تتسع دائرة القطاعات التي تتعرض لشظايا الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان، وخاصة بسبب حجز الأموال في المصارف والقيود على التحويلات، واستمرار انهيار سعر الصرف أمام الدولار وبالتالي انهيار القدرة الشرائية للمواطنين. فكيف تمكن قطاع التأمين من الصمود؟ وما هي تحديات هذا القطاع؟ وماذا ننتظر منه في هذا العام؟
منذ بدء الازمة في لبنان، والقطاعات الاقتصادية تعاني على جميع الاصعدة، وقد شهد لبنان انهيار وإغلاق عدد كبير من الشركات والمؤسسات لعدم قدرتها على الصمود أمام ارتفاع التكاليف وانهيار العملة الوطنية. ولكن الى جانب كل الازمات، يبقى قطاع التأمين الوحيد الذي تمكن من الصمود رغم كل المعوقات والتحديات التي يواجهها، وخاصة انفجار المرفأ الذي رتّب الكثير من الخسائر عليه. وكان قطاع التأمين قد واجه عدة أزمات تتمثل بشح السيولة، ما يرفع خطر إفلاس عدد من الشركات، وتأثر بالقيود القاسية التي تفرضها المصارف على حركة التحويلات المالية، ما أدي الى عجز شركات التأمين عن الالتزام بعقودها المبرمة مع معيدي التأمين لصعوبة التحويل الى الخارج.
حال المواطن
منذ بدء الأزمة في لبنان، وقطاع التأمين ما زال خارج أي تنظيم. حيث أصبحت كل شركة تختار ما يناسبها للتعامل مع زبائنها، ولم يطبق أي سعر موحد لاستيفاء البوالص. ولكن مع جنون ارتفاع الدولار ورفع الدعم عن معظم المستلزمات الطبية، إضافة الى اشتداد النزاعات بين المستشفيات والمختبرات الطبيّة من جهة، وشركات التأمين من جهة أخرى، أصبح التسعير بالدولار النقدي أمراً حتمياً. فمنذ تشرين الأول 2021 بدأت معظم شركات التأمين إبلاغ أصحاب بوالص الاستشفاء لديها بقرارها الجديد: سداد قيمة البوالص الجديدة بالدولارات الطازجة فقط. ومع تسعير بوالص التأمين بالدولار، ستُحَل مشكلة خيارات الاستشفاء التي فرضتها شركات التأمين من جرّاء هذه الأزمة، والتي جعلت أصحاب البوالص التأمينية يتحملون عبء الحصول على الخدمة الاستشفائية من جيوبهم الخاصة. وكذلك في ما يخص التأمين على السيارات حيث أصبحت بوالص التأمين ضد الغير Contre tiers والتأمين الشامل All risk بالدولار النقدي أيضاً. أما ما يخص التأمين الالزامي، وعلى الرغم من ارتفاع قيمة بوالصه عدة مرات، فإن التغطية الصحية بقيت غير كاملة، نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار وفواتير المستشفيات بشكل مستمر. الأمر الذي دفع وزارة الاقتصاد إلى اتخاذ قرار برفع قيمة بوالص التأمين الإلزامي عن المسؤولية المدنية للأضرار الجسدية التي تسببها المركبات البرّية للغير، بما يؤمن التغطية كاملة وبالدولار حصراً. وقد تم رفع سعر البوالص من 400 ألف ليرة إلى 800 ألف ليرة، مع رفع الحد الأقصى لسقف التغطية إلى 7 مليارات ليرة، على أن تتم تغطية المؤمّنين عن أضرار الحوادث، بشكل كامل وتام من دون تحميلهم أي فروقات.
ولكن، رغم تأقلم اللبنانيين مع فكرة «الدولرة»، إلا أن عدداً كبيراً منهم يصارع لتجديد بطاقات التأمين، بعدما بات القطاع رهن أزمة الدولار التي جعلت غالبية اللبنانيين رهينة كشف أي غطاء صحي يؤمن على صحتهم وسلامتهم. فبالنسبة للبعض، إن دفع البوالص بالدولار أفضل من تحمل أعباء المستشفيات وتصليح السيارة وشراء قطع الغيار التي باتت تفوق ثمن البوالص في حال حدوث أي مكروه. ولكن تبقى المشكلة الأساسية هنا: كيف يمكن لمن يتقاضى راتبه بالليرة اللبنانية أن يسدد بالدولار؟
أداء القطاع في 2022
أكد رئيس جمعية شركات الضمان في لبنان أسعد ميرزا «أنه في ظل الانهيار الاقتصادي والغلاء والفوضى التي عاشها لبنان والفراغ السياسي خلال عام 2022، يمكننا القول إن قطاع التأمين فاز في المعركة، وسجل صموده وتأقلمه مع الأزمة، حيث استمرت شركات التأمين بالقيام بالتزاماتها وتقديم خدماتها للبنانيين. فإرضاء الزبائن والمحافظة عليهم أمر ضروري لاستمرار القطاع. ومنذ بدء الأزمة تحاول شركات التأمين إيجاد حلول تمكن المواطنين من الحصول على بوالص تأمين بحسب قدرتهم، ولكن مع تأزم الاوضاع، اتجهت الى تسعير بوالصها بالدولار».
ماذا عن 2023؟
حذر ميرزا من تداعيات خطرة على القطاع في العام 2023 جراء إنسحاب نحو 3 شركات من معيدي التأمين من السوق اللبنانية، ويعود ذلك بحسب ميرزا «لعدم رغبتها في العمل ببلدنا نتيجة الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة، والخوف من عدم الحصول على مستحقاتها بالدولار الفريش من شركات التأمين». كما أوضح ميرزا «أهمية شركات معيدي التأمين وضرورة استمرار تحويل أموال من شركات التأمين اللبنانية لمعيدي التأمين في الخارج حتى تبقى هناك تغطية للبنان على كل المخاطر، فإذا لم يكن هناك تغطية للبنان لن يصمد قطاع تأمين في البلد». وإعادة التأمين هي عملية توزيع للأخطار، التي تقع على عاتق شركة التأمين، وذلك بإعادة تأمين كل أو جزء كبير من تلك الأخطار لدى معيدي التأمين. وبموجب العقود المبرمة بين الطرفين، يتعهد معيد التأمين بأن يعوض شركة التأمين عن جزء من الخسارة التي تتحملها، بموجب عقد التأمين الأصلي. وذلك بقيام الشركة بسداد قسط إعادة التأمين إلى المعيد. «وما يحصل مع شركات التأمين اللبنانية اليوم هو عجزها عن الالتزام مع معيدي التأمين، لصعوبة التحويلات المالية»، يقول ميرزا، «لذلك نحن نطالب باستثناء قطاع التأمين من مشروع الكابيتال كونترول capital control لنتمكن من تحويل الأموال والتصرّف بها».
نوعية البوالص وعددها
«إن عدد المؤمنين في قطاع التأمين لم ينخفض»، يقول ميرزا، «ولكن التغيير الفعلي الذي شهده القطاع تمثل في التراجع في نوعية البوالص، فمن كان يؤمن درجة أولى في الإستشفاء أصبح اليوم يؤمن درجة ثانية أو حتى ثالثة. أما في مجال تأمين السيارات، فمن كان يؤمن تأميناً شاملاً all risk أصبح يكتفي بتأمين ضد الغير contre tiers، وذلك لعدم قدرة المواطن دفع هذه المبالغ الباهظة وبالفريش دولار بعدما تراجعت قدرته الشرائية». كما أكد ميرزا أن «بوالص التأمين على الصحة هي الأكثر طلباً، لأن الشعب اللبناني لا يهمل التأمين الصحي، خصوصاً مع الإرتفاع الكبير في فواتير المستشفيات، فإن المواطن يفضل دفع كلفة بوالص التأمين الصحية كي يوفر التغطية الصحية والاستشفائية له ولعائلته. ومن هنا يمكننا ملاحظة الوعي والإدراك لدى الشعب على أهمية وضرورة التأمين على ممتلكاتهم وحياتهم وخاصة في ظل الظروف الحالية، ومن الضروري الحفاظ على هذا القطاع وعلى شركاته كونه من أهم القطاعات الاقتصادية التي بقيت صامدة حتى اليوم، وكذلك على شركات التأمين أن تؤمن خدماتها لكافة أنواع المؤمنين لديها والحفاظ عليهم».
ملف انفجار المرفأ
أكد ميرزا «دفع حوالى 70 الى 80 بالمئة من أضرار انفجار المرفأ للمتضررين والذين لديهم بوالص تأمين، ولكن على الرغم من ذلك فلا يزال هناك بعض الأمور العالقة نتيجة رفض معيدي التأمين الدفع قبل صدور التقرير القانوني النهائي عن أسباب الإنفجار(انفجار طبيعي أو عمل ارهابي…). لذلك تقوم شركات التأمين بدفع جزء من هذه المبالغ بانتظار اتضاح الصورة نهائياً مع معيدي التأمين في هذا الملف. وبالنسبة لتسديد قسم من الأضرار من قبل شركات معيدي التأمين الى شركات التأمين في لبنان، اتجه قسم من معيدي التأمين الى حسم مستحقاته لدى شركات التأمين، فمنذ 2019 لم تتمكن هذه الاخيرة من دفع ما يتوجب عليها وتحويلها الى الخارج بسبب القيود التي فرضتها المصارف على التحويلات».
حلّ الخلاف مع وزارة الإقتصاد
بالنسبة للخلاف الحاصل بين وزارة الاقتصاد وشركات التأمين يوضح اسعد ميرزا أنهم توصّلوا الى «حلّ مع الوزير أمين سلام ولم يعد هناك أي خلافات بينهم، على أن تعمل وزارة الاقتصاد معهم والى جانبهم لتخطي هذه الأزمة».
فقطاع التأمين في لبنان يواجه اليوم خطر تخلي شركات اعادة التأمين العالمية عن السوق اللبناني، الأمر الذي يستدعى القيام بعدد من الخطوات في سبيل تقديم الحوافز لهذا القطاع، للحفاظ عليه كونه بين القطاعات التي تمكنت من الصمود. «أما التحدي الثاني الذي سيواجه لبنان عام 2023 وسيؤثر حتماً على القطاع فهو الفراغ السياسي، كما يقول ميرزا، بالاضافة الى استمرار تدهور الليرة اللبنانية وتأزم الوضع الاقتصادي والمالي والقيود المفروضة على الأموال في المصارف».