كشف وزير الاقتصاد عامر البساط أنّ الحكومة اللبنانيّة ملتزمة إقرار مشروع قانون الفجوة الماليّة قبل نهاية العام الجاري، بناءً على الالتزام على قدّمه رئيس الحكومة نوّاف سلام. وفي مقابلة تلفزيونيّة عبر برنامج “حوارات السراي”، الذي يعرضه تلفزيون لبنان، أعرب البساط عن اعتقاده بأنّ الأولويّة في هذا القانون ستكون إعادة الانتظام إلى القطاع المصرفي، إذ من دون هذا القطاع “لن يكون هناك اقتصاد، ولا مكافحة للتهرّب الضريبي أو تبييض الأموال”.
مبادئ قانون الفجوة
وخلال المقابلة، عدّد البساط المبادئ العامّة التي سيقوم عليها مشروع القانون عند تقديمه إلى الحكومة. وأوّل هذه المبادئ هو “عدم اللجوء إلى شطب الودائع”، بل العمل على تسديد الودائع بشكل متدرّج عبر الزمن، وللمودع “الصغير قبل الكبير”. أمّا ثاني هذه المبادئ، فهي “عدم قتل أحد، وخصوصاً المصارف”. وورأى البساط أنّ مشروع القانون قد لا يعجب أحداً، نظراً لحجم الأزمة الشائكة التي يتم التعامل معها حالياً، لكن المطلوب هو عدم الإجهاز على أي طرف معني بالقانون، وبالتحديد القطاع المصرفي.
واستكمل البساط حديثه عن المبادئ التي سيقوم عليها مشروع القانون، حيث اعتبر أنّ الدولة يجب أن تتحمّل مسؤوليّة معيّنة، إنما “من دون تعطيلها”، في إشارة إلى ضرورة عدم إغراقها بالتزامات غير مستدامة. كما أنّ المصرف المركزي يجب أن يتحمّل نصيبه من المسؤوليّة، لكن دون أن يؤدّي ذلك إلى “تآكل سياسته النقديّة”. وأخيراً، سيكون على المصارف تحمّل جزء من الكلفة، لكن بشرط “الإبقاء على القطاع المصرفي” كشريك في الازدهار مستقبلاً.
وتوقّع البساط أن يشهد القطاع المصرفي مستقبلاً عمليّات دمج واستحواذ، “كما يجري عادةً في أعقاب هذا النوع من الأزمات القاسية”، كما توقّع أن يضطر القطاع إلى الخضوع لعمليّة إعادة رسملة، إلا أنّ المهم في النهاية هو أن يستمرّ القطاع بالعمل والمساهمة في الدورة الاقتصاديّة، للتمكن من تحقيق النمو على المدى البعيد.
وعن دور صندوق النقد في المشروع، أفاد البساط أن التواصل مع الصندوق يجري بشكلٍ دائم، والحكومة ما زالت ملتزمة بالعمل على برنامج مع الصندوق. لكن البساط أكّد أنّه “لا يجبرنا على شيء حالياً، وإذا طلب شيئًا لا يصب في مصلحتنا لن نوافق”، مؤكداً على أنّ العلاقة مع الصندوق تخضع لنقاش وتوافق على العديد من الأمور، إنما من دون الأخذ بكل ما يوصي به الصندوق. ومع ذلك، أكّد البساط خلال المقابلة أنّ هناك تلاقياً حالياً مع الصندوق، في الكثير من الأمور التي يوصي بها، بما يخص الماليّة العامّة والسياسة النقديّة.
وكانت “المدن” قد كشفت يوم أمس الثلاثاء أنّ فريق العمل الحكومي أنجز خلال عطلة نهاية الأسبوع آخر مسودّات قانون الفجوة الماليّة، قبل أن يتم إرسال هذه المسودّة إلى فريق صندوق النقد الدولي، لإبداء ملاحظاته عليها. وبحسب معلومات “المدن”، جاءت المسودّة الأخيرة بصيغة أقرب إلى رؤية الصندوق، مقارنة بجميع المسودّات السابقة، وخصوصاً بعد الأخذ بمبدأ تصفير رساميل أصحاب المصارف وتراتبيّة الحقوق والمطالب.
ملفات اقتصاديّة أخرى
وخلال المقابلة، تناول البساط العديد من الملفّات الاقتصاديّة الأخرى، ومنها نتائج مؤتمر “بيروت 1” الذي جرى عقده مؤخراً. وقوّم البساط المؤتمر معتبراً أن أهم ما تم تحقيقه فيه كان كسر العزلة الاستثماريّة، وخصوصاً مع مشاركة الوفود العربيّة والخليجيّة. وصارح البساط المشاهدين بالإشارة إلى أنّ الثقة يجب اكتسابها تدريجياً، ولا يمكن استعادتها بشكلٍ سريع، لكن الأهم حالياً هو إظهار الفرص الموجودة في لبنان، وإمكانات تحقيق الربحيّة للمستثمرين. وكشف البساط أن وزارته بدأت بعقد مؤتمرات تحضيريّة، بهدف عقد مؤتمر “بيروت 2” خلال العام المقبل، استكمالاً للمؤتمر الذي جرى عقده هذا العام.
وعلى مستوى الاقتصاد الكلّي، قدّم البساط رؤية وزارته الحاليّة، التي تقوم على الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج، ومن الاكتفاء بالاستهلاك إلى الإنتاج المحلّي، ومن الإفراط بالاستدانة إلى استقطاب الاستثمارات. كما ذكّر أنّ هذا الاقتصاد يجب أن يكون “عادلاً”، سواء من الناحية الجندريّة أو المناطقيّة أو على مستوى الدخل. ورأى أنّ وضع لبنان الحالي يحمل معاً التحديات الكبيرة وإمكانات النجاح، إنما من المهم البدء بالعمل على أولويّات النهوض، ومنها إعادة بناء البنية التحتيّة وقطاعات الاتصالات والمواصلات وإعادة الانتظام إلى مؤسّسات القطاع العام. أمّا على المدى القصير، فالمهم هو بدء العمل على إنجاز الإصلاحات التي تعهّدنا بها، “نحن نتقدّم على هذا المستوى بالفعل”، بحسب البساط.
وخلال المقابلة، تناول البساط أوضاع قطاع التأمين، مشيراً إلى أهميّة الخطوة التي قام بها مجلس الوزاء، على مستوى تعيين رئيس وأعضاء لجنة مراقبة هيئات الضمان. وقدّم البساط عرضاً لدور هذه الهيئة، التي يفترض أن تتولّى عمليّة إدارة وتنظيم قطاع التأمين بشكلٍ تشاركي، بعدما جرى تغييب دورها على مدى السنوات الخمس الماضية.
كما تطرّق البساط إلى ضرورة البدء بتفعيل قانون المنافسة، وهي خطوة ضرورة لمواجهة الاحتكارات والتزوير والتهريب في الأسواق. واعتبر أن ظاهرة الاحتكار تساهم حالياً في غلاء الأسعار، وتالياً التضخّم، كما تساهم في تخفيض نوعيّة السلع الموجودة في السوق. ورأى أن تفعيل قانون المنافسة يتطلّب أولاً البدء بتشكل الهيئة المختصّة بتطبيقه، وهو ما يستلزم تأمين الاعتمادات الماليّة المطلوبة بالتنسيق مع وزير الماليّة ياسين جابر. وفي جميع الحالات، تعهّد البساط خلال المقابلة بإنجاز هذه العمليّة قبل مغادرته الوزارة.



