وسط ارتياح كبير بدأ المستثمرون تعاملاتهم في أسواق المال العالمية أمس الاثنين، إذ لبست المؤشرات الرئيسية للبورصات حلة خضراء، ولكن قد تكون أسواق المال الناشئة الأكثر ارتياحاً، إذ كسب مؤشر “أم سي أس” للأسواق الناشئة نسبة 1.3%، وهو أعلى معدل له منذ عام 2018.
كذلك ارتفع سعر صرف العملات الناشئة مقابل الدولار في معظم دول آسيا وأميركا اللاتينية وأسواق المنطقة العربية، لكن عملات الدول التي كانت تتعرض لضغط تجاري كبير من قبل إدارة الرئيس ترامب حصدت أكبر المكاسب، وعلى رأسها البيزو المكسيكي. وتتوقع المكسيك أن تعود المرونة إلى علاقاتها التجارية مع أميركا، في ظل الإدارة الأميركية، خلافاً للتوترات التي شابتها على عهد الرئيس ترامب.
وتوقع مصرف “مورغان ستانلي” الاستثماري الأميركي في مذكرة للعملاء، أن تواصل العملات الناشئة استفادتها من انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، ودعا زبائنه إلى المراهنة على اليوان.
وتراجع سعر صرف الدولار إلى أقل مستوى له في 10 أسابيع في تعاملات منتصف الظهيرة في لندن، حسب مؤشرات رويترز. وتشير بيانات نشرة “مورنينغ ستار” الأميركية إلى أن الأسواق الناشئة عانت من هروب الاستثمارات خلال العام الجاري، إذ هرب منها نحو 25.8 مليار دولار من صناديق الأسهم ونحو 9.2 مليارات دولار من صناديق السندات.
لكن مع تواصل التوقعات حول اكتساح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية في أميركا، بدأ المستثمرون رحلة عودة لشراء الأصول الخطرة، وارتفعت التدفقات الأجنبية في الأسواق الناشئة. ويقدّر معهد التمويل الدولي في تقرير الأسبوع الماضي، أن نحو 17.9 مليار دولار ضُخّت في الأسواق الناشئة خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وفي ذات الشأن، قال المحلل الاستثماري تيموثي آش، أستاذ الاقتصاد في جامعة مانشستر البريطانية “إن فترة رئاسة ترامب لم تكن جيدة بالنسبة إلى نمو التجارة العالمية بسبب السياسة الحمائية”.
ومن المتوقع أن تشهد الأسواق الناشئة عودة قوية للتدفقات الدولارية من قبل المصارف الأميركية وصناديق الاستثمار والمعاشات في ظل الإدارة الجديدة.
وتتوافر لدى المصارف الأميركية سيولة تقدَّر بنحو 3.7 ترليونات دولار تبحث عن قنوات استثمارية تحقق عائداً كبيراً لها في وقت تنخفض فيه نسبة الفائدة تحت الصفر في أوروبا، وتراوح بين 0.25 وصفر في الولايات المتحدة.
وهذا المعدل الضئيل من الفائدة يعني أن العائد الاستثماري لهذه الأموال المكنوزة في الحسابات المصرفية سيكون متدنياً جداً في أوروبا وأميركا خلال ما بقي من العام وحتى منتصف العام المقبل على أقل تقدير.
وبالتالي، سيرفع ذلك من معدل الاستثمارات الأميركية في الأصول الخطرة التي تحقق عوائد مرتفعة في الأسواق الناشئة، خاصة في آسيا التي تحقق نجاحات أكبر في محاصرة جائحة كورونا مقارنة بالأسواق الناشئة الأخرى في أميركا الجنوبية.
في هذا الشأن، يقول تشارلز روبرتسون، كبير الاقتصاديين في صندوق رينيسنس كابيتال الأميركي، إن “أداء الأسواق الناشئة سيكون أفضل في ظل إدارة جو بايدن”.
ويرى الاقتصادي روبرتسون أن فوز الحزب الديمقراطي بالانتخابات سيطلق حزمة تحفيز مالية ضخمة لإنقاذ الاقتصاد الأميركي من تداعيات جائحة كورونا.
وفي ذات الصدد، يقدّر مصرف “غولدمان ساكس” الأميركي أن لا تقلّ حزمة التحفيز المالي التي ستقرّها إدارة بايدن عن ترليوني دولار، وقد تقرّ في بداية يناير/ كانون الثاني مباشرة بعد تنصيب الرئيس الجديد بايدن.
ومن المتوقع أن ترفع هذه الحزمة من جاذبية أسواق المال الناشئة، لأنها سترفع من حجم السيولة لدى المصارف الأميركية، وبالتالي ستزيد من التدفقات.
وهنالك شبه اتفاق بين خبراء المال على أن فوز الحزب الديمقراطي سيعمل على إضعاف سعر صرف الدولار أكثر من مستوياته الحالية، كذلك سيحافظ على سعر الفائدة المنخفض على الدولار لفترة أطول، وبالتالي ستنتهي معاناة العملات الناشئة من الدولار القوي، وسيدفع المصارف الأميركية نحو شراء سندات الدين التي ترتفع عوائدها خلال الفترة المقبلة. كذلك سيغري سعر صرف العملات الناشئة المرتفع مقابل الدولار، المستثمرين الأميركيين بشراء الأصول في الاقتصادات الناشئة.
لكن بعض الأسواق الناشئة قد لا تستفيد من خسارة ترامب بسبب الاستراتيجية السياسية للحزب الديمقراطي، ومن بين هذه الأسواق روسيا والبرازيل وربما تركيا.
ولا يستبعد محللون أن تساوم إدارة بايدن بكين على تحسين العلاقات وتشترط عليها خفض العلاقات التجارية مع موسكو.
ويرى البعض أن إدارة بايدن ستغضّ الطرف عن بعض القيود التجارية المفروضة على الصين، إذا وافقت الحكومة الصينية على تقليص علاقاتها التجارية والاقتصادية والعسكرية مع موسكو، واتخذت موقفاً أكثر برودة من ذي قبل تجاه روسيا. ومعروف أن الحزب الديمقراطي شديد العداء لموسكو.
ولكن في كل الأحوال، تشير قراءات خبراء استراتيجيات دولية إلى أن إدارة بايدن ستكون مرنة أكثر في تعاملها مع الصين، وهو ما سيفيد الأسواق الآسيوية عموماً التي كانت تتهيّب العقوبات الأميركية في عهد إدارة الرئيس ترامب.
ويلاحظ أن أسهم التقنية الأميركية التي تتاجر مع آسيا سجلت ارتفاعاً ملحوظاً بعد ترجيح فوز بايدن في الانتخابات خلال تعاملات الجمعة، وهو ما يؤشر على مسار أفضل في العلاقات المستقبلية بين بكين وواشنطن.