كسائر القطاعات في لبنان، يتعرض قطاع السيارات لضربة قوية جراء الازمة الخانقة. ومما فاقم المشكلة ارتباط هذا القطاع بشكل مباشر بالمصارف التي من شأنها تأمين السيولة وتسهيل عمليات البيع والشراء. فأصحاب المعارض فقدوا ثقتهم بالقطاع، أما المواطن فلا تخطر على باله فكرة “شراء سيارة” في هذه الاوضاع. وإن خطرت، فمن أين له أن يدفع ثمنها؟
يعتبر قطاع السيارات في لبنان واحداً من القطاعات الحيوية التي تشكل ركيزة أساسية للإقتصاد، هذا القطاع الذي كان يُدخل على خزينة الدولة الرسوم والضرائب، نراه اليوم ينهار ويغادر البلد. فتغيرت أولويات المواطن اللبناني ولم يعد بمقدوره تأمين الكماليات التي اعتاد عليها، وأصبح همه الوحيد تأمين الاساسيات كالطعام والشرب والدواء والمسكن. وهو إما باع سيارته لعدم قدرته على تحمل كلفتها، من صيانة وتأمين قطاع الغيار، وتعبئتها بالوقود الذي تكوي أسعاره الجيوب، إما تركها مركونة تحت المنزل ولا يستعملها إلا عند الضرورة. وهذا أوقف غالبية المواطنين عن إجراء المراجعة الدورية والمنظمة لسياراتهم، لم يعودوا يقصدون ورشات التصليح و”الميكانيكي” إلا عند تعطل السيارة نهائياً. لقد فقد الكثير من المواطنين وسيلة أساسية للترفيه ولتيسير أمورهم اليومية دون وجود أي بديل آخر، خاصة بعد انهيار قطاع النقل العام المتعثر أساساً.
مقارنة بالأرقام
“في ظل الأجور المتدنية وتدهور القطاع المصرفي ووقف القروض المصرفية واحتجاز أموال المودعين من جهة، وشركات السيارات وأصحاب المعارض من جهة أخرى، تراجعت حركة بيع السيارات المستعملة بنسبة 85 بالمئة”، يقول رئيس نقابة مستوردي السيارات المستعملة في لبنان إيلي قزي، و”كذلك تراجعت عمليات شحن السيارات. وأصبحت عمليات البيع تتم بالدولار النقدي حصراً. كل هذه العوامل أدت الى إغلاق حوالى 60 بالمئة من المعارض في لبنان”. ويشير قزي الى تراجع ملحوظ في عدد شحن السيارات المستعملة، التي وصل عددها في عام 2020 الى 7950 سيارة مقارنة بـ27835 سيارة عام 2019 و 43930 سيارة لعام 2018″.
حضارة جديدة للبلاد
تغيّر آخر أصاب نوعيات السيارات المستعملة في لبنان بسبب الأزمة المالية وخاصة بعد ارتفاع أسعار المحروقات، حيث باتت الفخمة منها نراها فقط على غلاف المجلات. وزاد الطلب على السيارات الصغيرة للإستعمال اليومي، أما سيارات ذات محركات الـ6 و8 سيلندر فتراجع بيعها بشكل كبير. ويؤكد قزي أن “هناك تراجعاً واضحاً في استيراد وبيع السيارات الكبيرة التي بدأ المواطن يسعى للإستغناء عنها واستبدالها بسيارة أصغر وأوفر، ونحن نتماشى مع طلب السوق ولكن بيع هذا النوع من السيارات لا يؤمن ربحاً كبيراً، لذلك هناك الكثير من أصحاب المعارض أقفلوا أبوابهم. أما الصامدون لغاية الآن فتخلوا عن أملاكهم وباعوها”. ويشير قزي الى ضرورة اهتمام الدولة بهذا القطاع لأن جميع القطاعات المتعلقة بالسيارات مرتبطة ببعضها البعض، وانعاش سوق استيراد السيارات المستعملة ينقذ باقي القطاعات”.
عن حال سوق السيارات الجديدة
ويقول مدير المبيعات في شركة “هيونداي” جان العظم: “إن قطاع السيارات الجديدة تراجع بشكل كبير، فمن جهة تراجعت نسبة المبيع بحوالى 90 بالمئة بعد انهيار القطاع المصرفي. حيث كان مبيع السيارات الجديدة في السنة الواحدة يقدر بـ 2000 سيارة، أما اليوم فبالكاد يتخطى الـ 200 سيارة. ومن جهة اخرى وبعد إلغاء الوكالات الحصرية، تراجع طلب معارض أيجار السيارات ولا سيما السياحية منها الى 30 و40 سيارة بعدما كان طلبها يفوق الـ150 سيارة. وتشير هذه الارقام، بحسب العظم، الى تقادم السيارات في لبنان ما يهدد سلامة السائق، “فلقد أصبح لبنان مع فئة الدول الفقيرة المجاورة مثل سوريا وكوبا، حيث تسود فيه ظاهرة تقادم السيارات وعدم القدرة على صيانتها أو شراء الطراز الأحدث”. ويعتبر العظم أنه لا حياة لهذا القطاع إلا من خلال طريقة واحدة وهي: “إعادة إنعاش القطاع المصرفي”.
على ما يبدو فان الانهيار في لبنان يستفحل يوماً تلو الآخر، بعدما فقّروا الشعب وأذلّوه وحرموه من الحصول على أدنى حقوقه اليومية. فاقتناء سيارة هي تفصيل صغير أمام الدواء والغذاء والمسكن والكهرباء والماء. ولكن لماذا على الشعب اللبناني أن يعيش مذلولاً؟ ولماذا عليه تغيير نمط حياته وسلوكيات استهلاكه؟ بسبب حكامه؟ يسأل قزي، “فعندما تقرر الدولة أن ترفع الدعم عن المحروقات، وعندما تصبح تكلفة صيانة السيارة تفوق الراتب الشهري للمواطن، عليها أن تؤمن البديل لمواطنيها. وهذا ما لم ولن يتوفر في القريب”.