“طبخة” الإنقاذ مع صندوق النقد لن تنضج

لم تبدأ بعد المفاوضات الجدية مع صندوق النقد الدولي لتتوقف. فالجولة التي قام بها المدير التنفيذي في “الصندوق” وممثل المجموعة العربية في إدارته د. محمود محيي الدين في 19 تشرين الأول الماضي كانت إستطلاعية وتحفيزية على البدء بالفعل، أكثر منها إيذاناً ببدء التنسيق والتعاون العملي. ومحاولة تسويق الزيارة من قبل البعض على أنها الخطوة الأولى في المفاوضات في غير مكانها. فـ”المدير محيي الدين ليس موظفاً في “الصندوق” يُكلف التفاوض وإجراء المشاورات مع الدولة اللبنانية، إنما هو من يدافع عن الدولة”، يقول رئيس “الجمعية الاقتصادية اللبنانية” والخبير السابق في صندوق النقد الدولي منير راشد.

المشكلة لا تتعلق بتأخر المفاوضات، إنما بـ”الإمكانية المرتفعة لعدم حصولها نهائياً”، برأي راشد. ذلك أن حجم التناقضات في بنية الحكومة الهشة يفشل أصغر المبادرات فكيف الحال مع العناوين الإصلاحية الكبيرة المطلوب البت بها سريعاً. ففي الوقت الذي من المفروض فيه بالجانب اللبناني القيام بـ”الإجراءات الأولية المسبقة” (prior actions) للإستفادة من الوقت وتسريع المفاوضات، ما زال يتلهى باعداد الخطط التي قد لا تلاقي موافقة الصندوق عليها. فاذا كانت الحكومة عازمة بجد على الدخول في برنامج مع صندوق النقد الدولي، فان “المطلوب تحقيقه واضح كعين الشمس”، برأي راشد وهو ينقسم إلى 4 عناوين رئيسية كبيرة:

– تعويم سعر الصرف وتوحيده.

– إصلاح الكهرباء وتعديل التعرفة.

– إصلاح الموازنة العامة وتعديل الرواتب والأجور.

– تأمين شبكة الأمان الاجتماعي.

هذه العناوين لا تحظى في الواقع بأي إجماع لاصلاحها من قبل السلطة والمنظومة الحاكمة. والأخيرة تزيد الطين بلة من خلال: تعميق الخلل في سعر الصرف واختراع أسعار صرف جديدة. عدم القبول بانشاء الهيئة الناظمة للكهرباء. استمرار طبع الاموال وزيادة العجز في الموازنة. الفشل في تأمين شبكة الحماية الاجتماعية المطلوبة حيث عجزت الدولة عن توزيع قرض مقر بقيمة 246 مليون دولار من قبل البنك الدولي منذ أكثر من عام. “كل هذه العوامل تجعل من الصعب على صندوق النقد الدخول في مفاوضات جدية مع لبنان”، يقول راشد.

بالاضافة إلى تعطيل السلطة التنفيذية، وفشل التشريعية في إقرار القوانين الإصلاحية التي تحمي المواطنين، فان الضلع الثالث لبناء الدولة المتمثل بالقضاء معطل ويعطي أبشع الصور عن الوضع في لبنان. فـ”القضاء ضعيف”، يقول راشد، “كي لا نعطيه صفة أخرى”.

وقد أثبت خلال الفترة الماضية عجزه في حماية مواطنية من المودعين في المصارف، والمتضررين من هدر وفساد الدولة والمصابين بأرواحهم وعائلاتهم وممتلكاتهم من انفجار المرفأ، في وجه عصابة الدولة والمصارف والمصرف المركزي. فكيف من الممكن أن تثق الدول والمؤسسات والمستثمرين الأجانب بامكانية حماية مصالحهم في لبنان في حال نشوب أي نوع من أنواع النزاع. هذا عدا عن أن عمليات الإصلاح الاقتصادي بحاجة إلى قضاء قوي يحارب الفساد ويعاقب المخالفين ويحصل حقوق المغبونين في إطار زمني مقبول. وهذا ما لم يتوفر بعد.

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةتطبيق «AgSAT» الزراعيّ: الريّ الرقمي!
المقالة القادمةمطرقة محكمة لندن العليا “تُرجّف” البنوك اللبنانية!