شربل نحاس: أولوية الحكومة للمصارف لا للمودعين

لم يأتِ شربل نحاس من موقع موالٍ للسلطة أو مناهض لها، بمقدار ما كان تركيزه ينصبّ على المشروع. كان يرى «الخراب» في مشروع التسعينيات وحاول ردعه في تلك الفرصة التاريخية عندما كان وزيراً في حكومات ما بعد أزمة العام 2005. حيث حصلت السلطة على فرصة استقطاب أكثر من 20 مليار دولار في مدة قصيرة، ولكنها لم ترد تعديل المسار، فوقع «الخراب» في نهاية 2019. الآن، يرى نحاس، أننا أمام تغيير عميق في المجتمع لم يتبلور شكله النهائي بعد، بل يتشكّل بتطور الأحداث. وتغيير يطال السياسة بزعاماتها والاقتصاد بقاضاياه، والمجتمع بهجرة أبنائه. يحصل الأمر فيما لا يبدي أحد أي استعداد للإقرار به إن لم يكن للتعامل معه. كيف نحافظ على الموارد ونمنع هجرة الشباب ونعيد الإعمار؟

■ يقال إن إعادة تشكيل المؤسّسات الدستورية كانت فرصة بزخم دولي للانطلاق نحو النهوض، ولكن سريعاً ظهرت هوّة كبيرة بين الآمال والواقع. هل تعتقد أننا كنّا أمام فرصة وفوّتناها؟
بعد التفليسة ثم الحرب، تسارع التغيير العميق في المجتمع، وهو غير قابل للارتداد. في المرحلة الشهابية تسارع الأمر مع تنمية الأرياف التي كان هدفها وقف تجييش أبناء الريف في الصراعات.

حصل ارتقاء اجتماعي لكنه انتهى بصدام بين أبناء الريف وأبناء المدن. ومع توسّع الفوارق الاجتماعية، اندلعت الحرب الأهلية. وفي هذا الوقت تدفقت أموال الفورة النفطية في محيط سياسي متخلخل بعد الهزيمة العربية أمام العدو الإسرائيلي وموت جمال عبد الناصر. يومها تسلّح اللاعبون المحليون بالخارج وبدأ التغيير العميق يظهر وصولاً إلى اتفاق الطائف الذي نظّم الهدنة بين المتحاربين.

مع هذا التغيير لم يبقَ من الزعماء السابقين سوى ما ندر، إذ بدأت مرحلة جديدة بزعامات أنتجتها هذه الظروف. وحتى يستمرّ تنظيم الهدنة، كانت هناك حاجة إلى «مضخّة الأموال»، فأُعطيت المصارف هذا الدور لتكون مضخّة وآلية توزيع… ذلك كله أدّى إلى تغيّر في نمط العيش.

كل انقطاع بين مرحلة سابقة واستقرار على المشهد الجديد، تطلّب نحو عشر سنوات. فمع وصول فؤاد شهاب إلى السلطة لم يكن التغيير المتسارع ملحوظاً، إلى أن انفجرت صراعات الحرب الأهلية. أما مرحلة الطائف، فبدأت تظهر في منتصف الثمانينيات، واستقرّت بانقطاع كامل مع ما سبق بالانتقال من الحرب الأهلية إلى شراء السلم الأهلي بالدين. في حينه تصدّرت المشهد زعمات جديدة غالبيتها لم ترتبط بالبرجوازية الحاكمة سابقاً. واستحدث «السيستم»، مضخّة أموال وقنوات توزيع وجرى تلزيم تشغيلها للمصارف… استمرّت هذه المرحلة حتى 2020.

نحن الان امام مرحلة جديدة بدأت منذ خمس سنوات. الجديد لن يشبه القديم أبداً. رغم ذلك، هناك ممانعة هائلة للإقرار بحصول هذا الانقطاع مع السابق. حتى التعابير المستخدمة يومياً تؤشّر إلى هذه الممانعة، فكلمة «التعافي» مبنية على إمكانية العودة نحو الشكل السابق من الحكم. الرهان على هذه العودة مقابله نمط حياة لا يريدونه، لذا يروّجون أن المليارات قادمة، وأنه يمكن تدبير مسألة هجرة الشباب، إلى جانب الرهان على الـ «أن جي أوز». يهدف هذا السلوك إلى صدّ الإقرار بنهاية النظام بشكله السابق، وممانعة تقبل الشكل الجديد كونه لن يكون مريحاً ومنعشاً.

كانت لدينا فرصة. لكن الحكومة اعتمدت على السرديات القائمة لتحديد أولوياتها. فلنأخذ التفليسة مثلاً؛ هناك سردية تقول إن الأوضاع كانت على أفضل ما يرام، لكن الحصار الأميركي أدّى إلى التفليسة. والسردية الثانية، تقول إنّ الشيعة خلقوا مشكلة مع الأميركيين والخليجيين، ولولا سلوكهم «كان الحال ماشياً». تتقاطع السرديتان على أن شخصاً شريراً أوقعنا في المشكلة، وبرحيله تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي.

بعضهم يسمّيها: العودة إلى الحضن العربي، وآخرون يشيرون إلى الفساد وسلسلة الرتب والرواتب، والكهرباء... لكنّ السرديتين تتحدثان عن أمر واحد؛ الأولى تقول إنّ «المضخّة» التي تؤمّن المال توقفت بسبب الحصار، لذا إصلاحها ممكن. والثانية تقول إنّ قنوات التوزيع الداخلية استنفدت قدرة «المضخّة»، لذا يجب «ضبضبة» المزاريب. بسهولة يمكن الاستنتاج أن المقصود إصلاح «المضخّة»، أي الوصول بالقطاع المصرفي إلى «التعافي»، لكن مع عدم المسّ به، بحجة أنه أساسي لـ«العودة»، سواء حُمّلت المسؤولية لأميركا أو للشيعة وإيران.

البيان الوزاري لحكومة نواف سلام يتبنى هذه السّرديات من دون أن يقترح إعادة النظر في “المضخّة”. وفي البيان تكرار لكلمة «دولة» من دون ترجمتها إلى خيارات تنقض الفكرة الموروثة من المرحلة السابقة. ما هي الدولة؟

هي تحشد الموارد وتحدّد طريق الإنفاق والجباية. مثلاً، يقولون إنهم يسعون إلى تغطية صحية لكلّ المواطنين، ولكن من دون أي إشارة إلى من سيدفع ثمنها؟ هل سنضمن المغترب منذ عشرات السنوات، في مقابل عدم ضمان السوري المقيم هنا رغم أنّه عرضة للأمراض المعدية، والتي من الممكن أن تصل إلى المجتمع اللبناني. هذه أمور «تافهة»، لم يأتِ البيان الوزاري بأيّ كلمة تجاهها، مثلها مثل «تعداد السكان»، و«الإعمار»؛ ماذا نبني، ومن يبني، وما هو دور حزب الله إذا أحضر الأموال اللازمة؟

■ هل تتعامل الحكومة بواقعية مع تحديات النهوض عبر الأولويات التي تعرضها في البيان الوزاري؟
هناك افتراق بين شعار مطروح بقوة يقوم على موّال «الدولة» و«الحضن العربي»، وبين الواقع. فلم تصدر أي إشارة إلى أنه يمكن الولوج إلى هذه الخيارات بواقعية، علماً أن التعامل الواقعي يفرض العمل على تعداد السكان لمعرفة أعداد المقيمين والموارد المؤسّساتية بمعزل عن التوجه الخاص والعام والأيديولوجي.

ففي مقابل وجود نحو مليون ونصف مليون سوري في لبنان يشكّلون القوّة العاملة الحقيقية، يشير البيان الوزاري إلى «ندّية العلاقات مع سوريا». أين الندّية فيما يمكن للحكومة السورية أن تقفل الحدود البرية تماماً عن لبنان؟

لم تكن العلاقات يوماً نديّة بين البلدين، بمعزل عن هوية الحاكم في سوريا. فرغم أنه من الواضح أننا لن نرجع كما كنّا من قبل، إلا أن الموّال نفسه يتكرّر في كل الملفات. مثلاً، أرسلت موازنة 2025 في آب الماضي من دون أن تقرّ أو أن تستردّ من الحكومة رغم كلّ ما حصل. مجرد التداول بأنّ الموازنة يجب أن تُقرّ كما هي، هو أمر سوريالي. لا أقول إن الخيارات الأخرى سهلة بل هي غير متقبّلة وصعبة.

وعلى المنوال نفسه يجري الحديث عن الودائع. يقول البيان الوزاري: «ستعمل الحكومة من أجل النهوض بالاقتصاد الذي لا يقوم من دون إعادة هيكلة القطاع المصرفي ليتمكن من تسيير العجلة الاقتصادية، وستحظى الودائع بالأولوية من حيث الاهتمام عبر وضع خطة متكاملة وفقاً لأفضل المعايير الدولية للحفاظ على حقوق المودعين…».

إذاً، بين المودعين والضمان الصحي، تقع الأولوية على المودعين، ما يعني أنّ الإعمار والضمان الصحي ليسا أولوية. في رأيي، عندما يتحدثون عن الأولوية، يقصدون «مضخّة الأموال»، فأهم ما في هذه العبارة، جملة: «تعافي القطاع المصرفي»، أي «الطرمبة». منهجياً، هم ليسوا «مجاديب». فالنهوض بالقطاع المصرفي الذي يمثّل أولوية، سيتفركش بالمودعين، من الجميل تحليل نصّ البيان الوزاري رغم أنّه مملّ للقرّاء. تسلسل البيان معبّر، والمقصد منه هو العودة إلى الحضن العربي، وتشغيل «الطرمبة».

■ هل يمكن التعامل مع المصارف بطريقة غير تلك الواردة في البيان الوزاري؟
هنا الحديث يجب أن يتركّز على بناء ميزان قوى مع الخارج بهدف التفاوض على ما يخدم مصلحة لبنان في الداخل. هم يرون خطراً في فتح هذا النقاش، لذا يعملون على «سيسَرة» الأمور يوماً بيوم، بانتظار متغيّر ما. مثلاً، لا يمكن واقعياً ردّ الودائع، فتلجأ الحكومة إلى علاج يعتمد على إعادة تشغيل «الطرمبة» (المصارف) وتتعامل مع الودائع باعتبارها مجرّد «تسطيمة» يجب حلّها. لا يريدون إعادة النظر في هذه «الطرمبة».

هم يهربون من الأسئلة الأهمّ : ماذا نريد من المصارف؟ لماذا يرغب الناس في إيداع الأموال لديهم؟ ما هي مبررات استخدام الأموال؟ هذه أسئلة تقود نحو مسائل غير مرغوب النقاش فيها.

على سبيل المثال، في حال وجود عجز مالي كبير يجب وقف قروض الإسكان والاستهلاك. هذا الخيار يقود نحو تعزيز الإيجار السكني الذي يؤدي إلى انخفاض في أسعار العقارات. هل يعلمون لماذا هناك ودائع في المصارف؟ فمع تأسيس المصارف في القرن التاسع عشر، لم تكن هذه المؤسسات تأخذ الودائع من الجمهور، بل اقتصر عملها على تقديم التسهيلات التجارية للتجار والأثرياء.

أما الآن، فالأموال تودع في المصارف لثلاثة أهداف: أولاً تمويل التجارة، ثانياً، للاحتياط (الادخار) مقابل تحصيل الريع (فائدة أو خسارة) الذي يقتطع بشكل غير مباشر من الإنتاج أو على طريقة «البونزي» اللبنانية، وثالثاً الاستثمار.

الاستخدام التجاري لا ينطوي على مخاطر كبيرة لأنه مضمون بالبضائع. لكن ادخار الأسر يفرض على المصارف تأمين قيمة الفوائد التي يتم تحصيلها من القروض التجارية المموّلة بدورها من الأرباح التجارية. بمعنى، أنه كلما كان حجم الودائع كبيراً (في لبنان بلغت نسبة الودائع إلى الناتج ثلاثة أضعاف والآن هي 6 أضعاف) كلما زادت الاقتطاعات واستنفد الناتج المحلّي. ماذا يحصل عند استنفاد الناتج؟ تُفلس المصارف.

في لبنان كان مستغرباً أننا لم نفلس سابقاً، وذلك بفضل شطارة رياض سلامة وتركيباته القائمة على إيجاد مودعين جدد يُسدِّد بأموالهم فوائد المودعين القدامى (بونزي). كان رياض سلامة ساحراً. لكن من الواضح أن هناك قدرة محدودة على إدارة الريع، وأنه في المقابل هناك مخاطر للاستثمار. هذه خيارات للنقاش لكل منها كلفة، ولا يمكن البناء على واحدة منها باعتبارها أمراً بديهياً.

■ كنت تردّد دائماً أنّ الأولويات هي: تغطية صحية شاملة ممولة بالضريبة، نقل عام مشترك، التعليم الأساسي المجاني. لكن الحكومة تتحدّث اليوم عن تعافي المصارف والكهرباء. فهل ما تزال الأولويات على حالها؟
يمكن أن تزيد على الأولويات التي كنت أشير إليها سابقاً، إعادة الاعمار. علينا القيام بجهد استثماري ضخم للتقليل من الحاجة إلى الريع والتسوّل. من يؤمّن الأموال، على اختلافاتهم، يسمى تسوّلاً. ومن يدّخر أمواله يريد ريعاً.

الريع والتسوّل يخنقان القدرة الإنتاجية بينما يجب الإقرار بأنّ التركيبة السابقة انتهت ولا مصلحة في إحيائها ومواكبة ذلك باستثمارات مفصلية. الأولوية في الإعمار تُبنى على خلق الوظائف في القرى. لا نريد لسكان القرى أن يهاجروا وهذا يتطلب استثمارات.

أما بالنسبة إلى الكهرباء، فإن التعامل معها على قاعدة المفاضلة بين استثمار عالٍ اليوم وكلفة تشغيلية منخفضة لاحقاً. فالكهرباء تقوم بشكل واضح على العلاقة بين العجوزات المالية وأسعار النفط. خلال المراحل السابقة، أفهمهم رياض سلامة أنّ علينا تخفيف كلفة الفيول، فبدأ التقنين. بعد ذلك استُخدمت المولدات.

بعد التفليسة استثمر الناس كتلة أموال كبيرة في ألواح الطاقة الشمسية وتبيّن أنها مجدية أكثر من معامل الكهرباء! فهل سنتمكن من ربط الألواح ببعضها البعض لاستغلال طاقتها كلّها لزيادة الإنتاجية ومضاعفة مردود الاستثمار؟ أيضاً كيف نتخلص من المولدات؟ من دون خيارات كهذه توازن زمنياً بين كلفة الاستثمار وجدواه، مع كلفة الريع والاقتطاع، نعود إلى التركيبة السابقة بشكل أكثر تعاسة.

■ ألا تعتقد أن الرهان الحالي على عودة لبنان إلى الحضن العربي وإحياء المصارف يشبه رهان السلام في مطلع التسعينيات حين وعد لبنان بأموال الصندوق العربي؟
قبل الإفلاس، كان هناك مصدران للأموال: الحضن العربي، والدعم الدولي. وما كان يأتي من أموال، استمرّ حتى لحظة الهجوم الإسرائيلي، سواء من الولايات المتحدة الأميركية عبر المنظمات الدولية والـ«أن جي أوز»، أو من إيران، أو من المنظّمات الدولية المعنية بالنازحين السوريين. أما النمط الذي نشأ مع وصول رفيق الحريري إلى الحكم، فقد أتى في ظرف مغاير بدأ بالضبضبة الداخلية إلى جانب موّال «السلام» في رأس الحريري وغيره من الأحزاب. كان يسعى إلى أن تكون بيروت مماثلة للنموذج الذي أصبحت عليه الإمارات. خيار الحريري لم يكن تسوّلياً، إنما كان يحتاج إلى انطلاقة، ولكنه وقع سريعاً بعدما تبيّن أن الحضن العربي «فوفاش»، وانهار سعر الصرف في 1992. الحريري، اعتبر أنه يمكن شراء السلم الداخلي بالدين، وبواسطة المشاريع الداخلية.

وفي مشهد «السلام» الحالي، لبنان ليس على الخريطة. هو «سلام» يبدأ في الإمارات، ويصل إلى السعودية، ويعبر الأردن وصولاً إلى حيفا. لا وجود للبنان في هذا المخطّط. رهانات اليوم أضعف، وقائمة على التسوّل والهجرة والأوهام. أنا لا أشتم أو أمجّد بالحريري، فهو من زمن آخر، لكن الآن هناك امتناع عن مواجهة الواقع، وما يرتبه من خيارات.

■ ما يظهر في البيان الوزاري والتصريحات الرسمية ومداولات الكواليس، يبدو أن إعادة الإعمار أمام خيارين: أن تُرمى على جهة غير الدولة، أو لن تحصل؟
ما أراه أنهم لن يستعملوا الأموال الموجودة لدى مصرف لبنان ربطاً بتبنّي مقولة ردّ أموال المودعين. أما المغامرة باستثمار الأموال والذهب، فهي «مغامرة» بالنسبة إليهم. في الواقع، يجب البناء على هذه المغامرة إذا كانت تخفّف الحاجة إلى التسول والهجرة، أي استعمال الأموال في خيارات استثمارية ترمي إلى تقليل الحاجة إلى الاستيراد.

مثلاً، علينا تقليل استيراد السيارات التي تبلغ كلفتها مع وقودها نحو 3 مليارات دولار سنوياً. خفض هذا الرقم إلى النصف باستثمار 4 مليارات دولار من الأموال الموجودة، أمر يستحق المخاطرة لتقليل الحاجة إلى الريوع وعندها فقط، الضمان الصحي الشامل للمقيمين، لا اللبنانيين المهاجرين، يصبح مبرراً. هذا خيار. أيضاً نحن بحاجة إلى السوريين. فالشباب اللبنانيون لن يذهبوا صباحاً لنكش الأرض وفلاحتها. علينا التعامل مع الهجرتين الخارجة والوافدة.

عدد السكان القادرين على الإقامة في المناطق المدمرة أقلّ مما كان قبل الحرب. في المناطق المتبقية لا يمكننا إبقاء الناس بالقوة. لذا، لا يمكن إبقاء الضخّ بالوتيرة السابقة نفسها. مثلاً، لا نحتاج إلى 5 فروع للجامعة اللبنانية.

التعليم، لا يجب أن يكون مفتوحاً كما هو الآن، لأننا نقتطع موارد لتعليم الشباب وندفعهم إلى الهجرة والعمل في دول أخرى، وكأننا ندعم اقتصادات هذه الدول. يجب أولاً وقف النزيف البشري عبر الخدمة المدنية والعسكرية الإلزامية لرفد الإدارة والاتفاق مع الجامعات على كبح ظاهرة الهجرة. مثلاً، في حال لم يرغب الشاب في الهجرة تؤجّل أقساطه، وفي المقابل يدفع الراغب في الهجرة أقساطاً مضاعفة على طريقة «ضريبة خروج». علينا أيضاً أن نقرر ماذا سيدرس هؤلاء الشباب، لأننا لا نريدهم جميعاً باختصاص ما. ألا نتساءل لماذا تمكّن العدو من تطوير سلاح التكنولوجيا عبر الاستثمارات مع الشباب؟ لا نحتاج إلى تصدير الشباب، بل الاستثمار فيهم وتحويل الخسائر إلى تضحيات.

■ يفهم من البيان الوزاري والوزراء أن هناك موجة خصخصة آتية. هل توافق على استعمال هذه الأداة في ما يسمّى «إصلاح»؟
الخصخصة هي كذبة لتخبئة الدين المتولّد من الأموال التي يفترض اقتراضها اليوم بهدف الاستثمار مقابل مردود هذه الاستثمارات لاحقاً. ما المشكلة بأن تقوم شركة خاصة بإدارة المستشفى العام أو معمل الكهرباء العام أو غيرها؟

بتقديري، تعزيز حظوظ «الطرمبة». هذه الطريقة ترتب خسائر لاحقة مقابل تأمين الأموال بشكل أسرع. نريد أموالاً من الخارج اليوم، وبدلاً من الاستدانة بفوائد منخفضة، توافق الدولة على الاستدانة بفوائد أعلى والتخلّي عن المردود المستقبلي.

إحضار هذه الأموال يتم خدمة لأولويات، منها إعادة إحياء النموذج. هم ينظرون إلى الموارد على أنها دولارات، سواء أتت من الخصخصة أو من الحضن العربي والدولي، بينما أنا أنظر إلى البشر والمؤسسات باعتبارهم الموارد، لذا الموارد بالنسبة إليهم هي التي تعيد المصارف وتخدم سردية إعادة الودائع.

لكن ماذا لدينا للبيع سوى الأملاك البحرية؟ من سيشتري مؤسسة الكهرباء؟ أو الاتصالات؟ الأموال نحضرها بالهجرة لتعزيز الاستهلاك، والمؤسّسات ستباع للهدف نفسه.

 

مصدرجريدة الأخبار - فؤاد بزي
المادة السابقةالتجار يستغلون زمن “الصوم”: أسعار المواد الغذائية تتصاعد
المقالة القادمةأربع محطات اقتصاديّة أمام الحكومة… هل تتخطاها؟