قبيل مغادرته لبنان أصدر وفد صندوق النقد الدولي بياناً ختامياً لخص فيه نتائج زيارته والصورة التي تكونت لديه حول الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية، واختلفت الآراء والتحليلات حول ما تضمنه هذا البيان بين الإيجابية منها وأخرى سلبية، سيما لجهة بعض التقدم في تطببق الإصلاحات وإن كانت غير كافية، كما أعلن رئيس وفد صندوق النقد الدولي إرنستو راميريز ريغو، الذي أنهى زيارته الى لبنان لفترة ثلاثة أيام، وقال إن «لبنان أحرز بعض التقدم في الإصلاحات النقدية والمالية منذ مداولات المادة الرابعة الأخيرة. ومع ذلك، فإن هذه التدابير السياسية لا ترقى إلى ما هو مطلوب لتمكين التعافي من الأزمة.
في هذا الإطار أوضح كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس نسيب غبريل في حديث للديار” أن زيارة وفد صندوق النقد زيارة دورية لتقصي الوضع الاقتصادي المالي والنقدي والمصرفي على الأرض، وليس لها علاقة مباشرة بالاتفاق الذي وقعته السلطات اللبنانية مع صندوق النقد في ٧ نيسان ٢٠٢٢ أو بمتابعة تطبيق الإجراءات المسبقة التي تم الاتفاق عليها، مؤكداً أن هدف هذه الزيارة هو تقييم الأوضاع الاقتصادية والنقدية والمالية والمصرفية في لبنان “.
وأشار غبريل إلى “أن بيان وفد صندوق النقد في ختام زيارته تطرق إلى الوضع الاقتصادي وبعض الإصلاحات التي حصلت والتداعيات السلبية للحرب على غزة والجنوب على الاقتصاد، فضلاً عن الضغوط التي يتسببها وجود النازحين السوريين في لبنان، الذي أدى إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي”.
كما أشار غبريل إلى “ان البيان تحدث عن عدم يقين في النظرة المستقبلية للاقتصاد والتراجع في الحركة السياحية والمخاطر المرتفعة المرتبطة بالحرب في غزة والجنوب اللبناني، موضحاً أن البيان حين أشار إلى النازحين لم يقصد النازحين السوريين بل يقصد النازحين اللبنانيين من الجنوب الذي تخطى عددهم ٩٠ ألف نازح، كما أشار الببان إلى الدمار في البنى التحتية في الجنوب وتداعيات الحرب على الحركة التجارية في الجنوب والوضع المعيشي ككل.
بينما الأمر الإيجابي يقول غبريل هو ما أشار إليه البيان عن بعض التقدم على الصعيد النقدي والمالية العامة من خلال إجراءات اتخذها حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري ووزارة المال، منها توقف مصرف لبنان عن تمويل عجز الموازنة وتعليق العمل في منصة صيرفة وخطوات نحو توحيد أسعار الصرف المتعددة، لافتاً ان كل هذه الأمور ساعدت في لجم تدهور سعر الصرف والحد من حجم الكتلة النقدية وبدء تراجع التضخم وارتفاع احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية.”
و أوضح غبريل” أن وفد الصندوق اعتبر أن هذه الإجرءات غير كافية لخروج لبنان من الأزمة وتحديداً ما أشار إليه البيان عن عدم وجود استراتيجية لديها مصداقية وقابلة للتطبيق مالياً بخصوص القطاع المصرفي، التي تحد من النمو الاقتصادي واستعادة الودائع وتؤدي إلى اقتصاد نقدي واقتصاد مواز” .
واذ لفت غبريل إلى “ان البيان تحدث عن عدم اتفاق الحكومة اللبنانية ومجلس النواب على حل الأزمة المصرفية، أشار إلى أنهم اعتبروا أن إقرار موازنة ٢٠٢٤ في المهلة الدستورية خطوة مهمة لكن يجب أن يكون هناك جهود أكثر لتحسين وضع المالية العامة مثلاً إدارة الضرائب بحاجة إلى تمويل كافٍ الذي يحد من قدرة الدوائر الرسمية في تحصيل الضرائب وكذلك عدم وجود إيرادات كافية لتقديم الخدمات العامة الأساسية والبرامج الاجتماعية والنفقات الاستثمارية .
وحول موازنة ٢٠٢٥ يقول الوفد انه يجب الا يكون هناك عجز في هذه الموازنة بالتحديد من خلال زيادة الإيرادات عبر مكافحة التهرب الضريبي وزيادة الامتثال الضريبي “.
وأشار غبريل إلى نقطة مهمة وهي “اعتبار الوفد أن التقدم على صعيد الإصلاحات الأساسية مثل الحوكمة والشفافية والمحاسبة في القطاع العام محدود جداً، مشددين على ضرورة وجود إجراءات ترفع الشفافية في القطاع العام وان يكون هناك تدقيق مالي للمؤسسات العامة ذات الطابع التجاري لإصلاحها”.
ووفقاً لغبريل لم يكتب قي البيان “هو أن الاتفاق بين صندوق النقد والدولة اللبنانية عملياً تخطاه الزمن وهو بحاجة الى إعادة النظر فيه وإلى تحديثه، لافتاً أن الصندوق بانتظار إعادة تكوين السلطة عبر انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة بكامل صلاحياتها ومعرفة رؤية السلطة الجديدة من الإصلاحات وخطتها وماذا تريد من صندوق النقد الذي لم يلمس من السلطة الحالية أي تقدم على صعيد الإصلاحات إذ لم يطبق إلا إجرءان من الإجراءات المسبقة بشكل صحيح”.
وقال “وفد صندوق النقد كان لديه تحد كبير هو الأرقام الموجودة وغير المقنعة في بعض الأحيان وهم بحاجة اليها لدراسة الوضع الاقتصادي بعمق وبشكل كامل ولذلك تكونت لهم صورة ضبابية عن الوضع الاقتصادي بسبب شح المؤشرات والأرقام، وحتى الأرقام الموجودة مثل أرقام ميزان المدفوعات عليه نقاط استفهام بالنسبة لوفد الصندوق والعجز في أرقام الحساب الجاري الخارجي أيضاً عليه نقاط استفهام.
وان وفد الصندوق أتى إلى لبنان للاطلاع على الوضع على الأرض واستطلاع آراء المكونات المعنية في لبنان الرسمية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، أشار إلى أن الوفد أبدى قلقه حول السيناريوهات المتعلقة بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة فاعلة وكذلك الوضع في الجنوب اللبناني وتداعياتها على الاقتصاد .”
أما بالنسبة للودائع ومصيرها فكشف أنه “جرت أحاديث مطولة حول هذا الموضوع خلال الاجتماعات مع كل الجهات التي التقى بها الوفد، ليس فقط الجهات المصرفية كمصرف لبنان والمصارف التجارية إضافة إلى الأوساط الحكومية والنيابية، مشيراً أن ببان الوفد كان واضحاً لجهة عدم اتفاق الحكومة ومجلس النواب على استراتيجية لديها مصداقية وقابلة للتطبيق مالياً، وهم كرروا ما يقولونه دائماً حول ضرورة إيجاد حل للوضع المصرفي من خلال معالجة ما يسمى بالخسائر وحماية المودعين بأكثر الممكن والحد من استخدام موارد الدولة التي يعتبرونها محدودة.
وأن صندوق النقد ما زال على رأيه في موضوع استرداد الودائع والوفد لم يتطرق إلى الموضوع في البيان، لكنهم شددوا على ضرورة إيجاد حل لديه مصداقية وممكن تطبيقه مالياً، وهم يرون أن كل المقترحات الموجودة ليس لديها مصداقية ومن الصعب تطببقها”.
وبرأي غبريل ” هناك تضارب في الآراء بين ما يتوقعه صندوق النقد في موضوع الودائع وما يتوقعه اللبنانيون، لكن هذا لا يعني أن صندوق النقد توقف عن العمل مع لبنان او تنصل من الاتفاق معه، مشيراً أن هناك مساعدة تقنية من قبل الصندوق إلى لبنان وفريق البعثة سيستمر في مراقبة الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي في لبنان، وستكون له زيارة إلى لبنان في شهر أيلول المقبل وهو ما زال يقدم مساعدات تقنية إلى لبنان وهناك أدوات متاحة للسلطات اللبنانية إذا أرادت أن تستخدمها ولكن هذه المساعدة مختلفة عن التمويل فهي تقتصر على مساعدة تقنية واستشارية”.