بعيداً من لغة الأرقام الجلفة فان الوضع سيئ جداً في الحالتين. فخسارة أكثر من ثلثي الناتج المحلي في ظرف عامين يعني إنهياراً هائلاً في الانتاج والخدمات ومداخيل المواطنين على حد سواء. ذلك أن الناتج المحلي هو القيمة السوقية لكل السلع النهائية والخدمات المعترف بها، والتي يتم إنتاجها خلال فترة زمنية محددة. وبحسب مارديني فان “التقهقر بالناتج ينعكس انخفاضاً في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد، وبالتالي تراجعاً في المداخيل. من هنا لا يمكن للبلد الذي لا ينتج الثروة أن يدفعها. أمّا في حال اتخاذ القرار بزيادة الرواتب والأجور وبناء شبكة الأمان الاجتماعي في ظل هذا الانهيار، لأسباب شعبوية تتعلق بـ”التجييش” قبل الانتخابات النيابية، فهي ستؤدي إلى أمرين:
– إقفال المزيد من المؤسسات في القطاع الخاص وصرف المزيد من العمال والمستخدمين.
– طباعة المزيد من الليرات لتمويل رواتب القطاع العام نتيجة العجز في الموازنة واستمرار تراجع الايرادات.
هذا الواقع لن يؤدي إلى المزيد من التضخم وارتفاع سعر الصرف فحسب، إنما “سيدفع إلى المزيد من التقلص في الناتج المحلي”، يقول مارديني. فـ”ناتج بقيمة 30 ألف مليار ليرة مثلاً، على سعر صرف 30 ألف ليرة تصبح قيمته 1 مليار دولار.
“دوامة التضخم ليست قدراً محتوماً، إنما هي الحل الأسهل البديل عن الإصلاح الذي انتهجته الحكومات المتعاقبة وآخرها حكومة الرئيس ميقاتي. فالرواتب في واقعها الحالي المقدرة قيمتها بحوالى 12 ألف مليار ليرة، ممكن تغطيتها من الفائض الأولي في الموازنة، حيث إن الواردات الضريبية ما زالت تغطي المصاريف الجارية. إلا أنه في المقابل فان كل الموارد المالية لا يمكن أن تغطي أي زيادة في الرواتب. وهي ستضاف إلى خسائر كهرباء لبنان وخدمة الدين العام الذي راكمناه بسبب الصفقات العمومية والصرف في الدولة من دون حسيب أو رقيب”، من وجهة نظر مارديني، “هذان العاملان يسببان العجز بشكل أساسي، ويحتّمان على الحكومة الاستدانة من “المركزي” بدلاً من الاصلاح وتعزيز الايرادات ووقف الفساد.
المفارقة التي لا تقل خطورة، بحسب مارديني، عن الاستمرار في الاستدانة، تتمثل في “تمرير ما بين 90 إلى 95 في المئة من الصفقات المسببة لهدر المال العام في الوزارات والمؤسسات والصناديق والمنشآت من دون الخضوع للهيئات الرقابية”. هذه العملية التي تمول من تسييل الدين العام، وتسبب التضخم وانهيار الليرة وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين لم توقفها السلطة رغم الانهيار، بل أوجدت لها فتوى لتستمر، فانشأت “هيئة الشراء العام” للانتهاء من إصرار إدارة المناقصات على إخضاع الصفقات العمومية للرقابة المحكمة. وعوضاً عن أن تكون هناك هيئة مستقلة لوقف الهدر، وضعوا المدير العام لإدارة المناقصات بتصرف الحكومة لمرحلة موقتة. وكأنهم يقولون له: “إذا لم تمرر الصفقات نستغني عن خدماتك ونأتي بمن يمررها”، برأي مارديني، “يساعد على ذلك تعيين رئيس واعضاء هيئة الشراء العام من الحكومة. أي من الموالين للسلطة. وذلك على عكس الاستقلالية التي كانت تتمتع بها إدارة المناقصات والتي كان من المفروض تفعيل دورها بدلاً من اقصائها”.