن والبوارج العملاقة التي رست على الرصيف التجاري، من أبرزها الشحنات الخاصة بمشروع مصفاة الدقم التي تضمنت 9 خزانات للغاز البترولي المسال.
وتعكس الإحصائيات الصادرة عن الهيئة ارتفاعا متناميا للاستثمارات في المنطقة، إذ تشير إلى أن حجم الاستثمار بالمنطقة بلغ بنهاية العام الماضي وفقا لعقود الانتفاع التي وقعتها الهيئة 14 مليار دولار.
وشهدت المنطقة خلال العام الجاري توقيع عدد من الاتفاقيات الجديدة من أبرزها اتفاقية حق انتفاع لإنشاء حي للأعمال تحت مسمى “ميسان سكوير الدقم” سيتم إنشاؤه على مراحل ابتداء من العام المقبل.