“كلنا مسؤولون”. مبدأ ينطلق منه تجمع “رجال الأعمال اللبنانيين” لطرح خطة إنقاذية، عناصرها متوافرة داخلياً. يرتكزون على فكرة أن لبنان بلد ليس معدوماً، وإن إنقاذه سهل، ولا يتطلب سوى وقوف جميع الافرقاء عند مسؤولياتهم، ووقف تقاذف كرة تصغير حجم القطاع العام في ما بينهم، والإنطلاق إلى مستقبل جديد.
التدهور الكبير في البنية التحتية وتهالكها، ظهرا جلياً بعد نشوب الحرب السورية. فالإقتصاد اللبناني لم يُظهر عجزاً في إستقبال اللاجئين فقط، إنما أيضاً في استيعاب الرساميل السورية الباحثة عن فرص توظيف حقيقية. ما دفع إلى بدء مسار تنامي الدين العام بنسب أعلى من النمو. ففي الوقت الذي لم يتجاوز فيه النمو الـ 1 في المئة تنامى الدين العام بنسبة 7 في المئة.
“التشاطر” على “سيدر”
لبنان الذي استنزف كل مقدّراته خلال الأعوام الماضية على المصاريف التشغيلية وخدمة الدين العام، لم يعد يملك قدرة الإنفاق على المشاريع الإستثمارية الضرورية. فولد مشروع ( CIP capital investment program, ) والذي يعتبر “سيدر” جزءاً لا يتجزأ منه. قيمة البرنامج 17 مليار دولار، تعهدت الدول المقرضة في مؤتمر سيدر بتقديم 11.6 مليار دولار، فيما يؤمن القطاع الخاص بحدود 5 مليارات دولار من خلال مشاريع الشراكة، وربطت جميع القروض بإصلاحات. “لكن المشكلة أن شروط الإصلاح بنيت على معادلات يستطيع القيمون التلاعب بها بسهولة، والطريقة التي جرى فيها تخفيض عجز الموازنة بالنسبة إلى الناتج المحلي واحدة منها. فأتت الموازنة تركيب أرقام تفتقر إلى الدقة. وهو ما سيؤدي إلى استمرار المشاكل وغياب التنمية والنمو، حتى ولو أتت الأموال من مقرضي سيدر”، يقول رئيس “تجمع رجال الاعمال اللبنانيين” فؤاد رحمة، ويضيف: “الأزمة التي نحن فيها اليوم هي بسبب إرتفاع أسعار الفوائد، نتيجة إستمرار عجزي الموازنة والميزان التجاري. وإذا لم يحدث إصلاح جدي وحقيقي، ستبقى الفوائد مرتفعة، وهو ما يؤدي الى استحالة الإستدانة، واختفاء الإستثمارات وبالتالي تقويض النمو والدفع باتجاه الركود”.
“سيدر” اللبناني
ترتكز خطة “تجمع رجال الأعمال اللبنانيين”، على ضرورة الشروع بعملية تمويل داخلية للدولة وبفائدة قليلة، شرط القيام بإصلاحات جدية وسريعة تصيب بدقة مكان الخلل وتعالجه. فلا يكفي مثلاً أن تقر الحكومة خطة للكهرباء لنيل الأموال، إنما يجب أن تُعين الهيئة الناظمة ومجلس إدارة جديداً.
أما الباب الذي سندخل منه فهو “تخفيض خدمة الدين العام الذي يبلغ اليوم 6 مليارات دولار، حيث يجب على المصارف أن تتحمل مسؤوليتها بإعفاء جزء من دين الدولة من الفوائد. صحيح أن مدخول المصارف سينقص بحدود المليار دولار، لكن إذا جرت الإصلاحات تنخفض الفوائد، وتستطيع عندها المصارف إسترداد النقص بالمداخيل”. هذه العملية، بحسب رحمة “تدفع إلى إنخفاض قيمة العجز من كلفة الدين، وإذا أضفنا هذا العامل إلى الإصلاحات المشروطة، ينخفض العجز والفوائد، وترتفع مداخيل الدولة، وندخل في ما يسمى بدوامة من الإيجابيات، لنصل في النهاية إلى مستوى عجز مقبول عالمياً بحدود 3 في المئة من الناتج المحلي، بدل 11.5 في المئة المحقق اليوم”.
“زمّ” الدولة
هذه الورشة تتطلب بحسب خطة “تجمع رجال الأعمال” تصغير حجم الدولة عبر الخصخصة. إذ من المستحيل الإستمرار في إنفاق الأموال الطائلة على مؤسسات عامة منتفخة ومليئة بالتوظيفات الزبائنية، من دون حتى أن تُقدم خدمات جيدة ومقبولة. فهناك، بحسب رحمة، “حوالى 90 مؤسسة عامة مثل المستشفيات، وأوجيرو وغيرها… يؤمن تحويلها إلى القطاع الخاص حوالى 2 مليار دولار. أما تخصيص المرفأ والمطار فيؤمنان 2 مليار، في حين أن تخصيص التيليكوم يؤمن 6 مليارات دولار. ينتج منها جميعاً حوالى 10 مليارات دولار كوفرٍ حقيقي. وإذا أضفنا هذا الوفر على الهندسة المالية التي استعرضناها والتي تؤمن 12 مليار دولار، نكون قد ساهمنا بتخفيض الدين العام بحدود 10 مليارات دولار، وخفضنا خدمة الدين سنويا بملياري دولار”.
والأهم، دائماً بحسب رحمة “أن هذ التخصيص لا يخفف الأعباء المالية عن الدولة، ويؤمن لها الإيرادات فقط، إنما يساهم في تحسين الخدمة، ولا يتخوفن أحد من الخصخصة، وكل ما يسوّق ضدها من شعارات عفى عليها الزمن، كالاحتكار وارتفاع الأسعار، لأنه إن كان هناك من محتكر فهي الدولة التي تعتبر “مونوبولاً”، وليس القطاع الخاص الذي يخضع للمضاربة، ويزول إن لم يؤمن أفضل الخدمات بأحسن الأسعار”.
في ظل الإستمرار في نهج الإستدانة من دون تصغير حجم الدولة، التي تشكل اليوم 36 في المئة من حجم الإنفاق أو ما يعادل 6 مليارات دولار، فإن الأفق لا يبدو ضبابياً فحسب بل مقفلاً. وعليه فإن إمكان الإستمرار لمجتمع الأعمال وبالتالي للقطاعين العام والخاص يبدو مستحيلاً، وهذا سيدفع حكماً إلى الإنهيار عاجلاً أم آجلاً.
“لا نستطيع الإستمرار اكثر من سنة على هذه الحال”، يوضح “تجمع رجال الأعمال”. وهم يسابقون الوقت ويجابهون التحديات للوصول بلبنان إلى بر الأمان ، وبحسب رحمة فإن المستثمرين اللبنانيين لا يملكون خياراً آخر إلا لبنان”. حقيقة عرفها “التجمع” باكراً، علّ المسؤولين لا يتأخرون لإدراكها.