يتابع «مصرف الإسكان» بقيادة مديره العام أنطوان حبيب، العمل على رصد تمويلات إضافية من جهات مختلفة من شأنها أن تؤمّن قروض إسكانٍ إضافية، على أن تكون مخصصة لأصحاب الدخل المتوسط والمحدود، والتي كان أول الغيث منها قرض «البنك العربي» (مقره الكويت) الذي بلغت قيمته 50 مليون دولار.
وقد شهد القرض الذي انطلق في مطلع شهر حزيران الفائت إقبالاً كثيفاً، حيث كشف حبيب في حديث مع «الأخبار» أن عدد المتقدمين للاستفادة منه عبر الموقع الإلكتروني بلغ 23 ألفاً، بينما سعى 7000 إلى إكمال طلبهم، إلّا أن عدد الطلبات المكتملة فعلياً بلغ 2700، ما يعني أنه في استطاعة حوالى 3000 أسرة بعد الاستفادة منه، علماً أن هذه الإحصاءات غير كاملة حتى الآن. ولفت حبيب إلى أن الحصة الأكبر من الطلبات كانت من نصيب فئة الشباب كونهم الأكثر قدرةً على إيفاء القروض نظراً إلى انخراطهم في سوق العمل بالإضافة إلى مداهم العمري الذي يسمح لهم بالتسديد بأريحية.
كما كشف حبيب عن قرض جديد يتم العمل عليه الآن مع المملكة العربية السعودية (إلى جانب قرض «صندوق أبو ظبي للإنماء الاقتصادي العربي» الذي سبق أن أُعلِن عنه)، حيث طلب سفير المملكة في لبنان وليد البخاري، من المعنيين إعداد مسوّدة اتفاقية تعاونٍ بين البلدين في هذا الشأن. وبالفعل تم إعداد مسوّدة وإرسالها إلى وزارة الاقتصاد وسيتم إرسالها إلى السفارة قريباً. وأعرب حبيب عن تفاؤله بهذا التعاون بين المملكة ولبنان، إذ إن التجارب السابقة كانت إيجابية حيث توجد 21 اتفاقية تم توقيعها في السابق بين الجهتين وهي موجودة في وزارة الاقتصاد.
أما عن تأثير الوضع العام الاقتصادي والسياسي والأمني على تعامل الجهات المُقرِضة مع مصرف الإسكان، قال حبيب إنه هناك «ثقة تامة» من تلك الجهات بالمصرف، خصوصاً أنه يتبع للقطاع الخاص بنسبة 80%، وتمتلك الدولة ممثلةً بوزارتي المالية والشؤون الاجتماعية 20% منه فقط. وأضاف أن هدف الجهات المقرضة مساعدة الشعب لا الأنظمة، لذا هي تفصل بين الوضع السياسي والواقع الاجتماعي في البلاد.
هل من أثر على السوق العقاري؟
يقول نقيب خبراء التخمين العقاري في لبنان الأستاذ خضر يموت، في حديث مع «الأخبار» إن معالم تأثير القرض الأخير على السوق العقاري غير واضحة بعد، إذ يعتبر أن 2000-3000 حالة شراء جديدة ليست شيئاً يُذكر في بحر السوق العقاري، فقيمتها قد لا توازي تكلفة تسجيل عقار واحد ضخم في بيروت. ويشير يموت إلى أن شروط الفوز بالقرض غير متوافرة لدى العدد الأكبر من الراغبين في التقدم، وهذا ما يؤكّده التفاوت بين عدد المتقدمين (23000)، وعدد الطلبات الكاملة (2700). ويتابع موضحاً أن القرض الأخير يستهدف أصحاب المداخيل التي ترواح بين 1200 و2000$، الذين يصنفهم يموت ضمن «الفئة الميسورة»، وهؤلاء لا يطمحون للسكن في المناطق الشعبية أو في الأرياف والضواحي حيث تتواجد الشقق التي في استطاعة الفائز بالقرض شراؤها وفقاً للمبلغ المحدد، وهي شقق بالغالب مستخدمة يتراوح سعرها بين 40 و70 ألف دولار. بالمقابل، من يطمح فعلاً للحصول على هذا القرض هو من يتقاضى راتباً متواضعاً، أي 300-600$ كأقل تقدير.
وفي هذا الصدد، يرى يموت أنه من الواجب على الدولة أن تعمل على تخصيص حقبة مالية يتم عبرها منح قروض إسكانية لأصحاب الدخل المحدود فعلياً، من أبناء القطاع العام، وأبناء السلك الأمني والعسكري من قوى أمن وجيش وغيرهم، وحتى أبناء القطاع الخاص الذين يتقاضون رواتب متدنية، على أن تكون «مفصّلة على قياسن»، فهؤلاء بحاجة فعلاً إلى تملّك شقق سكنية، لأن كاهلهم مثقل بعدد من المصاريف التي تبدأ بتأمين قوت اليوم، ولا تنتهي مع تكلفة الإيجار الشهرية المرتفعة، في حين لا تتجاوز رواتبهم في عدد من الأحيان الحد الأدنى للأجور. أما أصحاب الدخل الذي قد يصل إلى 2000$، فلا ينكر يموت لهم الحقّ في الحصول على قروض الإسكان، إلّا أنه يوضح أن الأولوية الآن لا يجب أن تكون لهم، فهم قادرون على تحمّل دفع 500$ كإيجار، إضافة إلى المصاريف الأخرى، وفي إمكانهم اللجوء إلى المصارف التجارية في حال رغبوا في التملّك.
من جهته، يلفت نقيب خبراء التخمين العقاري السابق الأستاذ فوزي ضو، النظر إلى انعكاسٍ إيجابي آخر، إذ يرى أن القروض قد تشكل الحلّ لأزمة الشقق العالقة بين المالك والمشتري منذ انفجار الأزمة عام 2018-2019، إذ في استطاعة المشتري، عبر تسوية معينة مع المالك، أن يتقدم للحصول على قرض لتسديد المبلغ العالق، أو على الأقل نسبة منه. كما يشير إلى أنها قد «تحلحل» سوق العقارات المستعملة، ولكنها في جميع الحالات لن تصبّ إلا في خدمة أبناء القطاع الخاص دون غيرهم.
فرصة يجب اغتنامها
رغم كل ما سبق، لا ينفي يموت أهمية العودة التدريجية إلى القروض ولو بشكل محدود، ويشجع من يستطيع «قطف» الـ 50 ألف دولار على اغتنام الفرصة. الأمر نفسه يحثّ عليه ضو، إذ يرى أن أسعار الشقق السكنية اليوم، وخصوصاً تلك المستخدمة، يوازي سعر التكلفة، بالتالي، شراء مسكن أو عقار في هذه الآونة قد يشكّل أفضل استثمار، خصوصاً مع الارتفاع المتوقّع في الأسعار بعد انتهاء الحرب في الجنوب نتيجة ارتفاع الطلب وارتفاع أسعار المواد الأولية وغيرها. كما يؤكّد يموت من جانبه أن عملية إعادة الإعمار في الجنوب بعد الحرب – إن حصلت – سيكون أثرها إيجابياً بالطبع لناحية تحريك عجلة السوق العقاري، ولكنّ الأسعار حتماً ستشهد ارتفاعاً ملحوظاً.
وفي ما يتعلق بمستقبل القطاع العقاري، يُجمِع الخبراء، بمن فيهم يموت وضو، على أن رحلة التعافي ما زالت طويلة، إذ إنها مرتبطة بعوامل عدة كالإصلاح الجذري الاقتصادي والسياسي والقضائي، وتحقيق التنمية المستدامة في الأرياف والضواحي، وتسوية الأجور بشكل عادل وواقعي، وغيرها… وحتى ذلك الحين ليس أمام المواطن الكادح أي حلول سوى محاولة الصمود بأقل المقومات، بانتظار الفرَج الموعود.