قصة 3 سنوات من مآسي الدولار وارتفاعاته الصاروخيّة في لبنان

يقبل لبنان واللبنانيون على العام 2023 وإنهيار العملة قد إفتتح عامه الرابع، ثلاث سنوات من “المرّ”، لم يدرك معها اللبنانيون كيف وصلت بهم الأحوال إلى ما هي عليه، ورُغم ذلك فالحياة في لبنان مستمرة، لكن لم يعد هناك طبقة غنيّة وأخرى متوسطة أو فقيرة، فالأحوال السيئة قسمت الشعب الى قسمين إما غني أو فقير.

في العالم سجّلت العديد من الثورات والحروب، ولبنان لن ينسى تاريخ 17 تشرين الأول 2019، لأنه غيّر حياة الناس وقلبها رأساً على عقب، ولو أنّ “المخطّط” ممّا اصطلح على تسميته بـ”الثورة” لم ينجح. ذلك التاريخ كان نقطة إنطلاق شرارة “الكوارث” في لبنان، وأولها إرتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، الذي بقي ثابتاً على 1515 ليرة، منذ العام 1993 حتى 17 تشرين الأول 2019.

2020 كورونا وانفجار المرفأ

عام 2020 كان عام الأزمات بإمتياز، خسرت الليرة اللبنانية 80%من قيمتها، نتيجة الاضطرابات السّياسية والإقتصاديّة، إضافة إلى تفشّي فيروس “كورونا”، وما زاد الطين بلّة الإنفجار الضخم الذي هزّ مرفأ بيروت في شهر آب من العام 2020.

قبل الغوص في كلّ هذا، يجب العودة إلى ليل 17 تشرين الأول 2019. يومها أعلنت جمعيّة المصارف إقفال البنوك وشاركها بقرارها من الولايات المتحدة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. في تلك الفترة، هُرّبت المليارات إلى الخارج، وفي تلك الفترة أيضاً بدأ حاكم المصرف المركزي يغدق التعاميم، ويقول إن هدفها خفض سعر صرف الدولار مقابل الليرة، بينما الدولار كان يختفي من السوق ويحلق صعوداً.

بداية ارتفاع تدريجي للدولار

لا شكّ أن إقتصاد لبنان مدولر وفي الفترة ما بين نيسان وآب 2020 كان الدولار قد بدأ يرتفع بشكل تدريجي ولم يعد هناك من سعر للشراء، يقصد الناس الصيارفة، فيشتري الصراف منهم الدولارات بـ4600 ليرة وبـ5000 ليرة وصولاً إلى 5400 ليرة، لكن من النادر أن يجد أحدٌ صرافاً واحداً يبيع الدولار.

من هنا، باتت الأرقام ترتفع، حقيقة ووهماً، لكن من دون صرّاف يبيع. في هذا الوقت، خرج حاكم مصرف لبنان ليؤكد أن ” كل ما يُحكى عن سعر الصرف “غير حقيقي” في حين أنه أًصبح هناك عدّة أسعار للصرف: السعر الرسمي الأول بين مصرف لبنان والمصارف (1507)، السعر الرسمي الثاني الذي يعتمده مصرف لبنان مع المصارف بموجب التعميم رقم 148 (3000 ليرة أو 3200 ليرة)، السعر الرسمي بين المصرف والصيارفة (3850).

في 4 آب 2020 حصل انفجار مرفأ بيروت، الأمر الذي قاد إلى إستقالة حكومة حسّان دياب بعد ذلك، ثم سُمِّي سعد الحريري لرئاسة الوزراء في 22 تشرين الأول، بعد نحو عام على استقالته تحت ضغط الاحتجاجات الشعبيّة، الأمر الذي ترك تداعياته الغامضة على سعر صرف الدولار في السوق السوداء.

يعتمد الاقتصاد اللبناني على تدفق منتظم للدولار، وربط البنك المركزي الليرة اللبنانية بالدولار على سعر 1507.5 ليرة لبنانية منذ 1997، خلال السنوات العشر الأخيرة، وفي ظل تباطؤ النمو الاقتصادي وانحسار التحويلات من الاغتراب اللبناني، نقصت كميّة الدولارات المتداولة. مع تقلص الثقة باستقرار الليرة اللبنانية في 2019 والمخاوف حول استقرار القطاع المصرفي، عمد المودعون إلى سحب الأموال من حساباتهم بالدولار، ما أدّى إلى انقطاع العملة الخضراء من السوق، حتى وصل السعر غير الرسمي إلى 8 آلاف ليرة في أيلول 2020، أقفل العام 2020 والدولار كان قد وصل إلى 8900 ليرة تقريباً في نهاية كانون الأول من العام المذكور.

2021 بين رفع الدعم و”صيرفة”

في العام 2021، شهدت الأزمتين الاقتصادية والمالية مزيداً من التدهور، في 2019، قرّرت الحكومة دعم الواردات الحيويّة، مثل الوقود، والقمح، والأدوية. لكن الأموال نفدت والتي خصصها مصرف لبنان لهذه الواردات، فعانى السكان من نقص حاد فيها. وبين حزيران 2019 وحزيران 2021، بلغ معدل التضخم 281%. زادت أسعار الغذاء وحدها بـ550% بين آب 2020 وآب 2021. في ذات الوقت، فقدت العملة الوطنيّة 90% من القيمة التي كانت عليها قبل الأزمة، واستمرت البنوك في فرض قيود تعسفيّة اعتباطية على السحب نقداً.

تداعيات قرار رفع الدعم

 

في آذار 2021 وصل سعر صرف الدولار إلى 15 الف ليرة، عشية اتّخاذ مصرف لبنان قراراً قضى برفع الدعم 50% عن السلع كافّة، ثمّ عاد سعر الصرف إلى الهبوط نحو 13 ألف ليرة مع بداية الحديث عن منصّة “صيرفة”. في أيار 2021، أصدر مصرف لبنان التعميم 158، واعداً المودعين بدفع 50 ألف دولار من ودائعهم.

حتى نهاية حزيران 2021، كان الدولار لا يزال مستقراً على 17 الف ليرة، لكنه عاد وارتفع في تموز، بعد اعتذار رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، ليصل إلى 23 الف ليرة، ثم يعاود الانخفاض إلى عتبة 17 الف ليرة، بعد صدور مرسوم تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة في آب 2021.

في أيلول 2021، أعلن عن تشكيل حكومة ميقاتي، وكان ذلك كفيلاً بانخفاض سعر الصرف إلى 13 الف ليرة ليعود بعد ذلك ويرتفع.

اطلاق “صيرفة”

ما بين أيلول وتشرين الثاني 2021 عادت الليرة إلى الانهيار، فسجّل الدولار ارتفاعاً مع وصوله إلى نحو 19 ألف ليرة في بداية تشرين الثاني، ليقفز من 19 إلى 21 فـ24 ألف ليرة في منتصف الشهر.

في كانون الأول 2021، أصدر مصرف لبنان التعميم رقم 601 الذي رفع قيمة الدولار المصرفي من 3900 ليرة إلى 8000 ليرة لبنانية، والتعميم 161، الذي سمح للموظفين بالحصول على رواتبهم بالدولار وفق سعر منصّة صيرفة، كان يأمل أن تضبط الدولارات في أيدي الموظفين الكتلة النقديّة اللبنانيّة في السوق، لكن بخلاف المتوقع خُتم العام 2021 على سعر صرف دولار يتراوح ما بين 27000 و27500 ليرة.

2022 عام الانتخابات النيابية

في العام 2022، إستمرت الأزمات والمشاكل التي يعاني منها لبنان، وقد بلغ في أيار 2022، قبل انتخاب رئيس المجلس النيابي، حدود 38 الف ليرة، وذلك على خلفيّة تذكير حاكم مصرف لبنان بالتعميم 161، وطلبه من حاملي العملة اللبنانية الاستفادة من منصة “صيرفة” للحصول على العملة الخضراء، ليعاود انخفاضه بعد الانتخابات من 38 الف إلى 29 الف ليرة.

الانخفاض جاء استجابة لبيان صادر عن حاكم مصرف لبنان، يشير فيه إلى أنه سيضخّ الدولارات عبر التعميم 161 بوتيرة مفتوحة السقف، أيّ أنّه سيوقف تقنين ضخّ الدولارات وسيكرّر مرحلة السقف المفتوح في أول شهر من السنة. يومها بلغ الدولار 32 ألف ليرة، ثم انخفض إلى 20 ألف ليرة في 1 شباط. استمرّ الأمر لغاية 8 آذار (36 يوماً) ثم عاد سعر الصرف إلى الانفلات التدريجي، وصولاً إلى تسجيله ارتفاعاً قياسياً بلغ 37 ألف ليرة.

في فترة ما بين أيار وأيلول 2022، ارتفع سعر الصرف من 27500 ليرة إلى 38600 ليرة. ما بين أيلول وتشرين الأول 2022 كان هناك محطّتين بارزتين: الأولى اتمام اتفاق ترسيم الحدود البحريّة مع اسرائيل، والثانية نهاية ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، حيث كان من المتوقّع أن يكون لهذا الأمر الأثر الكبير في إنخفاض سعر صرف الدولار لكن لم يحصل ذلك، فإنخفض الدولار من 38600 الى 35700 ليرة فقط لا غير.

ما بين تشرين الثاني وكانون الأول، ارتفع سعر صرف الدولار من 35700 إلى 41150 في نهاية تشرين الثاني، فـ43700 ليرة في 28 كانون الأول 2022.

إذاً، هكذا تأرجح الدولار من 1515 في العام 2019 إلى 43700 ليرة في نهاية العام 2022، محطات عديدة طبعت في تاريخ هذا البلد وأثّرت في العملة، ويبقى الأهمّ أن أداء حاكم مصرف لبنان أثّر على سلامة النقد.

مصدرالنشرة - باسكال أبو نادر
المادة السابقةاقتصاد “كازينو” رياض سلامة: حين يضارب المركزي على الدولار
المقالة القادمةالحاج حسن التقى نقابة وتجار سوق الخضار في بيروت وتأكيد على اعتماد أعلى معايير الأمن الغذائي