كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، في تحقيق استقصائي من 10 آلاف كلمة، ملخصاً لضرائب الرئيس دونالد ترامب خلال 20 عاماً من حياته التجارية قبل أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة في بداية العام 2017.
وحسب التقرير، فإن ترامب لم يدفع ضرائب لمدة 10 أعوام من السنوات العشرين التي سبقت فوزه بمنصب رئيس الولايات المتحدة. كما كشفت الصحيفة أن الرئيس الأميركي دفع 750 دولاراً فقط كضريبة دخل في عام 2016، الذي فاز فيه بالرئاسة، وكذلك 750 دولاراً في عامه الأول في المنصب (2017). ونفى ترامب ما ورد في تقرير الصحيفة ووصفه بأنه “أخبار كاذبة”.
ويأتي تقرير الصحيفة الأميركية قبل أيام من أول مناظرة بين ترامب ومنافسه الديمقراطي في انتخابات الرئاسة المقبلة، جو بايدن، وقبل أسابيع من الانتخابات المقررة في يوم 3 نوفمبر/ تشرين الثاني. وبعد نشر تقرير “نيويورك تايمز”، يوم الأحد، قال ترامب لمراسلين: “في الواقع لقد دفعت، لكنكم سترون ذلك بمجرد إنهاء إقراراتي الضريبية.. إنها قيد الفحص منذ فترة طويلة”. وأضاف الرئيس: “دائرة الإيرادات الداخلية IRS لا تعاملني جيداً.. إنهم يعاملونني على نحو سيئ للغاية. هناك أشخاص في الدائرة يعاملونني على نحو سيئ للغاية”.
ودائرة الإيرادات الداخلية Internal Revenue Service، هي دائرة الإيرادات في الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة، وتتبع الدائرة لوزارة الخزانة الأميركية وتشرف على جمع الضرائب وتطبيق قوانين الإيرادات الداخلية.
وواجه ترامب دعاوى قضائية خلال السنوات الماضية بعدما رفض الكشف عن وثائق متعلقة بثروته وأعماله، وهو أول رئيس منذ السبعينيات لا يكشف عن إقراراته الضريبية. وعلى الرغم من أن القانون الأميركي لا يلزم الرئيس بالكشف عن سجله الضريبي، إلا أنه من الناحية الأخلاقية فإن الرؤساء يكشفون عن سجلهم الضريبي كمواطنين مخلصين لبلدهم.
كما كشف التقرير أن ترامب دفع 1.4 مليون دولار لمصلحة الضرائب خلال الفترة من 2000 إلى 2017، وفي المقابل، فإن متوسط ما دفعه المواطن ذو الدخل المرتفع في الولايات المتحدة لمصلحة الضرائب، يقدر بنحو 25 مليون دولار سنوياً، حسب ما كشفت نشرة “ماركت ووتش” الأميركية.
وتتحدث النشرة عن نسبة 0.01% من المواطنين، أي شريحة الأثرياء بالولايات المتحدة والرئيس ترامب يحسب نفسه من المليارديرات، أي أنه ينضم إلى هذه الشريحة.
وقالت نيويورك تايمز إن المعلومات الواردة في تقريرها “قُدّمت من مصادر لها حق قانوني في الاطلاع عليها”.
كما ذكرت الصحيفة أنها اطلعت على إقرارات ضريبية خاصة بالرئيس ترامب وعلى وثائق الشركات التي تملكها مجموعته “ترامب أورغانيزايشن”، وعن فترة تمتد حتى التسعينيات، بالإضافة إلى كشوف الضرائب الخاصة به لعامي 2016 و2017.
وكشفت الصحيفة أن ترامب دفع ضريبة دخل قيمتها 750 دولاراً فقط عن عام 2016، كما لم يدفع أي ضرائب دخل عن عشرة أعوام من الأعوام الـ15 الماضية، “لأنه إلى حد بعيد أعلن عن خسائر في الدخل أكثر مما جناه”. وقد أعد التقرير ثلاثة صحافيين، هم روس بوتنر وسوزان كريغ ومايك ماكنتاير.
وقبل أن يصبح رئيساً، اشتهر ترامب بأنه رجل أعمال من المشاهير وقطب في مجال العقارات. ولكن تقرير نيويورك تايمز يشكك في صحة صورة رجل الأعمال الذكي والماهر المكلل بالنجاح التي رسمها لنفسه طوال هذه السنوات، إذ إن شركاته تسجل خسائر أكثر من الأرباح، وفقاً للسجلات الضريبية.
وتقول نيويورك تايمز إن تقارير ترامب المقدمة إلى دائرة الإيرادات الداخلية “تصوّره رجل أعمال يحصل على مئات الملايين من الدولارات سنوياً، وعلى الرغم من هذا يعاني من خسائر مزمنة يوظفها بقوة لتفادي دفع ضرائب”.
وحسب الصحيفة، في سجل العام 2018، صرّح ترامب بأنه حقق أرباحاً بقيمة 434.9 مليون دولار على الأقل. وتزعم الصحيفة حول هذا الأمر أن الإقرارات الضريبية تظهر أنه خسر 47.4 مليون دولار.
من جانبها، رفضت مجموعة شركات ترامب ما وصفتها “المزاعم” التي نشرتها الصحيفة. ووصف كبير المسؤولين القانونيين في مجموعة ترامب، آلان غارتن، ما نشرته الصحيفة قائلاً: “معظم، إن لم تكن جميع الحقائق، تبدو غير دقيقة”.
وأضاف غارتن: “خلال العقد الماضي، دفع الرئيس ترامب عشرات الملايين من الدولارات كضرائب شخصية للحكومة الفيدرالية، بما فيها ضرائب خاصة بالملايين منذ إعلان ترشحه في العام 2015”.
ووفق ما جاء في صحيفة “نيويورك تايمز”، فإن “معظم” شركات ترامب الكبرى، مثل ملاعب الغولف والفنادق، “تبلغ مصلحة الضرائب سنوياً عن خسائر بالملايين، إن لم يكن بعشرات الملايين، عاماً بعد عام”.
وقالت الصحيفة إن عنصر الخسائر من الأدوات المهمة في إدارة أموال ترامب، إذ يستخدم أرباح شهرته لشراء ودعم أعمال تنطوي على مخاطر، ثم يعلن لاحقاً إشهار خسائرها لتفادي دفع الضرائب”.
ويزعم التقرير أن ترامب مسؤول بصفة شخصية عن قروض تتجاوز قيمتها 300 مليون دولار، يستوجب تسديدها في الأعوام الأربعة المقبلة، كما يزعم أن بعض شركات ترامب تلقّت أموالاً من “جماعات ضغط ومسؤولين أجانب وآخرين يسعون لنيل مقابلة شخصية أو تصريح أو خدمة” من الرئيس.
وقالت الصحيفة إنها استخدمت سجلات الضرائب لمعرفة مقدار الدخل الذي يحققه الرئيس من شركاته في الخارج، زاعمة أنه حقق إيرادات قدرها 73 مليون دولار من الخارج في أول عامين له في البيت الأبيض.
ووفق “نيويورك تايمز”، جاء جزء كبير من هذا الدخل من ملاعب الغولف التي يمتلكها في أيرلندا واسكتلندا، لكن الصحيفة تقول إن منظمة ترامب تلقت أيضاً أموالاً “من صفقات ترخيص في بلدان يحكمها قادة ذوو ميول استبدادية أو بلدان ذات جغرافيا سياسية شائكة”.
وزعمت الصحيفة أن صفقات الترخيص جلبت 3 ملايين دولار من الفيليبين، و2.3 مليون دولار من الهند، ومليون دولار من تركيا.
وتقول الصحيفة إن الرئيس ترامب حقق 427.4 مليون دولار في عام 2018 من عوائد برنامج “المبتدئ”، ذا أبرنتس ـ The Apprentice، الذي كان يقدمه في التلفزيوني الأميركي، وكذلك من صفقات علامات تجارية، حيث تدفع منظمات مقابل استخدام اسمه. كما تزعم الصحيفة أنه حقق 176.5 مليون دولار من خلال الاستثمار في مبنيين يضمان مكاتب في ذلك العام.
ومع ذلك، لم يدفع ترامب أي ضرائب تقريباً عن هذه الإيرادات، لأنه ذكر أن أعماله تكبدت خسائر كبيرة. كما تقول إن ترامب يستفيد من قانون للضرائب، إذ يُمكّن القانون أصحاب الأعمال من “ترحيل الخسائر المتبقية لتقليل الضرائب في السنوات المقبلة”.
وفي عام 2018، على سبيل المثال، تقول الصحيفة إن أكبر منتجع للغولف يملكه ترامب بالقرب من ميامي، وهو منتجع ترامب ناشيونال دورال، تكبد خسائر بلغت 162.3 مليون دولار.
وعلى نحو مشابه، فإن ملعبي الغولف التابعين له في اسكتلندا وأيرلندا تكبدا خسائر قدرها 63.3 مليون دولار. وحسب الصحيفة، لدى ترامب قرض عقاري بقيمة 100 مليون دولار لبرج “ترامب تاور” في نيويورك.
وقالت وكالة “أسوشييتد برس” في تعليق على تقرير نيويورك تايمز، إن “التقرير جاء في وقت حرج للرئيس ترامب الذي يواجه انتقادات حادة بشأن الأسلوب الذي تعامل به مع جائحة كورونا”.
كما يواجه ترامب انتقادات حادة بشأن تعامله مع قضايا العنصرية في أميركا وجماعات حقوق الإنسان. وترى الشركات الكبرى متعددة الجنسيات أن سياسات الرئيس ترامب الاقتصادية وصراعات حروب التجارة مع الصين وأوروبا أضرت بمصالحها التجارية وربما ستكبدها في المستقبل خسائر باهظة.
وكانت الحملة الانتخابية للرئيس ترامب قد سعت خلال الأسابيع الماضية لاستمالة الأقليات في أميركا عبر الإعلان عن صندوق لدعم الوظائف بقيمة نصف تريليون دولار مخصص للأقليات.
لكن خبراء يرون أن الإعلان جاء متأخراً وسط التعبئة الكبرى التي تمت ضده في صفوف الأميركيين السود خلال الأشهر التي تلت مقتل المواطن الأميركي جورج فلويد وغيره لاحقاً. وربما سيكون من الصعب على ترامب كسب أصوات الأقليات في الولايات المتحدة.