على وقع التغيّرات الجيوسياسية في المنطقة، يبقى لبنان الحلقة الأضعف وسط الاتفاقيات الإقليمية والدولية التي تُبرم، لا سيّما بعد عودة سوريا، ولو قليلاً، إلى الحضن العربي بعد قطيعة دامت لسنوات طويلة، اكتسب فيها لبنان مكانة استراتيجية، إن كان على صعيد تحوّل خدمات النقل والشحن من طرطوس إلى مرفأَي طرابلس وبيروت، أو من خلال اعتماد مطار بيروت كنقطة ترانزيت للسوريين الوافدين إلى بلادهم.
اليوم، لم تَعُد هذه السيناريوهات التي ضخّت أموالاً طائلة إلى خزينة الدولة اللبنانية قائمة، فلا شكّ أن الحرب السورية كانت سيفاً ذا حدّين بالنسبة الى لبنان، إذْ تارةً استفاد منها، وطوراً انعكست عليه سلباً. فما الذي تغيّر اليوم؟
بعد أكثر من عقد على العزلة، عاد الطيران العربي ليُحلّق فوق سوريا، في خطوة تُبشر باستئناف اللقاءات الخليجية-السورية بالدرجة الأولى، وبالرغبة العربية بإجراء محادثات جادّة مع الرئيس بشار الأسد. على الإثر، لم ينجُ مطار بيروت الدولي من هذه التطوّرات، التي تُشير مصادر رسميّة سورية لموقع mtv الى أنّها “ستُكبد لبنان خسائر بملايين الدولار، يتوقع أن تتخطّى الـ40%”.
في سياق متّصل، تَلفت المصادر إلى أن “قرار عودة الطيران العربي إلى أجواء دمشق كان متوقعاً وما هو إلّا نقطة البداية أمام التغيّرات التي ستشهدها المنطقة في الأشهر القليلة القادمة، مع العلم أن بعض الدول العربيّة، مثل الكويت وقطر، لم تَتخذ قرارها النهائي بعد بشأن هذه الخطوة، غير أن المباحثات مع الوفود السوريّة لا تزال جارية”.
“لا يزال المشهد ضبابياً بالنسبة إلينا، كما للحكومة اللبنانية”، تقول المصادر، مؤكّدةً على أن هذه “الخطوة العربية التي تتزامن مع الحديث عن اجتماع قريب بين الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان ستُبدّل أوراق اللعب الإقليمية لصالح دمشق، خصوصاً أنّه ثمة عقود إعمار وتنمية أُبرمت مع المجتمع الدولي كما بعض الدول العربية في دمشق منذ بداية العام الحالي وسيتمّ الإعلان عنها قريباً”.
على وقع الشائعات والتحليلات السياسية، من المرتقب أن يشهد مطار بيروت انخفاضاً في حركة الركاب والرحلات المتجهة إلى سوريا، حيث ستصبح الرحلات المباشرة إلى المدن السورية متاحة من جديد، وبالتالي لا حاجة للمرور عبر لبنان، ما قد يحدّ من دور بيروت كمركز عبور رئيسي.
ثانياً، ستواجه شركات الطيران اللبنانيّة منافسة أكبر، ما قد يضطرها لتحسين خدماتها أو تقديم أسعار أكثر تنافسية لمواكبة الشركات العربية التي تعود إلى العمل في سوريا، فيما السؤال الأساسي الذي يُطرح هنا: هل ستتمكن هذه الشركات مَن تحمّل تبعات هذه المنافسة؟
ثالثاً، قد يؤثر استئناف الرحلات المباشرة على قطاع السياحة في لبنان، حيث كان العديد من السيّاح يمرّون عبر بيروت في طريقهم إلى سوريا. الآن، قد يفضّل البعض منهم السفر مباشرة إلى سوريا، وبطبيعة الحال ستتراجع حجوزات الفنادق في بيروت، خصوصاً في منطقتي الحمرا وفردان.
حتّى الآن، ترفض رئاسة مطار بيروت التعليق، غير أن رئيس مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت عبّر عن ترحيبه في حديث مع موقع mtv بـ”إعادة فتح مطار دمشق الدولي”، مشدّداً على دعم “أيّ محاولة أو خطوة لدعم استقرار سوريا، بما أن ذلك ينعكس أيضاً على لبنان”.
أمّا حول احتمال انخفاض عدد الوافدين إلى لبنان، فعلّق الحوت قائلاً: “سنعوّض بطرقٍ أخرى”.
بعيداً عن التأثيرات الاقتصادية والسياحية لقرار العودة هذا، ثمة أسئلة أخرى أكثر جدّية تُثير القلق، حول كيف ستعمل السلطات اللبنانية على تأمين حدودها وأجوائها في ظلّ هذه التطورات؟ وكيف سيتعامل لبنان مع هذه التغيّرات في ميزان القوى الإقليمية؟ وهل سيتطلب الأمر تعديلات في سياساته الخارجية والداخلية لضمان مصالحه الاستراتيجية؟
في ظلّ هذه التساؤلات، يبقى أن نراقب كيف ستؤثر هذه التطورات على لبنان على المدى القريب والبعيد. فيما سيتعيّن على جميع الأطراف المعنية العمل بشكل مشترك لضمان التعامل مع هذه التحدّيات بطريقة تعزّز استقرار البلد ورفاهيته.