كشف تقرير حديث صادر عن معهد التمويل الدولي، أن إجمالي الدين العالمي سجل مستوى قياسيا جديدا خلال الربع الأول من عام 2024، بلغ 315 تريليون دولار.
وذكر المعهد في تقريره أن الدين العالمي خلال الربع الأول من عام 2024 زاد بمقدار 1.3 تريليون دولار مقارنة مع أرقام الربع الأخير من العام الماضي.
ويأتي ارتفاع مجمل الدين العالمي في وقت تبقى أسعار الفائدة على العملات الرئيسة بصدارة الدولار، مرتفعة عند قمة 23 عاما، وبنسبة 5.5 في المئة، فيما تواصل الهند والصين الإفراط في الاقتراض.
وحذر معهد التمويل الدولي (IIF) من أن جهود ما بعد الوباء لخفض الديون، قد وصلت إلى نهايتها مع قيام الحكومات بخفض الضرائب، وزيادة الإنفاق وسط عدد قياسي من الانتخابات هذا العام.
وقال المعهد “الزيادة كانت مدفوعة في المقام الأول بالأسواق الناشئة.. حيث ارتفع الدين إلى مستوى غير مسبوق يتجاوز 105 تريليونات دولار”.
والشهر الماضي، حذر صندوق النقد الدولي من أن كومة ديون الهند قد تتجاوز حجم اقتصادها بحلول نهاية العقد، حيث تنفق مليارات الدولارات كل عام على التعامل مع الكوارث الطبيعية.
وكان البنك الدولي قد قال في وقت سابق إن البلدان النامية أنفقت قرابة نصف تريليون دولار على خدمة ديونها الخارجية في 2022، مما استنزف مخصصاتها للصحة والتعليم ومكافحة تغير المناخ.
وذكر البنك في تقرير عن الديون الدولية أن مدفوعات خدمة الدَّين، بما في ذلك أصل الدين والفائدة، ارتفعت إلى مستوى غير مسبوق بلغ 443.5 مليار دولار في 2022 – 2023، وسط أكبر زيادة بأسعار الفائدة في أنحاء العالم منذ 4 عقود.
وفي حين أن عددا من هذه البلدان تُعد بالفعل برامج إصلاح ستؤهلها للحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي، وتوفر آفاقا جيدة للنمو الاقتصادي، إلا أن الأمر لا ينطبق على العديد منها. إن أزمة ديون في العالم النامي تلوح في الأفق.
وغالبا ما ترتفع نسبة المديونية إلى مستويات عالية جدا، عندما يؤجل الدائنون ديون المقترضين المستحقة أو يقدمون قروضا جديدة بأسعار فائدة ترتفع باطراد. وليس من السهل تحديد متى تتجاوز هذه الديون طاقة تحمل البلدان. وغالبا ما يستخدم المحللون نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، ولكن أسعار الفائدة تؤثر على هذه النسبة. فقد تكون منخفضة لدى البلدان ذات الدخل المنخفض التي تحظى بأسعار فائدة ميَسَّرة، على عكس الاقتصاديات الناشئة التي تقترض بأسعار فائدة أعلى قيمة.
ويعتبر هيكل استحقاق الديون عنصرا مهما أيضا: عندما يتعلق الأمر بالديون التي حدد تاريخ استحقاق معظمها في آجال قريبة، فإن الحاجة إلى تمديد أجل الاستحقاق ستكون أكبر بكثير من الديون ذات فترة استحقاق أطول.
تسارع مقلق
ويكون الاقتراض من جانب البلدان الفقيرة مبرَّرا إذا كانت القروض تموّل أنشطة ستعود بنفع كبير على المقترض، الذي تموّل موارده الخاصة بالفعل أنشطة ذات قيمة. وفي مثل هذا السيناريو، يمكن أن تكون خدمة الديون ممولة ذاتيا (إلا في حال حدوث الصدمات غير المتوقعة). والمشكلة هي أن معظم القروض السيادية التي حصلت عليها العديد من البلدان خُصصت لتمويل النفقات ذات العائدات القليلة أو السلبية، مثل الملاعب الرياضية أو هدايا ما قبل الانتخابات.
وسبق للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن حذر من أن نصف البشرية يعيشون في بلدان مجبرة على الإنفاق على خدمة الدين أكثر مما تنفق على الصحة والتعليم وهو ما يجعل نصف العالم “يغرق في كارثة تنموية”، وأن “3.3 مليار شخص في العالم يعانون بسبب وضع حكومات بلدانهم سداد فوائد الدين كأولوية بدلا من الاستثمارات الأساسية في أهـداف التنمية المستدامة أو التحول في مجال الطاقة”.
وقال غوتيريش إن 52 دولة، أي ما يعادل 40 في المئة من الدول النامية في العالم، تعاني من مشكلة دين خطيرة، مؤكدا دعمه لدعوات توفير مساعدات مالية عاجلة لتلك الدول.
وشدد الأمين العام على أن المستويات الكارثية من الدين العام في الدول النامية هي فشل منهجي ناجم عن عدم المساواة المتوارثة من العهد الاستعماري والمتأصلة في “نظامنا المالي البالي”.
وأضاف “هذا النظام لم يف بمهمته كشبكة أمان تعين الدول على مواجهة الصدمات المتتالية وغير المتوقعة بما فيها وباء كوفيد – 19 والأثر المدمر لأزمة المناخ والغزو الروسي لأوكرانيا”.
ولفت غوتيريش إلى أن تكلفة الاقتراض أعلى بمعدل أربعة أضعاف للدول الأفريقية من الولايات المتحدة، وثمانية أضعاف من الاقتصادات الأوروبية الغنية.
وأشار إلى اعتماد الدول الفقيرة بشكل متزايد على دائنين من القطاع الخاص يفرضون معدلات فائدة عالية للغاية، وأن هذه الدول تجد نفسها مضطرة إلى الاقتراض من أجل بقائها الاقتصادي.
وقال الأمين العام إن الدين تحول من أداة مالية مهمة “إلى فخ يخلق المزيد من الديون”.
ويرى الكثيرون أن الحل لمشكلات الديون في البلدان النامية واضح: تخفيف عبء الديون عن البلدان التي تحتاج ذلك، بحيث يمكن إعادة توجيه مدفوعات خدمة الديون نحو الإنفاق على الخدمات الاجتماعية، مثل الصحة والتعليم.
ولكن، تبين في ضوء التجربة السابقة أن مثل هذا التوجيه ليس مضمونا دائما. إذ عندما أعفيت أفقر بلدان العالم من ديونها في إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون التي أطلقها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في عام 1996، لم تتبعها إصلاحات اقتصادية كافية. ومرة أخرى، تعاني العديد من هذه البلدان من مديونية عالية للغاية.
ومن المؤكد أن الحاجة تشتد إلى تخفيف الديون. ولكن إعطاء القروض، حتى بشروط مخففة، لحكومات لا تستطيع أو لا ترغب في اتباع سياسات اقتصادية سليمة وواقعية ومحفزة للشركات، لن يؤدي سوى إلى زيادة التزاماتها المستقبلية في ما يتعلق بخدمة الديون. ولهذا السبب يجب أن يكون تخفيف الديون مرتبطا بمثل هذه الإصلاحات.
وهذه الفكرة ليست وليدة اليوم، إذ في منتصف القرن العشرين، عندما أسس الدائنون السياديون تجمع “النادي الباريسي” غير الرسمي لإيجاد حل للصعوبات التي تواجهها البلدان في خدمة ديونها، كانوا يعتمدون على صندوق النقد الدولي لتقييم التوقعات الاقتصادية للمدينين، وتحديد التعديلات السياسية اللازمة لتحسين الأداء الاقتصادي. وكان الدائنون يدركون أنه بدون إصلاحات، ستتراكم الديون مرة أخرى إلى أن تنشأ أزمة أخرى.