«رئيس حكومة أختارته طبقة سياسية يصعب عليه مواجهتها باصلاحات تتعارض مع مصالحها».
هذا هو تقييم «الاكونوميست» لاحتمالات إصلاح يسعى رئيس فرنسا لتنفيذه على يد حكام يأنفون من أي إصلاح، كما في المقال الأخير للمجلة عن لبنان حيث الأرقام تتحدث عن وضع اقتصادي في غاية الصعوبة، من تضخم ارتفع الى أكثر من ١١٢% وليرة انخفضت بأكثر من ٨٠% وشعب أكثر من نصفه فقير تحت ضغط أسعار معيشة تصاعدت بـ٤٠٠% والى مزيد…
وباتت كل هذه المجموعات تحت رحمة دولار السوق السوداء بأسعار صرف أكثر من ضعف سعر الدعم الذي سيوقفه مصرف لبنان خلال أقل من شهرين فيرتفع عندها أسعار ربطة الخبز من ١٥٠٠ ليرة الى ٣٠٠٠ ليرة وصحيفة البنزين من ٢٤٠٠ ليرة الى ٤٨٠٠٠ ليرة، وصفيحة المازوت من ١٥٠٠٠ ليرة الى ٣٠٠٠٠ ليرة، وعلبة حليب الطفل لعمر السنة من ١٢٠٠٠ ليرة الى ٢٤٠٠٠ ليرة، والى أكثر وأكثر الى جنون في الأسعار يسابق جنون الدولار.
فالميزانية الشهرية بمبلغ المليون دولار التي كان مصرف لبنان قد خصصها لمؤسسات الصيرفة من فئة (ألف) كي تبيعها بسعر صرف مخفض لشركات استيراد المواد المعيشية والضرورية، والطلاب اللبنانيين في الخارج، ولأجور عمالات وعمال الخدمة المنزلية في الداخل، جرى تخفيضها بعد فترة وجيزة الى ٨٠٠ ألف دولار ثم الى ٢٤٠٠٠ دولار (!) ثم الى… لا شيء!!
وذلك بعد أن تحوّلت عملية تمويل شركات الاستيراد بالسعر المدعوم من الصرافين الى المصارف، وبقيت عملية تمويل الطلبة وخادمات المنازل لدى الصرافين، حيث خضعت الـ «كوتا» الشهرية للطالب في الخارج لخفض تدريجي من ٣٥٠٠ دولار (٢٥٠٠ دولار أقساط الجامعة و١٠٠٠ دولار نفقات معيشة) الى ٥٠٠ دولار فقط! ولعاملة الخدمة المنزلية الحبشية من ٣٠٠ دولار الى ١٥٠ دولار، وصولا الى تعثر البرنامج بكامله وتوقف الصرافين عن تمويل عائلات الطلبة وعاملات الخدمة المنزلية ومعهم قريبا توقف تمويل تجار استيرادت السلع المدعومة، (بعد رفع الدعم المتوقع خلال أقل من ثلاثة أشهر) وبات كل هؤلاء مضطرين للجوء الى السوق السوداء لشراء حوالي ٨٠٠ مليون دولار شهريا (ميزانية الدعم الأصلية) بأسعار الصرف الحالية (بين ٧٤٠٠ و٧٥٠٠ دولار)
أي ما مجموعه الحالي 10 مليارات دولار سنويا تضاف إلى حاجة السوق الأصلية خارج ميزانية الدعم لغير الاستيراد ونفقات الطلاب وخدم المنازل، مضافا إليها حاجات الدولة للدولار لتمويل استيراداتها وسفراتها وسفاراتها والتزاماتها من نوع «اليوروبوندز» وسواها، مضافا الى كل ذلك حاجات المصارف لتمويل التزاماتها الداخلية والخارجية، الأمر الذي يعطي فكرة مبدئية عن مستقبل الحاجة إلى الدولار في المدى المنظور في ظل شح الاحتياطيات النقدية لدى مصرف لبنان الى حدود احتياطيات الودائع الالزامية ومخزون الذهب. وكلاهما الآن في «باب المحرمات»، ما يترك الدولار حراً طليقا لا يُمكن لجمه إلا بتدفقات دولارية نقدية دولية وعربية.