إطلاق «رصاصة الرحمة» على «الكابيتال كونترول» والتعميمين الصادرين عن مصرف لبنان بـ»تصفية» الحسابات الصغيرة، لمَنْ يرغب من أصحابها، لا يعني أنّ القيود على الودائع قد زالت، وأن السوق الموازية قد أقفلت، وأنّ الدولار قد توقف عن الارتفاع، وأنّ أزمة «اليوروبوندز» قد وصلت إلى خواتيمها، وأنّ ميزان المدفوعات سيتحسّن، أو أنّ دفق الودائع سيعود..
بل إنّ كل شيء على حاله، وكل السيناريوهات ما زالت مطروحة وقيد البحث، فالـHair Cut ما زال على الطاولة، وإلغاء السحوبات الدورية الأسبوعية أو الشهرية دقّت ساعته، والدين العام والعجوزات في الميزانية والموازنات التجارية والجارية على ارتفاع متواصل، وهذا فيما أزمة كورونا تستنفد ما تبقى من القليل القليل لدى غالبية الشعب، والركود المتنامي يتّجه إلى كساد في مختلف القطاعات، فلا سياحة، ولا صناعة، ولا زراعة، ولا تصدير، ولا استثمارات، وغالبية المحال التجارية والمشاريع معروضة للبيع أو للإيجار ولا مَنْ يشتري ولا يستأجر، والتضخّم يطعن في قلب القوّة الشرائية للمواطنين، عاملين كانوا أم عاطلين عن العمل، والدائنون الأجانب على الأبواب يهدّدون باللجوء إلى القضاء أو بوضع اليد على أملاك الدولة في الخارج، واللبنانيون المغتربون أو العالقون في الخارج بسبب إقفال المطارات يعانون من الضيق المادي والنفسي أو ينتظرون استعادتهم من أوروبا وافريقيا والبلاد العربية، حيث أعمالهم واستثماراتهم مهدّدة بالانهيارات المالية والأزمات الاقتصادية وكورونا الوبائية، ليعودوا الى دولة لم يعد لهم فيها من فرص أو دعامات، سوى بعض إعانات وصندوق تبرّعات، بعدما استنزفت الدولة 100 مليار دولار من ودائع وادّخارات اللبنانيين مقيمين ومغتربين، ضخّمت بها جهاز ولاء سياسي، وفساد مالي، وترهّل إداري بمئات آلاف الموظّفين والعاملين وبأجور خيالية أو عادية كلّها تتبخّر الآن على اختلاف قوّتها الشرائية في أرقام غلاء مستشرية واحتكارات طاغية.
وأمام هذا الاستنزاف المتواصل انقضّت كارثة كورونا بكل أعبائها الصحية والمالية، ولم تستطع الدولة اللبنانية مواجهتها مالياً إلا باليسير اليسير، فيما نظرة على اللائحة الصادرة الأسبوع الماضي عن «اتحاد المصارف العربية»، تُظهِر حجم الدعم المالي الذي قدّمته دول عربية للأسر والمؤسّسات الصغيرة والمتوسطة. وإذا استثنينا من اللائحة دولاً عربية منتجة للنفط مثل دول الخليج التي أقرّت مساعدات بمليارات الدولارات (منها المملكة العربية السعودية بـ7.13 مليارات دولار، إضافة إلى حوالى نصف هذا المبلغ من القروض الميسّرة للمؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة)، فإنّ ما أقرّه كل من الأردن وتونس من مساعدات كان بمئات ملايين الدولارات (منها 775 مليون دولار للأردن فقط)، فيما الدولة اللبنانية التي استنفدت طاقاتها المالية بالهدر والفساد والمحاصصات والمحسوبيات، لم تقدّم – ومن أموال اقترضتها الدولة على مر السنين من أموال مودعين! – سوى 50 مليون دولار وبشروط صعبة وبيروقراطية معقّدة، لعدد محدود من الأسر الفقيرة، وبما لا يتعدّى الـ400 ألف ليرة (266 دولاراً بسعر الصرف الرسمي) للأسرة الواحدة .. ولمرّة واحدة فقط!