مع استمرار المداولات الحكومية في الموازنة، فتح وزير الخارجية جبران باسيل أبواباً جديدة وواسعة للنقاش، بعضها يحتاج إلى قوانين، في الوقت الذي تتسارع فيه المهل الزمنية لإقرار الموازنة قبل نهاية الشهر الحالي. لكن العقدة الرئيسية التي تواجه مجلس الوزراء اليوم تتصل بـ«التدبير رقم 3» للأسلاك العسكرية والأمنية
للأسبوع الثاني على التوالي، لم تنتهِ الحكومة من حسم النقاشات في موازنة عام 2019. ومع اقتراب المهل الضاغطة قبل نهاية الشهر الحالي، وضرورة إنجاز الموازنة في الحكومة ومجلس النواب قبل نهاية الشهر حتى لا يضطر المجلس إلى إصدار قانون جديد لتمديد العمل بالقاعدة الاثني عشرية، لا تزال الموازنة بحاجة إلى نقاشات معقّدة قبل اتخاذ القرار الحاسم بتصديرها، على وقع الغليان في الشارع اعتراضاً على خطط خفض الرواتب. وسيبحث مجلس الوزراء اليوم ملفاً متفجراً، هو ملف «التدبير رقم 3» للأسلاك الأمنية والعسكرية («التدبير رقم 3» يعني منح كل عسكري تعويضاً لنهاية الخدمة يبلغ رواتب وبدلات 3 أشهر عن كل عام). وزير الدفاع الياس بوصعب تقدّم باقتراح يؤدي إلى خفض سنوي للبدلات التي يتقاضاها العسكريون إلى جانب أساس الرواتب، بقيمة نحو 50 مليار ليرة في الجيش وحده، إضافة إلى نحو 20 مليار ليرة سنوياً في الأجهزة الأمنية الأخرى، من دون احتساب الوفر الذي سيتحقق نتيجة خفض تعويضات نهاية الخدمة. ويقضي هذا الاقتراح بخفض التدبير إلى «رقم 1» (منح كل عسكري تعويضاً لنهاية الخدمة يبلغ راتب شهر ونصف شهر عن كل عام) للعسكريين الذين يخدمون داخل المناطق اللبنانية، باستثناء الذين يخدمون على الحدود الجنوبية والشرقية والشمالية وفي محيط المخيمات الفلسطينية الذين يبقون خاضعين لـ«التدبير رقم 3». ويعني هذا الأمر أن نحو 20 ألف عسكري فقط سيبقون خاضعين للتدبير الذي يشمل حالياً جميع العسكريين والأمنيين من جميع المؤسسات. واشترط بوصعب إلغاء المرسوم رقم 1 الصادر عام 1991، الذي يكلّف الجيش حفظ الأمن على كافة الأراضي اللبنانية، ويضع جميع الأجهزة الأمنية بإمرة قائد الجيش. وطلب بوصعب من وزارة الداخلية أن تتولى قوى الأمن الداخلي حفظ الأمن داخل الأراضي اللبنانية، وهو ما اعترضت عليه وزير الداخلية ريا الحسن، وآزرها رئيس الحكومة سعد الحريري. وقالت الحسن إن قوى الأمن الداخلي بحاجة لأكثر من 25 ألف عسكري إضافي لتتمكن من القيام بالمهمات التي ينفذها الجيش حالياً. ورد بوصعب باقتراح أن تتولى قوى الأمن حفظ الأمن في بيروت وجبل لبنان، فرفضت الحسن ذلك، علماً بأن جميع عناصر الجيش التابعين للواءَين 11 و8 المنتشرَين في جبل لبنان، ولفوجي التدخل الثالث والرابع المنتشرَين في بيروت، لا يتجاوز عددهم عتبة 5900 عسكري! وهذا الرقم يسهل تأمينه من عديد قوى الأمن الداخلي، في حال إعادة تنظيم توزيع العناصر على القطعات وحماية الشخصيات، علماً بأن اقتراح وزارة الدفاع يقضي بإبقاء الجيش حاضراً في المناطق لمؤازرة قوى الأمن.
وسرت شائعات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أمس، مفادها أن وزيرة الداخلية ستقترح أن يُحصر تطبيق «التدبير رقم 3» بفرع المعلومات دون غيره من القطعات. لكن مصادر في وزارة الداخلية أكد لـ«الأخبار» أن الحسن ستتقدّم باقتراحين: الأول، أن يُطبَّق التدبير رقم 2 (حصول كل عسكري وأمني على تعويض نهاية الخدمة بمعدّل راتبي شهرين عن كل سنة) على جميع عناصر المديرية. وهذا الاقتراح يرفضه وزير الدفاع وغالبية مكونات مجلس الوزراء. أما الاقتراح الثاني، فيقضي بتقسيم عناصر المديرية إلى 3 فئات: الأولى تضم غالبية عناصر فرع المعلومات والقوى السيارة (الفهود، القوة الضاربة، التدخل، مكافحة الشغب)، وتُشمل بـ«التدبير رقم 3». أما الثانية، فتضم القطعات الإقليمية (الدرك، شرطة بيروت، أمن السفارات، الشرطة القضائية…) وتُشمل بـ«التدبير رقم 2». أما الفئة الثالثة، فيشملها «التدبير رقم 1»، وتضم كافة العاملين في المكاتب.
ومن المتوقع أن يلاقي اقتراح الحسن اعتراضاً واسعاً، لكونه يفرغ اقتراح وزارة الدفاع من مضمونه. ففي حال القبول بالاقتراح الثاني، ستكون وزارة الدفاع مضطرة إلى مساواة القطعات العسكرية العملانية (المنتشرة على الحدود وحول المخيمات) بأفواج الاحتياط (المغاوير ومغاوير البحر والمجوقل) وبالألوية والأفواج المنتشرة على الأراضي اللبنانية، أسوة بالقوة الضاربة والفهود في قوى الأمن الداخلي. ومن غير المستبعد أن يمرّ النقاش في هذه الأمور من دون سجال حاد في مجلس الوزراء اليوم.
على صعيد آخر، خطف وزير الخارجية جبران باسيل، الأضواء أمس، مع تقديمه أكثر من 40 اقتراحاً، وأفكاراً تحت عنوان خفض العجز وتطوير الاقتصاد ورفع العائدات للدولة لمواجهة ما سمّاه «الوقوع المالي والاقتصادي الحتمي إن تراجع الوضع، ولن يكون ذلك حتمياً وحسب، بل وسريعاً أيضاً».
باسيل قدّم مداخلة طويلة تجاوزت 40 دقيقة، بأفكار معدّة مسبقاً، في مؤتمر صحافي عقده بعد اجتماع تكتل لبنان القوي. وليس واضحاً بعد، ما إن كانت جلسة اليوم ستحسم مسألة الموازنة، أو سيضطر الحريري، إلى تمديد الجلسات حتى يوم الجمعة.
ولعلّ مداخلة باسيل فتحت الباب أمام المزيد من النقاشات، التي ليس من الضروري أن تصدر في نص الموازنة، بل يندرج «منها بنود في الموازنة، ومنها مشاريع قوانين ومراسيم تصدرها الحكومة بالتزامن مع الموازنة»، كما قال في مؤتمره الصحافي.
ووضع باسيل طروحاته ضمن خمسة محاور: حجم الدولة، الإهدار داخل الموازنة، التهرب الضريبي والتهريب الجمركي، خدمة الدين العام، الميزان التجاري والوضع الاقتصادي ككل.
في المحور الأول، اقترح باسيل خفض موازنات الوزارات أكثر من الخفض الذي قدمه الوزراء، ووقف المساهمات المقدمة من المؤسسات العامة، اقتراح مشروع قانون لتحويل مرفأ بيروت إلى مؤسسة عامة وتحويل كل مداخيله الصافية إلى الخزينة، إقفال كل المؤسسات والإدارات غير المنتجة وإيقاف بعضها، وسمّى وزارة المهجرين ووزارة الإعلام، مكتب الشمندر السكري، صندوق الجنوب، مكتب الطاقة النووية، المؤسسة العامة للأسواق الاستهلاكية، المؤسسة الوطنية للاستخدام، وخفض المصاريف من الهيئة الناظمة للاتصالات، إليسار، المجلس الأعلى اللبناني السوري وغيرها.
في محور زيادة المداخيل الضريبية، ركّز باسيل على ضرورة زيادة الضريبة على المصارف، «زيادة مدروسة جداً، وقابلة للتحمل». واقترح رسماً استهلاكياً على الاستيراد. وتحدث عن مقترح من عشرة إجراءات تزيد مدخول الخلوي في غضون سنة واحدة، 125 مليون دولار، وتخفض المصروف بقيمة خمسين مليون دولار في أوجيرو ووزارة الاتصالات. ويلحظ المقترح هذا اليانصيب، الميدل إيست، مرفأ بيروت، أوجيرو، الريجي، الأملاك البحرية، تسوية مخالفات البناء، موضوع مرفأي سوليدير، إذ لا رسم عليهما، وموضوع اليخوت. وآخر جزء في هذا المحور، هو «زيادة المداخيل غير الاعتيادية، والأمثلة هنا كثيرة: محال المقامرة، وينبغي أن يجيّر مردودها، مع كازينو لبنان بنسبة خمسين في المئة إلى خزينة الدولة، ورخص السلاح ورخص السيارات ذات الزجاج الداكن، السلاح الفردي، المطار وصالون الشرف. وبحسب باسيل، في «غضون أشهر قليلة من خلال إجراءات متشددة يتضاعف المدخول، من مليار ونصف في السنة إلى ثلاثة مليارات وأكثر».
وأبدى باسيل اهتماماً بفرض ضريبة إضافية على التبغ والتنباك، مؤكّداً أنه «نستطيع تأمين 127 مليون دولار إضافياً في السنة». وتطرّق إلى «العمالة الأجنبية»، لافتاً إلى «مشروع قانون تتمحور فكرته حول تغريم، وليس تشريع، كل عامل أجنبي يعمل خلافاً للقانون، وفي مهن لا يحق له العمل فيها». وذكر أن «العامل الأجنبي الذي تعيش عائلته في لبنان يجب مضاعفة الرسوم عليه لتشجيعه على ألا تبقى عائلته هنا. وثالثاً مضاعفة الغرامات على الذين دخلوا خلسة إلى لبنان». وهنا يسير باسيل عكس الواقع الذي يشير إلى أن العجز الأساسي هو في ميزان المدفوعات، فعندما تكون أسرة العامل الأجنبي في لبنان، يعني أن جزءاً كبيراً من مدخول هذا العامل سيُصرَف في لبنان (بدل إيجار مسكن ونفقات حياتية ونقل…)، فيما لو كانت عائلته في الخارج، فإن مجمل إيرادته ستُحوَّل إلى الخارج، ما يزيد العجز في الميزان التجاري. وطرح باسيل غرامة وعقاباً على أصحاب المحالّ والمؤسسات التجارية التي توظّف عمالاً أجانب من دون إجازة عمل.
وفي خطوة لافتة، اقترح باسيل تشريع الزواج المدني الاختياري، لكن من زاوية فرض رسم عليه!
وفي محور التهرُّب الضريبي والتهرُّب الجمركي، اقترح باسيل تطبيق مركزية تخمين إداري، تطبيق قانون الأملاك البحرية وإلزام البلديات بألّا تعطي ترخيصاً لأي مؤسسة من دون أن تكون مسجلة في المالية. واقترح بيع الفائض من أبنية الدولة، فرض رسوم على التجارة الإلكترونية، إقفال المعابر غير الشرعية، إلغاء سفر الموظفين على الدرجة الأولى، إخضاع كل المؤسسات لرقابة التفتيش المركزي وديوان المحاسبة.