اتجهت أنظار المهتمين بقطاع الأعمال إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي التي تستضيف حاليا نسخة جديدة من منتدى الاستثمار العالمي، وسط توقعات ببلورة مجموعة من الإجراءات التي تنهض بهذا المجال الحيوي.
وتحدو المستثمرين وقادة الأعمال وصناع القرار السياسي من 160 بلدا آمال كبيرة في أن تكون الدورة الثامنة من المنتدى تحت شعار “الاستثمار في التنمية المستدامة” منعطفا لمواجهة التحديات التي تعترض القطاع لتطويره وجعله محركا مهما في التنمية.
وأكّد ولي عهد أبوظبي الشيخ خالد بن محمد بن زايد أثناء افتتاح المنتدى الذي يحتضنه الشرق الأوسط للمرة الأولى أن استضافة بلاده للحدث تعكس جهود الإمارات ودورها المحوري في تعزيز الاقتصاد العالمي.
ونسبت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية إلى الشيخ خالد بن محمد قوله إن بلاده “تنخرط في هذه الجهود من خلال دعم جهود تسهيل حركة التجارة العالمية والاستثمار وتهيئة الظروف لخلق بيئة داعمة لقطاع المال والأعمال”.
وأضاف “تؤكد استضافة المنتدى التزام الدولة بتعزيز الابتكار وتبنّي معايير الاستدامة ودعم الشراكة الدولية مع كافة الجهات المعنية بالاستثمار في جميع أنحاء العالم”.
ويأتي انعقاد المنتدى بعد يوم من اختتام اجتماعات الخريف السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في مدينة مراكش المغربية على مدار أسبوع.
كما يتزامن مع اقتصاد عالمي قاتم بسبب تشديد السياسات النقدية للبنوك العالمية واستمرار موجة التضخم الجامح فاقمها تجدد الصراع في الشرق الأوسط.
ويتضمن المنتدى الذي تشرف عليه منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) جدول أعمال غنيا بالفعاليات والمبادرات الطموحة والحلول المبتكرة لأبرز العراقيل أمام جهود زيادة الاستثمار في المرحلة المقبلة.
وتتركز مناقشات المشاركين في الحدث الذي يُنظم بدعم من وزارة الاقتصاد الإماراتية ودائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي على ضرورة الاستثمار في قطاعات الغذاء والطاقة والصحة ومرونة سلسلة الإمدادات مع تطوير القدرة الإنتاجية في الدول الأكثر فقرا.
وأشار الشيخ خالد بن محمد إلى دور المنتدى باعتباره منصة لبحث سُبل مواجهة التحديات مع ضمان تحقيق مستقبل مستدام يقوم على رؤية مشتركة تدفع عجلة التنمية والتقدُّم في كل دول العالم.
وشدد على أهمية توجيه الاستثمار نحو المشاريع المستدامة في القطاعات الأكثر حيوية مثل الطاقة المتجددة والرعاية الصحية وتطوير البنية التحتية الذكية وابتكار الحلول التقنية المتطورة للتحديات التي تواجه البلدان النامية من أجل بناء اقتصاد عالمي قائم على المعرفة.
ويسعى المنتدى إلى ضمان أن تظل مبادئ الاستدامة نقطة تركيز رئيسية في إستراتيجيات وقرارات الاستثمار مع مراعاة المصلحة العامة والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة للمجتمعات.
وتواجه البلدان النامية فجوة هائلة تبلغ 4 تريليونات دولار في الاستثمارات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وفقا لتقرير أصدرته أونكتاد الصيف الماضي.
وأوضحت في تقرير حينها أن أكبر الفجوات المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة في الدول النامية كانت في الطاقة والمياه والبنية التحتية للنقل.
وتظهر التقديرات انحسارا في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث تدنت التدفقات العالمية بنسبة 22 في المئة في 2022 إلى 1.3 تريليون دولار.
وتراجع تدفق رؤوس الأموال الوافدة بنسبة تصل إلى 16 في المئة في أقل البلدان نموا التي تقع الغالبية العظمى منها في أفريقيا.
ووفق أونكتاد فإن التباطؤ كان مدفوعا بالأزمات المتداخلة، بما فيها الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الأغذية والطاقة، والضغوط المتعلقة بأعباء الديون.
وفي ظل استمرار العوامل المنغصة للأعمال تتوقع الوكالة الأممية استمرار الضغوط الهبوطية للاستثمارات الأجنبية المباشرة عالميا خلال 2023.
ومع ذلك، أكد ثاني الزيودي وزير دولة للتجارة الخارجية في الإمارات خلال المنتدى أن العالم يتغير بسرعة غير مسبوقة، وبالتالي ثمة فرص استثمارية جديدة تظهر يوميا.
وقال إن بلاده تمكنت “من تحقيق التحول الرقمي ووضع الأسس لاقتصاد المستقبل القائم على المعرفة والابتكار، متجاوزة الاعتماد على قطاعي النفط والغاز، وبما يحقق المستهدفات المتعلقة بالتنويع وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية”.
ورغم التباين بين اقتصادات الدول العربية الغنية ومحدودة الدخل، لكن كلام الزيودي يؤكد ما أشارت إليه المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات (ضمان) قبل أشهر من أن مناخ الأعمال في المنطقة يبدو جاذبا.
ففي يوليو الماضي، ذكرت ضمان أن عدد مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إلى الأسواق العربية ارتفع بنسبة 74 في المئة في 2022 بمقارنة سنوية ليصل إلى 1617 مشروعا.
وأكدت في تقريرها السنوي لمناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 2023 أن الكلفة الاستثمارية للمشاريع بلغت 200 مليار دولار بزيادة قدرها 358 في المئة عن سنة 2021.
ولا تقتصر فعاليات المنتدى على المحتوى الفني فحسب، بل تتنوع لتشمل اللقاءات الحصرية والمؤتمرات التي تستهدف فئة خاصة من المدعوين، وتهدف إلى تعزيز التواصل والتبادل المعرفي بين القادة وصناع القرار.
كما يشمل مجموعة من المؤتمرات المتخصصة التي تناقش مواضيع تشمل الطاقة البديلة وتنمية ريادة الأعمال، بالإضافة إلى جلسات تفاعلية قيمة في مجالات عدة مثل سوق الكربون واتجاهات الاستثمار في الصحة.
وقالت باولا كونكوني أستاذة الاقتصاد في جامعة أكسفورد أثناء إحدى الجلسات “يسلط تحليلنا للوضع القائم الضوء على وجود احتكاكات في التجارة يمكن للشركات متعددة الجنسيات التخفيف منها”.
وأضافت في كلمة نشرتها أونكتاد على حسابها في منصة إكس “تكون هذه التأثيرات أقوى كلما زاد عدد الشركات التابعة”.
وشكل مؤتمر إحصاءات الاستثمار الأجنبي المباشر في دول منظمة التعاون الإسلامي الذي انعقد خلال اليوم الأول للمنتدى فرصة أمام الخبراء لتسليط الضوء على أهمية زيادة مستوى الوعي بالمعايير والتحديثات المقبولة لتجميع بيانات أنشطة الاستثمار الأجنبي.
وتضمن تقديم المنظمة لرؤى حول التحديات الخاصة بالمنظمة كإعادة هيكلة الشركات وتحديد المستثمرين النهائيين وأشكال المشاركة المختلفة.