بينما كان الرئيس الأميركي، جو بايدن، يوقّع مشروع قانون «خلق حوافز مفيدة لإنتاج أشباه الموصلات»، والذي يقضي بتخصيص 52 مليار دولار لدعم هذا القطاع في البلاد (بعد موافقة مجلس الشيوخ على المشروع الأسبوع الماضي، وقبل إحالته إلى مجلس النواب للحصول على المصادقة النهائية)، كانت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، تلتقي في تايبيه رئيس إدارة شركة «تايوان لتصْنيع أشباه الموصلات» (TSMC)، الرائدة في تصنيع الرقائق الإلكترونية. تزامُنٌ أنبأ بالكثير بخصوص فحوى الزيارة التي أصرّت بيلوسي على إجرائها على رغم كلّ التحذيرات الصينية، خصوصاً في وقت تُكافح فيه واشنطن لحفظ هيمنتها المطلقة على قطاع أشباه الموصلات وسلاسل التوريد العالمية، ومنْع بكين من الوصول إلى هذه التكنولوجيا أيضاً، وانتزاع مكانة متقدّمة لها في مجالها، الأمر الذي سيمثّل – في حال تَحقّقه – نقلة كبرة في الحرب التكنولوجية الدائرة بين الطرفين. وكانت هذه الحرب بدأت تحتدم منذ عهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، واستمرّت مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض، حيث اتّخذت الإدارة الحالية قرارها بتوسيع دائرة القيود المفروضة على الصين في مجال تصنيع أشباه الموصلات، توازياً مع اشتغالها على توطين تلك الصناعة في الولايات المتحدة، بالتعاون مع حلفائها في المحيطَين الهندي والهادئ.
ومن هذا المنطلق، اقترح بايدن، في كانون الثاني 2021، مشروع القانون المُشار إليه أعلاه كجزء من قانون «تفويض الدفاع الوطني» (NDAA)، بهدف ضمان احتفاظ أميركا بقاعدة قوية في الصناعات الاستراتيجية، وقدرة عالية على حماية سلاسل التوريد ذات الأولوية العالية في حالة نشوب صراع دولي أو أزمات غير متوقّعة مِن مِثل جائحة «كوفيد 19» التي أدّت إلى تراجع مخزون الرقائق الإلكترونية لدى الصناعيين إلى حدّ مقلق. ويرى محلّلون أن الولايات المتحدة «أدركت بشكل متزايد المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية للتركيز المتزايد لتصنيع الرقائق في الخارج»، والذي تحتلّ تايوان وكوريا الجنوبية مركز الصدارة فيه. وعلى رغم أهمّية تلك الاعتبارات، وإجماع الحزبَين «الديموقراطي» و«الجُمهوري» عليها، إلّا أن اقتراح بايدن ظلّ مهمَلاً، ليمرّ «NDAA» لسنة 2021 من دون تخصيص أيّ تمويل لتعزيز عملية إنتاج أشباه الموصلات الرقائق في الولايات المتحدة، أو توفير إعفاءات ضريبية للاستثمارات في هذا المجال. إلّا أنه بعد فترة من الكرّ والفر، مرّر مجلس الشيوخ الأميركي أخيراً مشروع القانون، بأغلبية المشرّعين من الحزبين، إذ وافق عليه 64 عضواً فيما رفضه 33 آخرون.
وبعد أيام قليلة من تلك الخطوة، التي عدّتها بيلوسي «انتصاراً كبيراً للاقتصاد الأميركي»، حطّت رئيس مجلس النواب الأميركي في تايوان، حيث التقت رئيس «TSMC» – مارك ليو -، التي وافقت، منذ أيار 2020، على بناء مصنع للرقائق في ولاية أريزونا الأميركية بقيمة 12 مليار دولار، لإنتاج رقائق بـ«ترانزستورات» بحجم خمسة نانومتر (نوع عالي التقنية يُستخدم في الإلكترونيات الاستهلاكية)، بناءً على دعوة من الحكومة الأميركية. واندرج ذلك في إطار استراتيجية أطلقتها إدارة بايدن لتشييد مرافق تصنيع محلّية للرقائق، بالتعاون مع شركات أشباه الموصلات العالمية، وعلى رأسها «TSMC» و«Samsung» الكورية الجنوبية. وبحسب صحيفة «ذي واشنطن بوست» الأميركية، فإن بيلوسي ناقشت مع ليو تنفيذ القانون الذي تمّ تمريره أخيراً في أميركا، وهو ما يؤشّر إلى «مدى أهمية رقائق الكمبيوتر للاقتصاد الأميركي والأمن القومي»، وفق الصحيفة نفسها. وتستخدم الولايات المتحدة الرقائق المُصنَّعة من قِبَل «TSMC»، التي تُعدّ أكبر شركة لتصنيع أشباه الموصلات في العالم ومورّداً حيوياً إلى الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، في المعدّات العسكرية، بما فيها الطائرات المقاتلة «F-35» وصواريخ «جافلين»، وفي أجهزة الكمبيوتر العملاقة في المعامل الوطنية الأميركية. كما تعتمد شركات الإلكترونيات الاستهلاكية الكبرى، كـ«Apple» و«Google»، على مجموعة متنوّعة من الرقائق التي تُصنّعها الشركة التايوانية. على أن خطّة واشنطن للاستفادة من إمكانات «TSMC» وخبراتها في توطين صناعة أشباه الموصلات، تُواجه معضلة النقص في المهندسين المدرَّبين في واشنطن، وهو ما يبدو أن بيلوسي ناقشته مع ليو أيضاً. وطبقاً لـ«ذي واشنطن بوست»، فإن الوزير وعضو مجلس الإدارة في «TSMC»، مينج هسين كونغ، كان قد أعلن، في مقابلة سابقة، أن «الشركة بدأت في إرسال موظفين جدد لحلّ هذه المشكلة».
إلى ذلك، أعلنت وزارة التجارة الصينية، ليل أمس، «تعليق تصدير الرمال الطبيعية إلى تايوان بتداءً من يوم 3 آب»، علماً أن الصين تُعتبر المورّد الرئيس للرمل الطبيعي، الذي يمثّل المكوّن الأساسي في تصنيع الرقائق الإلكترونية، إلى الجزيرة الجارة.