وافق مجلس الوزراء على مشروع موازنة العام 2024 على أن يُحيلها إلى مجلس النواب لمناقشتها وإقرارها… واللافت في الأمر ليس سرعة مناقشتها في السراي، وحسب بل بنودها التي جاءت مدجّجة بالضرائب والرسوم الجديدة معطوفة على زيادات ضريبية قائمة!
رئيس دائرة الأبحاث الاقتصادية والمالية في بنك بيبلوس الخبير المالي والاقتصادي الدكتور نسيب غبريل يُبدي عبر “المركزية” سلسلة ملاحظات على مشروع موازنة 2024، مع إقراره “بصحّة تقديمه من قِبل وزارة المال وموافقة مجلس الوزراء عليه ضمن المهلة الدستورية، لكنه لا يُعتبر إنجازاً كونه أمراً روتينياً وطبيعياً، وكاد يكون حدثاً استثنائياً في حال تخطى المهلة الدستورية…”.
أما الملاحظات فيحدّد أبرزها بالآتي:
1- هدف مشروع الموازنة واضح وهو زيادة إيرادات الخزينة ولا يوجد هدف آخر. وذلك من خلال زيادة الضرائب والرسوم وفرض أخرى جديدة بدون أي دراسة جديّة حول تداعياتها على الاقتصاد… من دون أن نغفل أن موازنة العام 2023 لحظت بدورها رسوماً وضرائبَ تحت شعار تدهور سعر صرف الليرة بما يؤدي إلى إعادة تسعير الرسوم على سعر الصرف الجديد.
2- إن 61% من النفقات العامة ستذهب إلى تغطية رواتب وأجور ومخصّصات والمساعدات الاجتماعية لموظفي وعمال القطاع العام.
3- على رغم زيادات الرسوم والضرائب كافة وفرض أخرى جديدة، تسجّل الموازنة عجزاً يوازي 14% من النفقات… إذ كان أفضل بكثير لو كان هناك فائض أو على الأقل توازن في المالية العامة بين النفقات والإيرادات.
ويشير على سبيل المثال لا الحصر، إلى “فرض رسم بالدولار الأميركي على تجميع ونقل ومعالجة النفايات الصلبة تصل إلى 1800 دولار شهرياً لدى المؤسسات الخاصة. إلى جانب فرض رسوم على الحفلات السياحية، زيادة رسم تسجيل براءة الاختراع… ورسوم وضرائب أخرى لا تُعَدّ ولا تُحصى. بالإضافة إلى الفواتير التي يتم تحصيلها بالدولار الأميركي كالجمارك والكهرباء”.
4- كان في الإمكان تجنّب معظم الرسوم والضرائب الجديدة في مشروع موازنة 2024 واللجوء إلى مصادر أخرى لتأمين إيرادات للخزينة العامة، هي موجودة لكنها مُهمَلة من قِبل الحكومات المتعاقبة كمكافحة التهرّب الضريبي، تفعيل الجباية، محاربة التهرّب الجمركي، ومكافحة التهريب عبر الحدود في الاتجاهين، تطبيق قوانين موجودة…
ويكشف غبريل في السياق، عن تقرير أوّلي حول ميزانية “كهرباء لبنان” في العام 2018 والذي يشير إلى وجود فواتير متأخّرة لصالح مؤسسة كهرباء لبنان بلغت مليارين و400 مليون دولار، وهي فواتير غير مدفوعة موزَّعة على وزارات وإدارات رسميّة بقيمة ملياري دولار، والقطاع الخاص بقيمة 400 مليون دولار.
5- يلحظ مشروع الموازنة تسوية مخالفات الأملاك البحرية إنما المبلغ متواضع مقارنة بما يمكن للدولة تحصيله في هذا المجال.
6- كان يجب أن يلحظ مشروع الموازنة فرض ضريبة على كل جهة استفادت من الدعم تخزيناً واحتكاراً وتهريباً، والتي أدّت إلى استنزاف جزء كبير من احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية وهي من ودائع الناس…
7- كان هناك حديث عن اتجاه إلى فرض ضريبة على مؤسسات سدّدت قروضها بشيكات مصرفية بالليرة اللبنانية بقيمة زهيدة فيما اقترضتها من المصارف بالدولار الأميركي. لكنه لم يُدرَج في مشروع الموازنة.
8- كان يجب تقليص حجم الاقتصاد الـ”كاش” المدَولَر كونه يزيد من احتمالات التهرّب الضريبي.
9- النقطة المهمة لزيادة إيرادات الخزينة تكمن بكل بساطة في إعادة فتح الدوائر الرسمية بشكل مستمر… لأنه على رغم دعمي الكلي لضرورة دعم القدرة الشرائية للقطاع العام، لكن لا يجوز إبقاء الدوائر مغلقة والتوجّه إلى زيادة الضرائب. والسؤال هنا كيف يمكن تحصيل تلك الضرائب فيما الدوائر الرسمية مقفلة؟
10- هناك 90 مؤسسة عامة ومجالس وهيئات وصناديق عامة انتفى سبب وجودها، فلماذا لم يتضمّن مشروع الموازنة بنداً يقضي بإغلاقها وتوفير أموالها لتغطية رواتب ومعاشات القطاع العام؟!
في ضوء هذا العرض، يؤكد غبريل أن “القطاع الخاص لا يستطيع تحمّل هذا الكمّ من الضرائب والرسوم، خصوصاً أن جزءاً منها بالعملة الأجنبية! فمن أين ستأتي مؤسسات وشركات القطاع الخاص بكل تلك الدولارات لتسديد الضرائب والرسوم؟!”.
إذاً كان الأجدى بالحكومة إجراء دراسة معمّقة للضرائب والرسوم الملحوظة في مشروع موزانة 2024 تُظهر تداعياتها وانعكساتها على الاقتصاد المحلي والقطاع الخاص. كما لا يجوز أن يكون هدف الموازنة فقط زيادة إيرادات الخزينة على حساب أي شيء آخر.