إن لم يسبق إنشاء صندوق استرداد الودائع، عملية إعادة هيكلة المصارف، تكون الدولة قد أمّنت مجدداً ضمانة لمصرف لبنان والمصارف التجارية، وليس للمودعين مباشرة.
في اطار السعي لإجراء عمليات تجميل لخطة التعافي التي أقرّتها الحكومة والتي ستبدأ اللجان النيابية بمناقشتها وسط اعتراضات هائلة عليها خصوصاً لناحية تكبيد المودعين الجزء الاكبر من الخسائر، كشف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي امس للجنة المال والموازنة عن تعديلات جديدة سيدخلها الفريق المعدّ للخطة بعد التفاوض مع صندوق النقد الدولي عليها، أبرزها إنشاء صندوق لاسترداد الودائع بتمويل من عائدات الغاز المرتقبة، من استرداد الاموال المحوّلة الى الخارج بعد 17 تشرين، من فائض الموازنة، من رساميل المصارف وغيرها من المقترحات.
ورغم ان آليّات تطبيق هذا التعديل الجوهري والقوانين المرتبطة به لا تزال غامضة بانتظار بلورتها وصياغتها تمهيداً لطرحها على مجلس النواب لمناقشتها، إلا انّ العنوان العريض وهو إنشاء صندوق لاسترداد الودائع يجب ان يسبقه أوّلاً إقرار القوانين الاربعة المرسلة الى مجلس النواب وهي: قانون الكابيتال كونترول، الموازنة، رفع السرية المصرفية واعادة هيكلة المصارف.
في هذا الاطار، شدد رئيس لجنة حماية حقوق المودعين المحامي كريم ضاهر على ضرورة اعادة هيكلة القطاع المصرفي قبل انشاء اي صندوق سيادي لضمانة المودعين، موضحاً لـ»الجمهورية» انّ ضمانة المودعين يجب ان تكون مباشرة من قبل الدولة وليس من قبل المصارف القائمة حالياً، اي ان صندوق استرداد الودائع يجب ان يضمن المودعين مباشرة وليس ان يضمن مصرف لبنان والمصارف التي بدورها ستقوم بضمانة المودعين، ولو بعد فترة زمنية طويلة.
وشرح انّ الموديعن لن يتمكنوا من استرداد حقوقهم طالما لم توفر الدولة ضمانة من قبلها بعد استنزاف كافة الوسائل الاخرى وبعد تحصيل ما يمكن تحصيله من قبل كافة المسؤولين عن الازمة الحالية. واعتبر ضاهر انّ اعادة هيكلة المصارف امر ضروري لحلّ ازمة المصارف واعادة رسملتها من قبل المساهمين واجراء عملية تغيير في ادارات المصارف ومحاسبة المسؤولين، مشيراً الى وجود قوانين يمكن الاستيحاء منها مثل القانون الاوروبي BRRD الذي تم إقراره في 2014 او القانون الفرنسي اللذين يحددان كيفية اعادة الهيكلة في اطار مدروس.
وحذّر ضاهر من ان يقرّ موضوع ضمانة الودائع، قبل موضوع اعادة هيكلة المصارف والتنظيم والمحاسبة وتحديد المسؤوليات، بحيث يتم إنشاء صندوق سيادي تتعهّد الدولة من خلاله بتسديد ارباحها المتأتية من فائض الموازنة وغيرها، الى الصندوق الذي تتشارَك معها فيه المصارف ومصرف لبنان بجزء من ارباحها. وبالتالي، ستؤدي هذه الآلية الى اعطاء ضمانة لمصرف لبنان الذي لن يعود بحالة عدم ملاءة مالية، والذي سيقوم بدوره بإعطاء ضمانة للمصارف على موجوداتها لديه، لتصبح ميزانيات الاخيرة ايجابية ولا تعاني من عدم ملاءة كما هو وضعها حالياً، ممّا يتيح لها الاستمرار بوضعها الحالي، من خلال ضمانة أموال المودعين اي انها ستتمكن من اعطاء المودعين ضمانة باسترداد أموالهم لاحقاً. ولفت ضاهر الى انّ هذه الآلية هي الاخطر، لأنها ستمكّن المصارف من الاستمرار بوضعها الحالي، من دون شطب رساميل المساهمين الحاليين ومن دون تحديد المسؤوليات وفتح الملفات للتحويلات المشبوهة وغيرها مع الابقاء على اعضاء مجالس الادارات نفسها.
وشرحَ انّ الآلية الاجدى لإنشاء صندوق لاسترداد الودائع هي عبر ضمانة الدولة مباشرة، المودعين وليس من خلال المصارف، بحيث يُصار الى نقل كافة الودائع التي لا يمكن تسديدها حاليا، الى شركة او صندوق مستقل تحت ادارة مؤتمنة وفي ظل نظام حوكمة رشيدة، يمكن بعدها ان تقوم الدولة بضمانة تلك الودائع مباشرة. موضحاً انّ هذا الصندوق يمكن «تسنيد» إيراداته، اي انه على سبيل المثال، في حال كانت احدى الشركات تملك مبالغ محتجزة لدى المصارف وعليها متوجبات ضريبية للدولة، يمكنها بالتالي أن تستخدم ودائعها لتسديد متوجباتها للدولة set off او compensation، وذلك على غرار استخدام السندات الضريبية لتسديد متوجبات ضريبية، ممّا يتيح مع الوقت، بَيع تلك السندات لمختلف الجهات لغرض تسديد متوجبات ضريبية، ولكن بقيمة أقلّ، وتفعيل بورصة بيروت من خلال تلك العمليات ايضاً.
وفي الختام، شدد ضاهر على ضرورة عدم ضمانة اي صندوق قد تؤسّسه الدولة، المصارف الحالية المتهاوية لكي تستمرّ وتتحكّم بالايرادات الوهمية للدولة.