صيرفة الهدية الملغومة… مُحرّك أساسي للسوق

عاد موضوع منصّة صيرفة إلى الظهور مجدّداً، متجاوزاً الأولويات الأخرى، من الاتفاقات السياسية، المالية والنقدية، خصوصاً بعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان، والذي كان المهندس الأساسي لهذه المنصّة. فما هي التداعيات الإيجابية والسلبية إذا توقفت هذه المنصّة عن العمل؟

شئنا أم أبينا، أصبحت منصّة صيرفة، وسوق صرف «صيرفة»، المحرّكان الأساسيان للسوق المحلية أو حتى للإقتصاد اللبناني.

في الشق الإيجابي، ثمّة جزء كبير من اللبنانيين، يعتاشون من خلال هذه المنصّة، أي من خلال تصريف دولاراتهم شهرياً، مقابل العملة اللبنانية في السوق السوداء، ويستعيدون دولاراتهم من المصارف عبر سوق صيرفة، مُحقّقين 7-8-9 % أرباحاً مباشرة بغية استكمال نمط معيشتهم اليومي.

ثمّة جزء آخر من اللبنانيين، من موظفي القطاع العام، يعتاشون من عمليات «صيرفة» ذاتها، ويحصلون على بعض التسهيلات بغية تمكينهم من شراء بعض الدولارات من البنك المركزي عبر المصارف، وفق سعر صيرفة، أو بحسب حسومات مغرية. علماً أن جزءاً كبيراً من القطاع العام لا يزال صامداً جرّاء الدولارات الفريش التي يشتريها الموظفون من منصّة صيرفة.

الجزء الثالث من اللبنانيين، يتعلق باستفادة بعض الأشخاص الذين يتلاعبون بهذه السوق، ويشترون قسماً كبيراً من الدولارات بأسعار مخفّضة، من دون أي رقيب أو حسيب. هؤلاء مسؤولون عن التلاعب بسعر الصرف، وأيضاً معنيون بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب والتهريب وغيرها. علماً أنّ المصارف أيضاً تستفيد من هذه المنصّة، من خلال العمولات التي تتحقق في كل عملية تصريف، والتي عادت في تكوين بعض الأرباح بالفريش كاش، من أجل تغطية مصاريفها التشغيلية.

وهكذا أصبحت منصّة صيرفة المحرّك الأساسي في الإقتصاد اللبناني. لكن تكوّنت أيضاً كلفة على «المركزي»، فأساس خلق وهندسة هذه المنصة، كان من جهة، مواجهة السوق السوداء، وفرض سعر صرف جديد، ومن جهة أخرى، إعطاء بعض الأوكسيجين للمواطنين.

وفي حال توقفت هذه المنصّة، لا شك في أن السوق السوداء ستكسب الأرض من جديد، وبعض حيتان الصيرفة سيتلاعبون بسعر الصرف وبحياة اللبنانيين كما يشاؤون.

في المحصّلة، إن الذين يهاجمون اليوم هذه المنصة، كانوا بالأساس هم الذين أسّسوا أو أعادوا حركتها مرات عدة في الماضي، وعلينا التنبّه إلى عدم اتخاذ قرارات عشوائية، أو منفصلة عن الواقع، لكن المهم هو زيادة المراقبة والملاحقة، وفي حال اتخاذ القرار بوقف المنصة، يجب إيجاد البديل لها، في ظل إعادة الهيكلة، والإستراتيجية على المدى القصير والمتوسط والبعيد.

إن أساس إعادة أي خطة تبدأ بالثقة والتنفيذ والملاحقة. أما في لبنان فقد انحدرت الثقة نهائياً، أما التنفيذ فمستحيل، والملاحقة وهمية. فكل القرارات المالية والنقدية مرتبطة بالسياسة، وليس بالإقتصاد.

 

مصدرالجمهورية - د. فؤاد زمكحل
المادة السابقةوسيم منصوري يبدأ عهده على رأس مصرف لبنان بدعسة ناقصة
المقالة القادمةكلام صناعي جريء ضد فرض ضرائب والرسوم في موازنة ٢٠٢٣