عودة غامضة لخدمات “النافعة” ولجنة تقصّي الحقائق “تنبش الماضي”

لسنوات خلت، فتكت شركة “إنكريبت” بقطاع المعاينة الميكانيكية بمختلف أقسامه، بدءاً من التلزيم المشبوه، وصولاً إلى هدر مئات ملايين الدولارات عبر شبكة من الموظفين الفاسدين، من أعلى الهرم الإداري في هيئة إدارة قطاع السير إلى أدناه. والمسار القضائي الذي سلكه ملف التحقيق في قضايا الفساد في “النافعة”، وهو المصطلح المستعمل للدلالة على القطاع، لم يصل لخواتيم تحاسب الفاسدين كما يجب.

الفتك المشهور والدعم السياسي الذي تستند إليه الشركة، زاد حماستها لتعليق عملها في مراكز المعاينة، في تموز الماضي، وإطفاء الحواسيب والامتناع بالتالي عن إجراء المعاينات الميكانيكية للسيارات، وكذلك تسجيلها ودفع رسومها. لكن العمل في المعاينة سيُستَكمَل خلال أسبوع، تحت إشراف إدارة جديدة “نظيفة”، وفق توصيف وزير الداخلية بسام مولوي، الذي يختصر ملف قطاع المعاينة الميكانيكية، بخطوة استئناف العمل واستغراق معاملة تسجيل السيارة “دقيقتين فقط”. فهل يُطوى ملف الفساد بتسيير بعض المعاملات العالقة، أم أن للجنة تقصّي الحقائق النيابية وجهة نظر أخرى؟.

آمال ملقاة على الإدارة الجديدة

وقف العمل بمراكز المعاينة بقرار من شركة إنكريبت، لم يستدعِ توسيع دائرة البحث في ملفّها، وصولاً إلى مسؤولية وزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق ووزير المالية الأسبق علي حسن خليل، الموافقان على تلزيم الشركة إجراء خدمات المعاينة، وما يرتبط بها من إصدار رخص قيادة وتبديل لوحات السيارات وغير ذلك، خلافاً للقانون.

وفي المعيار عينه، لم يتضمَّن قرار مولوي إعادة العمل في المراكز لإتمام بعض المهام جزئياً، أي إشارة إلى البحث في قضايا الفساد. كما لم يتضمَّن وضع آلية جديدة لتطوير العمل، بل بقي هذا الشقّ، رهن اللجنة الجديدة المكلَّفة إدارة المرفق إلى حين تلزيم شركة أخرى، أو ربما التجديد لإنكريبت إثر انتهاء عقدها مع هيئة إدارة السير، في شهر أيلول الماضي.

اللجنة الجديدة “نظيفة”، ويرأسها المدير العام بالوكالة لهيئة السير، القاضي مروان عبود، وتضم ضباطاً ورتباء وعناصر في قوى الأمن الداخلي، سيساعدون موظفي مراكز المعاينة في إنجاز معاملات المواطنين “بكل شفافية”. وهذه اللجنة سيلقى على عاتقها تقديم نموذج إيجابي مغاير لطريقة إدارة هذا المرفق. وأولى بشائر التجديد بنظر مولوي، هو عدم استغراق إنجاز معاملة تسجيل السيارة أكثر من دقيقتين.

على أن الوزير تجاهل أن بين هاتين الدقيقتين تقبع سنوات من الفساد المحمي بدرع سياسي قد لا يرغب مولوي في الاصطدام به. هو درع يستند إلى ثلاثة أركان رئيسية هي “نهاد المشنوق ونادر الحريري وهشام عيتاني”، حسب تسمية عضو لجنة الأشغال العامة النيابية النائب فراس حمدان. وانطلاقاً من ذلك، على لجنة الإدارة “النظيفة” ووزير الداخلية تحويل ملف الشركة إلى النيابة العامة التمييزية، استناداً إلى قرار ديوان المحاسبة الذي أكّد وجود جرائم مالية مرتكبة في القطاع.

لجنة تقصّي الحقائق تفتح الأوراق

غموض كبير يترافق مع الاستئناف الجزئي لعمل النافعة، إذ لن يتمكّن المواطنون من إنجاز كافة الخدمات، إذ قد يقتصر العمل على تجديد رخص السوق القديمة واحتمال إصدار عدد قليل من الرخص الجديدة التي تحتاج إلى إعادة العمل بامتحانات القيادة، وهذا يستدعي إنهاء تدريب أعضاء لجنة الفحص، وهو أمر ليس منجزاً بعد.

لتبديد الغموض، يؤكّد رئيس لجنة تقصّي الحقائق وعضو لجنة الأشغال العامة النيابية، النائب إبراهيم منيمنة، أن نطاق عمل الإدارة الجديدة غير معروف بالتفصيل بالنسبة إلى اللجنة، وسيكون هناك تواصل مع القاضي عبّود للوقوف على التفاصيل.

ويرحّب منيمنة في حديث لـ”المدن”، ترحيباً مبدئياً باستئناف عمل النافعة لتسيير شؤون المواطنين، وفي الوقت عينه، لا يغفل عن ضرورة التدقيق بملف الفساد. ولأجل ذلك، “تنظر لجنة تقصّي الحقائق في كافة تفاصيل ملف إنكريبت، من دفتر الشروط والتعاقد معها، وصولاً إلى إغلاقها المرفق العام تعسفياً. وذلك بالتعاون مع ديوان المحاسبة. وستصدر اللجنة تقريراً شفافاً عند انتهاء التحقيق”.

ما يُقلِق منيمنة، هو أن “الدولة غير مستعدة لاستلام إدارة المرفق بشكل مباشر”. الأمر الذي يرجّح إبقاء شركة إنكريبت على رأس النافعة إلى حين إيجاد البديل. ما يعني الحفاظ على الواقع المأزوم للقطاع والإبقاء على المعلومات الخاصة بالمواطنين رهينة تعنّت الشركة، وهو أمر يتّصل بالأمن الوطني، ومع ذلك، لا تتحرّك وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية المعنية بهذا الموضوع.

ولحسم الملف، أرسلت لجنة الإدارة الجديدة “طلباً إلى هيئة التشريع والاستشارات، للوقوف عند رأيها في قضية التمديد لشركة إنكريبت”، وفق المعلومات التي حصلت عليها “المدن” من مصادر في اللجنة. وإلى حين إعطاء هيئة التشريع رأياً نهائياً، “ستتابع إنكريبت عملها في النافعة تحت إشراف الإدارة الجديدة وإشراف لجنة الأشغال العامة النيابية”. لكن في ما يخصّ عمل لجنة تقصّي الحقائق “فلن يتأثّر بأي نتيجة، وسيستمر التحقيق بملف القطاع”.

بالتوازي مع الجانب القانوني والأمني للملف، يُنتَظَر أن تقدِّم الإدارة الجديدة نموذجاً أوّلياً ناصعاً لما يمكن أن تكون عليه المرحلة المقبلة للمعاينة الميكانيكية. وإن كانت السلطة السياسية جادة في طيّ صفحة الفساد في ذلك القطاع، فيجدر الإنطلاق من وزارة الداخلية، مروراً بما ستنبشه لجنة تقصّي الحقائق في ماضي القطاع.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةجبهة غربية لتخفيف قبضة الصين على سوق المعادن النادرة
المقالة القادمةمصرف لبنان يسلّم كنز معلومات عن سلامة للقضاء