سقطت كل تبريرات وزارة الصحة أمس. النواب يطلبون اللقاح «ديليفري»، فيحضر مع الجهاز الطبي الى ساحة النجمة ليلقّح من هم ضمن المرحلة المتفق عليها، وبعض من هم دون السبعين من العمر. قبل أن يخرج قصر بعبدا متحدثاً عن عملية تلقيح تلقّاها الرئيس وزوجته والملاصقون له، وبعضهم لا تنطبق عليه «تعاميم المنصة».
في بلد المحسوبيات والوساطات ليس مستغرباً أن يُبدّى المسؤولون على الشعب، خصوصا وأنّ ما يجري الحديث عنه خطير ويشكّل مادة دسمة أمام الرأي العام، الذي يطالب بتحقيق جدّي لـ «إختفاء» نحو 50 في المئة من اللّقاحات التي وصلت الى لبنان، فلمن أُعطيت؟
أدار التفتيش المركزي أخيراً عجلة تحقيقاته، وبدأ تقصّي الحقائق من المصدر، أي من وزارة الصحة، خصوصاً بعد التغريدة التي نشرها ممثل البنك الدولي في لبنان ساروج كومار جاه، والتي أكّد من خلالها أنّ «البنك الدولي قد يجمّد تمويله دعم اللقاحات في لبنان»، مناشداً «الجميع، بغض النظر عن منصبكم، التسجيل عبر المنصّة وانتظار الدور».
جوهر المشكلة بحسب مصادر موثوقة يكمن في الـ «data» التي تصل الى وزارة الصحة، والتي تتضمن اسماء طالبي اللقاحات في القطاعات التي أُعطيت اولوية التطعيم كما كبار السن. وتشير الى أنّ بعض النقابات تتلاعب بأولويات التلقيح، فتضع اشارة «high risk» أمام اسماء غير مستحقيها. وهذا الخلل يمكن أن يحصل أيضاً، خصوصاً في حال دوّن أحد على المنصّة أنّه مريض في القلب على سبيل المثال أو السكري أو اي مرض مزمن، لا يخضع لأي سؤال أو يُطلب منه إبراز مستند لتأكيد ذلك؟ وتالياً، فإنّ المسؤولية جماعية بالنسبة الى هذا الموضوع، ولا تُختصر فقط على جهة واحدة.
وأكّدت المصادر عينها، أنّ عدد المسؤولين السياسيين الذين تلقوا اللّقاح لا يقتصر على الأسماء التي نُشرت، بل هناك كثير من الذين تلقّوا اللقاح «في السرّ» وبعيداً من الاعلام. اضافة الى ذلك، فقد تمكنت مرجعيات سياسية من تلقيّ اللّقاح مع القريبين منها، بعيداً عن «شوشرات» مواقع التواصل الإجتماعي، حرصاً منها على تفادي أيّ إحراج قد يشكّله استخدام الهاتف، أو أي فضيحة مرتقبة.
فضيحة أخرى، تتعلّق بالتوزيع غير العادل للقاحات، فبعض المستشفيات تصلها لوائح تضمّ أسماء تتخطّى عدد اللّقاحات المعطى لها، ما يسبّب حرجاً لها امام المواطنين الذين يحضرون وفق الموعد المحدّد في الرسالة النصية المرسلة من المنصّة. وفي السياق علمت «الجمهورية» أنّ بعض المستشفيات سيرفع الصوت قريباً لتبيان ملابسات ما يجري من خروقات. في المقابل، تحصل مستشفيات أخرى على فائض لقاحات نسبة الى عدد المسجّلين في اللوائح التي وصلتها.
وتتوالى الاسئلة ايضاً عن الاسباب التي تمنع وزارة الصحة من ضبط آلية التوزيع ونشر الاسماء وفق جدول يومي، على غرار الجداول التي تصدر عن نسبة الإصابات بكورونا وتوزيعها على المناطق، وبالتالي تقطع الطريق أمام كثير من الشكوك التي يروّج لها البعض، خصوصاً في ما يخص ارقام اللقاحات التي لم تُسجّل عبر المنصة، وهنا من المفترض أن تكون وزارة الصحة على بينة من الامر، عبر ربط المستودع حيث توجد اللقاحات بالمنصة، وبالتالي تكون آلية ضبط العدد واضحة ومدونة، حيث يتمّ تسجيل الكمية التي خرجت يومياً من مستودعات الوزارة لتوزيعها على المستشفيات، ويتمّ إعلام الرأي العام بها، وتأكيد شفافية الوزارة التي تشدّد على ضرورة أن يكون كل شيء واضحاً أمام المواطن.