عون في افتتاح “مؤتمر الاقتصاد الاغترابي الرابع”: الطريق صعب لكنّ الإصلاح بدأ

أكد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون انه رغم الانهيار الكبير الذي شهده لبنان خلال السنوات الماضية على مختلف الأصعدة، كان الاغتراب النبض الوحيد الذي ظل ثابتا، والمغتربون كانوا دائماً أول من لبى النداء وقت الحاجة، وكانوا أحياناً كثيرة أسرع وأكثر فعالية من الدولة. ورأى ان لبنان اليوم، ليس في حاجة فقط إلى دعم مالي بل إلى شركة حقيقية، حيث يكون المغترب مستثمراً وناقلاً للمعرفة، وشريكاً في التخطيط وفي القرار، وأن يأتي حاملاً معه فكراً جديداً، وشبكة علاقات واسعة، وإرادة لخلق فرص عمل من خلالها، ويدعم المشاريع الصغيرة التي تنبض بالحياة في كل منطقة من لبنان. ولفت الى ان “منطقتنا تشهد اليوم تحولات كبيرة، وهناك استثمارات عملاقة في مجالات جديدة، ولهذا السبب، علينا العمل على ديبلوماسية اقتصادية جدية، تفتح للبنانيين أبواب العمل والاستثمار ليس في الخارج فقط، بل في لبنان أيضاً. وعلينا ان نخلق الفرص هنا، ونعيد الأمل لكل شاب وشابة يبحثون عن مستقبل يليق بطموحاتهم، ويجعلهم يبقون في هذا البلد. ولذلك، دعا الرئيس عون الى ضرورة “أن نعيد ربط لبنان بدور إقليمي منتج، يكون حاضراً في إعادة الإعمار، والمشاريع الإقليمية، والتحولات الكبرى التي تعيد رسم خريطة الاقتصاد في المنطقة”.

كلام رئيس الجمهورية جاء خلال رعايته افتتاح مؤتمر “الاقتصاد الاغترابي الرابع” الّذي انعقد صباح امس في فندق “فينيسيا” في بيروت ونظمته مجموعة “الاقتصاد والأعمال” بالاشتراك مع وزارة الخارجية والمُغتربين وبالتعاون مع الهيئات الاقتصادية اللبنانية المُقيمة والاغترابية.

وقائع المؤتمر

افتتح المؤتمر بكلمة للرئيس التنفيذي في مجموعة الاقتصاد والأعمال رؤوف أبو زكي قال إن التحديات المطروحة أمامنا كثيرة، تبدأ من الاصلاح المالي والاقتصادي، واستعادة الثقة بالمصارف والعملة الوطنية، مرورا بإصلاح القطاع العام والقضاء، بما يعيد للدولة حضورها كمرجعية قوية وعادلة.

ولا يمكن للاصلاح أن ينجح، إن لم يكن مدعوما بإرادة سياسية جامعة، ومن دون إشراك أحد أبرز عناصر قّوته الوطنية الا وهو الاغتراب. هؤلاء الذين شكلوا عبر العقود صمامات أمان، ليس فقط من خلال التحويلات المالية، بل ومن خلال الحضور السياسي والاقتصادي والثقافي للبنان في العالم.اليوم، لم يعد يُطلب من المغترب اللبناني أن يحّول فقط، بل أن يكون جزءا من القرار الوطني. فالاغتراب هو شريك في الاصلاح، وفي إعادة وصل ما انقطع بين لبنان المقيم ولبنان المنتشر.

إن مسار التعافي يكون عبر خارطة طريق واضحة، تقوم على توفير بيئة محفّزة للاستثمار، تُعيد الثقة للمودعين، وتُعيد إلى المصارف دورها الاساسي وتضع رؤية جديدة للاقتصاد..

إن هذا المؤتمر يشكل دعوة مفتوحة لنا جميعًا للقاء عند لبنان الممكن، لبنان الذي نستحقه.

فواز

ثم ألقى الرئيس العالمي للجامعة اللبنانية الثقافية عباس فواز الكلمة الآتية: “تحت رعاية كريمة من فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون، نلتقي اليوم في هذا المؤتمر الاقتصادي الاغترابي، وهو مناسبة نُعبّرُ فيها مجدّداً كمغتر بين وكجامعة لبنانية ثقافية في العالم عن أملنا الكبير بمستقبل وطنِنا الحبيب تحت إدارة هذه القيادة الحكيمة، عبْرَ السعي الدائم الذي نتلمّسه لإيجاد الحلول والعلاجات السليمة للمشاكل والأزمات الكبرى التي مرّت علينا وما زلْنا نُعاني منها.

يُشكِّلُ الاغتراب اللبناني ركيزةً أساسيةً من ركائز الاقتصاد الوطني، ليس فقط عبْر التحويلاتِ المالية التي ترقُدُ ميزان المدفوعات، بل مِن خلال دوره الحيويّ في فتْحِ أسواقٍ خارجية، ونقل المعرفة والخُبُرات، وتقديم فرص استثمارية نوعية داخل لبنان.

يتميّزُ اللبنانيون في عالم الاغتراب بحضورهم الفاعل في مختلف القطاعات الاقتصادية حول العالم، من التجارة والصناعة، إلى التكنولوجيا والخدمات.

أيضاً يجب أن تَلْحَظ بأنّ ما شجّع على حركة الاستثمار، وتحصيل نتائج إيجابية، والتي أدت إلى ازدهار الاقتصاد اللبناني هي سياسة الباب المفتوح للاستثمار والازدهار الاقتصادي، ذلك أنّ لبنان تميّزَ عبْر التاريخ في اقتصادِهِ الحرّ، وفتحٍ الأبواب أمام جميع المستثمرين العرب والأجانب، ونحن كمغتر بين إذّ نؤكِّد على ضرورةِ استمرار هذه السياسة، سياسة الاقتصاد الحرّ، وفتح الأبواب، والترحيب

والجامعة اللبنانية الثقافية في العالم أقامَتْ في لبنان وفي دولِ الاغتراب نشاطاتٍ ومؤتمراتٍ ممّا شجَّعَ المُغتر بين على تقويةِ العَلاقات فيما بينهم في أماكن وجودهم، كما فَتْح المجالات الاجتماعية العديدة أمامهم في وطنهم الأم لبنان.

شقير

ثم تحدث رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير مرحّباً بالرئيس عون وبالحضور وقال: ”

بالتزامن مع مؤتمرنا يعيش لبنان فرحةً كبيرة بقدوم أبنائه من أنحاء العالم لقضاء الصيف مع أهلهم وأحبائهم.

كما أن الحركة الاقتصادية الناشطة التي نشهدها اليوم نتيجة توافد أعداد كبيرة من المغتربين والزوار العرب والأجانب، تشكل مؤشراً إيجابياً، حيث شهدنا انتعاشاً ملحوظاً في الأسواق والسياحة وقطاعات متعددة. هذا أيضاً إنجاز يُسجَّل للعهد وللحكومة، إلى جانب التقدم الحاصل على مستوى الإصلاح.

لن أتطرق إلى السياسة، ولكن لا بد من التوقف عند بعض الثوابت لتحفيز المغتربين على الانخراط في الحياة الاقتصادية في لبنان، وأبرزها:

– أولاً، تكريس حقوق المغتربين قولاً وفعلاً، وضمان المساواة الكاملة بينهم وبين المقيمين.

– ثانياً، بناء دولة قوية، سيدة ومستقلة وعادلة، يُحصَر فيها السلاح بالمؤسسات العسكرية والأمنية الشرعية وحدها، بما يضمن استقراراً مستداماً.

– ثالثاً، تعزيز حضور المغتربين في الخارج، من خلال إقامة علاقات بناءة بين لبنان والدول الشقيقة والصديقة، ومنع أي إساءات تصدر من الداخل بحق هذه الدول.

أما على الصعيد الاقتصادي، فالمطلوب: تنفيذ الإصلاحات الشاملة، إيجاد حل عادل للمودعين، خلق بيئة محفزة للأعمال والاستثمار، وتحديث قانون الاستثمار بما يواكب المتغيرات العالمية ويجذب المستثمرين من لبنانيين وعرب وأجانب.

فخامة الرئيس، في عصرنا هذا، لم تعد العاطفة والانتماء وحدهما كافيين لدفع المستثمر إلى المغامرة. القرار الاستثماري يُتخذ بناءً على الجدوى الاقتصادية فقط.

من هنا، أدعو لوضع خارطة طريق واضحة للاستثمار، تشمل: قانون عصري وجاذب للاستثمار، تحديد المشاريع الحكومية والفرص الواعدة في القطاعات المختلفة وكذلك العوامل الجاذبة للإستثمار.

كما أُعلن أن الهيئات الاقتصادية ستعمل على تعزيز التواصل بين رجال الأعمال المقيمين والمغتربين، لإقامة شراكات ومشاريع مشتركة تفتح آفاقاً جديدة للنمو والتقدم.

الرئيس عون

بعد ذلك، ألقى الرئيس عون الكلمة الآتية: “أصحاب المعالي والسعادة، السيدات والسادة، إخوتي اللبنانيين المنتشرين في جميع دول العالم،

إن وجودي اليوم بينكم عبارة عن: امتنان… وأمل.

امتنان لكل واحد منكم جاء من أقاصي الدنيا، ليقول: نحن مع لبنان. وأمل كبير فيكم، لأنكم لم تبتعدوا يوماً عن هذا البلد، لا بالروح ولا بالفعل.

هذا المؤتمر ليس مجرد مناسبة اقتصادية، هو أولاً وقبل كل شيء لحظة لقاء. لقاء بين لبنان المقيم ولبنان المنتشر. بين من بقي وصمد هنا، وبين من حمل الوطن في قلبه أينما ذهب.

رغم الانهيار الكبير الذي شهده لبنان خلال السنوات الماضية على مختلف الأصعدة، كان الاغتراب النبض الوحيد الذي ظل ثابتا. كنتم دائماً أول من لبى النداء وقت الحاجة، وكنتم أحياناً كثيرة أسرع وأكثر فعالية من الدولة.

وعندما انقطعت تقريباً كل مصادر الدخل، بقي شريان واحد مفتوح: هو أنتم! ومنذ بداية الأزمة، بلغ معدل التحويلات 6.5 مليار دولار في السنة. وفي ذروة الانهيار شكلت هذه التحويلات 33% من الناتج المحلي. هذه الأرقام تتحدث عن نفسها، وقد أثبتتم أن الاغتراب لم يكن ولن يكون يوماً بعيداً عن لبنان، بل كان ولا يزال السند والأمل.

لكن اليوم، نحن لسنا في حاجة إلى دعم مالي فقط. نحن في حاجة إلى شركة حقيقية. نريد للمغترب أن يكون مستثمراً، وناقلاً للمعرفة، وشريكاً في التخطيط وفي القرار. نريد منه أن يأتي حاملاً معه فكراً جديداً، وشبكة علاقات واسعة، وإرادة لخلق فرص عمل من خلالها، وليدعم المشاريع الصغيرة التي تنبض بالحياة في كل منطقة من لبنان.

ليس خافيا أن الطريق صعب، وأن هناك إصلاحات وقوانين في طور الإعداد. لكن الإصلاح على طريق الإقرار، ونحن نعمل بإصرار على مجموعة ملفات، بعضها صار قانوناً وبدأ تطبيقه، وبعضها لا يزال قيد التحضير والنقاش:

_ القانون الخاص بالمناطق الاقتصادية الحرة للصناعات التكنولوجية.

_ قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، ومعالجة الفجوة المالية، ورفع السرية المصرفية.

_ قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص .

_ قانون استقلالية القضاء.

وغيرها من الإصلاحات البنيوية، هدفها خلق بيئة شفافة ومستقرة وآمنة، تحمي المستثمر، وتعيد الثقة بلبنان.

إن منطقتنا تشهد اليوم تحولات كبيرة، وهناك استثمارات عملاقة في مجالات جديدة مثل الطاقة، الاقتصاد الأخضر، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا المتقدمة. ونحن، كلبنانيين، لدينا رأس مال بشري مبدع ومؤهل. لدينا شباب وشابات، إذا أُعطوا الفرصة، يستطيعون أن يكونوا جزءاً أساسياً من هذا التحول.

لهذا السبب، نريد أن نعمل على دبلوماسية اقتصادية جادة، تفتح للبنانيين أبواب العمل والاستثمار ليس في الخارج فقط، بل في لبنان أيضاً. نريد أن نخلق الفرص هنا، ونعيد الأمل لكل شاب وشابة يبحثون عن مستقبل يليق بطموحاتهم، ويجعلهم يبقون في هذا البلد.

وأصبح من الضروري اليوم أن نعيد ربط لبنان بدور إقليمي منتج، يكون حاضراً في إعادة الإعمار، والمشاريع الإقليمية، والتحولات الكبرى التي تعيد رسم خريطة الاقتصاد في المنطقة.

وهذا المؤتمر فرصة حقيقية، لنعيد بناء “شراكات” جديدة، ليس بيننا وبين بعضنا بعضا فقط، بل أيضاً مع إخوتنا العرب وأصدقائنا في كل العالم.

باسم كل لبناني، أقول لكم: أهلاً وسهلاً بكم، ونتمنى ان يشكل هذا المؤتمر بداية لمسار مستدام، نرسمه معا، لنعيد للبنان الأمل والمكانة التي يستحقها

ثم قدّم أبو زكي للرئيس عون باسم مجموعة “الاقتصاد والاعمال”، جائزة “الريادة في الإنجاز” تقديراً لجهوده وعطاياه، تم تم تكريم عدد من رجال الأعمال الذين حققوا نجاحات بارزة في الداخل والخارج.

مصدرالديار
المادة السابقةلجنة مراقبة هيئات الضمان تحذّر من التعامل مع الجهات غير المرخّصة
المقالة القادمةمرفأ بيروت في ذروة نشاطه… الأرصفة ممتلئة والبواخر تفرغ حمولتها