بعد كل الوعود التي تم نكثها سابقاً، لعدم تنفيذ إضراب وشل حركة الطيران في مطار بيروت، ضاق الفنيون في المديرية العامة للطيران المدني ذرعاً، وأعلنوا في بيان التوقف عن القيام بالأعمال الليلية ابتداء من تاريخ 01/08/2024 وذلك حتى تحقيق مطالبهم. ولفتوا إلى أنهم تواصلوا مع المعنيين لتصحيح قيمة بدل ساعة العمل الليلي، ولم يحصلوا إلا على الوعود الفارغة والمماطلة. وذكّروا أنه تم حرمان الموظفين المناوبين في المديرية العامة من الحقوق التي أقرها مجلس الوزراء، من بدل مثابرة، والتي يستفيد منها موظفو جميع الادارات العامة في الدولة.
رسوم لدفع حوافز الموظفين
يكشف مسؤولون في المديرية العامة لـ”المدن” أنه حيال الغبن اللاحق بالموظفين الفنيين، أُعد مرسوم لتعديل أجر ساعات الأعمال الليلية في مطار بيروت. وهذا المرسوم يرفع أجر الساعة لهم لتصبح بقيمة 2 على خمسة، أي تعود قيمة الساعة بنحو 40 بالمئة عما كانت عليه قبل أزمة الاقتصادية. فأجر الساعة الحالي ما زال على حاله منذ ما قبل الأزمة الاقتصادية وعلى أساس الراتب الأساسي الذي لم يتم تعديله. فهم يتلقون بدلات أتعاب بقيمة 1 على مئة، والتي تصرف مالياً بنحو 250 ألف ليرة عن عمل لليلة كاملة (ثلاثة دولارات تقريباً). أي أن مجموع ما يتلقاه الفني في الشهر لا يتعدى 25 دولاراً فقط لا غير، لأنه يحق لهم العمل عشر ليالي في الشهر. ورغم ذلك لم يتلقوا هذه الأتعاب الزهيدة منذ ثلاثة أشهر.
منذ نحو سنة جرى التوافق على دفع حوافز بالدولار للموظفين كي يستمروا بالعمل. ذاك أن راتب الموظفين في القطاع العام لا يكفي ثمن بدل مواصلات. ففرضت شركات الخدمات الأرضية رسوماً على شركات الطيران لتمويل الحوافز، لكن من دون فواتير رسمية تثبت كيفية صرف هذه الرسوم كحوافز للموظفين. بعد رفض شركات الطيران دفع رسوم لا يمكن تبريرها بفواتير رسمية، قوننت شركة طيران الشرق الأوسط الأمر وباتت تصدر فواتير رسمية بالرسوم المفروضة على شركات الطيران. وجرى توزيع عائدات هذه الرسوم على الموظفين بطريقة عشوائية، وتختلف بين مصلحة وأخرى. وعلى سبيل المثال، تم تخصيص كوتا تتراوح بين 300 و700 دولار للموظفين الفنيين، وتصل في بعض الحالات إلى 1200 دولار شهرياً، في مصلحة سلامة الطيران ومصلحة صيانة الأجهزة ومصلحة الاتصالات الجوية ومصلحة الأرصاد الجوية. فيما موظفو مصلحة الملاحة الجوية حصلوا على حوافز تتراوح بين 1200 و4000 آلاف دولار.
وعود لرفع الغبن عنهم
وتشرح المصادر، أن مصلحة الملاحة الجوية حصلت على حصة الأسد من الحوافز من دون مبررات وظيفية. بمعنى آخر، لم يتم توزيع الحوافز بحسب الفئة الوظيفية للموظفين الإداريين والفنيين في المديرية العامة، بل بحسب منطق المحسوبات وقدرة كل مصلحة، اللوجستية والسياسية، على فرض أمر واقع في مطار بيروت. ما أدى إلى تكريس حال من الغبن بين المصالح والإدارات المتعددة وضغائن بين الموظفين. ذاك أن التفاوت في الأجور بين الموظفين أتى من خارج المنطق الوظيفي.
بعد مطالبات وتلويح بتنفيذ إضراب يهدد سلامة الطيران، تلقى الفنيون منذ أكثر من ستة أشهر وعداً برفع قيمة حوافز مالية بالدولار، الذي من شأنه تقليص هامش الغبن بين موظفي المصالح والإدارات، بشكل طفيف. وجرى الحديث عن توزيع مبلغ بقيمة 50 ألف دولار كانت تدفعها شركة النقل الجوي اللبناني LAT لصالح “شركة الشرق الأوسط لخدمة المطارات” بهدف إجراء الصيانة اللازمة في المطار. لكن بعد بدء دفع كلفة صيانة المطار من الصندوق الذي أنشأته المديرية العامة للطيران المدني بالدولار (يتغذى الصندوق من خلال اقتطاع نسبة عشرين بالمئة من الرسوم في المطار)، وُعد الموظفون بتخصيص هذا المبلغ كحوافز لهم. أي توزيع حوافز إضافية بقيمة تتراوح بين مئة ومئتي دولار شهرياً لكل موظف. لكن وبما الموظفين لم يتلقوا إلا الوعود، قرروا الإضراب في مطلع الشهر المقبل لتحصيل مطالبهم. فبغير تهديد سلامة الطيران لا يمكن تحصيل حقوقهم، وفق قولهم. ذاك أن شركات الطيران سترفض الهبوط أو الإقلاع في مطار بيروت في حال أضرب الفنيون، لا سيما أن عدد الفنيين يصل إلى نحو 180 موظفاً، كما يقولون.
تضارب مصالح
عوضاً عن دفع حوافز لجميع الموظفين والفنيين من خلال الصندوق في المديرية العامة، وجعلها عادلة بحسب الفئة الوظيفية، كانت الحلول التي كرست في المديرية كلها “ترقيع بترقيع”. فمن مصلحة بعض المسؤولين في المديرية والمطار إبقاء الحوافز الحالية التي توزع بلا أي رقيب أو حسيب، كما يؤكد أكثر من مصدر.
أما بما يتعلق بإقرار مرسوم تعديل أجر الأعمال الليلية، فتحمل المصادر المسؤولية إلى بعض المسؤولين عن بعض المصالح في المديرية. فمن شأن إقرار المرسوم تحديد بدل اتعاب ثابت للجميع بحسب الفئة الوظيفية، ووقف تمويل الحوافز العشوائية. وهذا الأمر يرفضه القيمون على بعض المصالح والإدارات، الذين يمارسون الضغوط لعدم إقرار مرسوم تعديل بدل أجر الأعمال الليلية. فمن مصلحة هؤلاء بقاء الوضع الحالي على ما هو عليه سواء لناحية الإبقاء على مبدأ الحوافز، التي تدفع من خلال الرسوم التي تفرض على شركات الطيران، أو لناحية عدم تعديل أجر الساعات الليلية الذي من شأنه وقف مبدأ الحوافز. فالاستفادة من الحوافز الحالية فيه مكاسب مالية أعلى لهم.