تحجز مؤسسة كهرباء لبنان مكاناً لشركات مقدّمي الخدمات، على متن معظم سلفات الخزينة التي تطلبها. إذ تُطفىء بالسُلَف بعضاً من المتوجّبات عليها لصالح الشركات. ويمرُّ المال تحت ستار “تسديد مستحقات ومصاريف”. ويوافق مجلس الوزراء عليها بعد إصرار وزارة الطاقة، على غرار السلفة التي أقرَّت يوم أول أمس الأربعاء (راجع المدن).
لكن المال يضيع بلا رقابة. واللافت في السلفة الأخيرة، هو تعارض موقفيّ وزير الطاقة وليد فيّاض والمدير العام للمؤسسة كمال الحايك، حول ردّ السلفة. في حين من المفترض بهما التغريد باتجاه واحد.
تحت ستار العجز
تفخر المؤسسة بمشروع مقدّمي الخدمات، وترفض مع وزارة الطاقة التخلّي عنه، رغم التقارير التي تثبت فشله وتوصي بوقفه. فضلاً عن التجربة التي أفضت إلى عدم زيادة معدّل الجباية، وإفادة صندوق المؤسسة منها لشراء الفيول وزيادة ساعات التغذية وإجراء الصيانة وغير ذلك من مهام مناطة بالشركات.
وقوع مؤسسة الكهرباء في العجز، رتَّبَ عليها مستحقات للشركات يستحيل دفعها في الظروف الراهنة. وبموافقة مجلس الوزارء ووزارة الطاقة ووزارة المالية على السلفة، ستستفيد الشركات من قيمة غير واضحة، تأتي ضمن مبلغ 54 مليون دولار أجازها المجلس “لتسديد مستحقات عقود التشغيل والصيانة ومصاريف قطاعات الإنتاج والتوزيع”، وفق ما جاء في محضر جلسة المجلس. على أنَّ حصّة الشركات تُقتَطَع من بوابة قطاع التوزيع.
المُستَغرَب، هو عدم اكتراث المؤسسة بوجوب ردّ السلفة. بل ذهب مديرها العام إلى حدّ إعلان عدم تعهّده بشيء، إذ قال: “لا يمكن لمؤسسة كهرباء لبنان التعهد بشيء لا يمكن تنفيذه”. معتبراً أن التعهدات المرتبطة بالسلفة “يجب أن تطال عدداً من الإدارات، والمسألة تتعلق أيضاً بحماية الجباية”. وبمعنى آخر، تتنصَّل المؤسسة من إعادة السلفة لأن الجباية غير محمية.
تناقضات المؤسسة والوزارة
على أحسن تقدير، تتناقض مواقف الحايك مع ما استند إليه فيّاض للتسويق للسلفة. ففي حين لا يعترف الحايك بالمسؤولية، يُعلِّق فيّاض آمالاً على تحسين الجباية وردّ السلفة، والبدء بتأمين السيولة الإضافية لشراء الفيول.
وهذا التباين لا يلغي مسؤولية وزارة المالية أولاً ثم مجلس الوزراء. فلا يجب إقرار السلفة ما لم تتأكّد وزارة المالية من قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على سدادها. فيما وافَقَ مجلس الوزراء على اعتراف المؤسسة بأن ماليّتها مرهقة. فجاء في محضر الجلسة أن “مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان رأى أن السبيل الأنسب لنجاح الخطة (خطة طوارىء الكهرباء) وعدم إرهاق مالية المؤسسة، يكمن بإصدار مساهمة أو قرض لتغطية الاحتياجات”.
لا تجد مصادر في وزارة الطاقة مسار السلفة وما يتفرّع تحتها من عناوين، أمراً غريباً. إذ إنّ “رغبة الفريق النافذ في الوزارة والمؤسسة هي تعويم مشروع مقدّمي الخدمات والتمسُّك به، وإن جرى ذلك بواسطة المال العام”.
وتسأل المصادر في حديث لـ”المدن”، عن أسباب تمويل قطاع التوزيع “فيما يُفتَرَض بالشركات جباية الفواتير وتمويل الأعمال وتحقيق أرباح. وإن كانت تريد إقناع الرأي العام بأنها تخسر، فلماذا كانت تجدد العقود باستمرار؟”.
أموال المؤسسة لدى الشركات
“لا تكشف المؤسسة ووزارة الطاقة عن البيانات التي تُظهِر نتائج الجباية منذ تولّي الشركات عملها في العام 2012. فمن يريد تفعيل الجباية وإخراج المؤسسة من عجزها، عليه أن التحقق من مسار الجباية لمعالجة الخلل”.
ومن هنا، تعيد المصادر التذكير بأن “الشركات لا تُحوِّل أموال الجباية بشكل يوميّ إلى حساب مؤسسة كهرباء لبنان، بل تُبقيها في حساباتها الخاصة في المصارف لتكسب الفوائد المتراكمة”. كما أن مفاعيل قرار مصرف لبنان الذي يعلن فيه استعداده تأمين الدولارات للمؤسسة بسعر منصة صيرفة، بعد إيداع صناديقه قيمة المبلغ المطلوب بالليرة، لم تظهر بعد منذ إعلان القرار منتصف شهر كانون الأول 2022. فأيٌّ من المؤسسة أو وزارة الطاقة، لم يُعطِ “إشارة إيجابية واحدة على زيادة تحويلات الجباية لتأمين الليرات وشراء الدولار، بعد أن كانت المؤسسة تحتَجّ على عدم تأمين المركزي الدولارات”.
وسط زحمة المسؤوليات وتعقيدات الملفّ، يبرز تقاعس نقابة موظفي المؤسسة عن القيام بواجبها الرقابي، وإن كانت لا تملك صلاحيات تنفيذية في مسألة السلفات والتعاقد من الشركات، لكن يبقى لدى النقابة “ملفّات وتجارب تفضح الكثير في مشروع مقدمي الخدمات ومؤسسة الكهرباء”، ومع ذلك، لم تطفُ على السطح أيّ ملفّات. وتراهن المصادر على التغيير الذي طرأ خلال الانتخابات الأخيرة لمجلس النقابة، إذ “أفرزت الانتخابات وجوهاً جديدة بعد أن خسِرت الوجوه السابقة، ولم يعد للفريق الذي سيطَرَ على المجلس لسنوات، أيّ كلمة”. وهذا التغيير يُحَمِّلُ المجلس المُنتَخَب ثِقلَ ابتكار أداء جديد ومختلف تجاه الشركات والمؤسسة والوزارة.
قبل 3 سنوات، لم يكن لبنان مهدداً بالعتمة الشاملة. ومع ذلك استمرَّ طلب السلفات التي لم تُرَد إلى الخزينة. ومعها استمر تمويل مشروع مقدّمي الخدمات. فهل المطلوب ضخّ المال الدائم لضمان إحياء المشروع؟ ولمصلحة مَن؟