وجّه رئيس تجمّع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين (RDCL) نقولا بوخاطر، كتاباً مفتوحاً الى حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، بعد لقاء جمع الطرفين اليوم الاربعاء، أثنى فيه على قرار منصوري باعتماد آلية جديدة ترتكز على الشفافية في السياسة المصرفية والمالية.
وهنا النص الكامل للكتاب من بو خاطر الى منصوري:
“سعادة الحاكم،
تهدف زيارة وفد من مجلس إدارة تّجمّع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين (RDCL) اليوم، إلى الإثناء على قراركم الحكيم الذي قضى باعتماد آلية جديدة ترتكز على الشفافية منذ توليكم لمهام منصب الحاكم. وقد تجلّت هذه الآلية في كلّ بياناتكم وتصريحاتكم، إضافةً إلى نشر كافّة التقارير في مواعيدها وبدون تأخّر. وفي هذا السياق وتبعاً للسياسة نفسها، نرجو منكم إعطاء أي معلومات إضافية مطلوبة لاستكمال التدقيقات المالية على مصرف لبنان لا سيما من قبل شركة ألفاراس ومرسال.
كذلك الأمر، يثني التّجمّع على قراركم الحاسم برفض تمويل الدولة اللبنانية، سواءً من خلال طبع العملة الوطنية، أم من خلال استخدام ما تبقّى من احتياطيات العمولات الأجنبية (وهي للمودعين). كما ويقدّر التّجمّع استعدادكم للتعاون الكامل مع كلّ من الحكومة والمجلس النيابي، لإصدار القوانين المطلوبة، لا سيّما منها قانون إعادة هيكلة المصارف، وقانون الكابيتال كونترول، وقانون إعادة التوازن للنظام المالي، كما وجميع القوانين الضرورية لتطبيق برنامج صندوق النقد الدولي، وإعادة هيكلة النظام المالي.
علاوة على ذلك، نؤكد على صوابية التزامكم بمبدأ حصر ولاية البنك المركزي بالسياسة النقدية، وعدم المشاركة في أنشطة مثل الدعم الذي يتجاوز نطاق مسؤوليات البنك المركزي، وقد تسبب في تكاليف كبيرة للبنك المركزي والمصارف والمودعين بلغت مليارات الدولارات. إنّ فصل المهام وأدوات العمل بين الحكومة والبنك المركزي يكتسي أهمية بالغة، لإقامة آليات المراقبة والتوازن الضرورية وفصل السلطات. وفي هذا السياق، تكون الحكومة مسؤولة عن السياسة المالية، فيما يتولى البنك المركزي السياسة النقدية.
ويتمنى التجمع أن يعاد النظر في القوانين التابعة لمصرف لبنان بهدف تطوير حوكمته لتجنب أزمات مماثلة في المستقبل.
صندوق النقد الدولي هو السبيل للخروج من الأزمة
يرى التّجمّع أنّ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي هو السّبيل لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي، ولتطبيق الإصلاحات المطلوبة التي طال انتظارها، إضافةً إلى إعادة هيكلة النظام المصرفي. كوننا تجمّع يمثّل القطاع الخاص اللبناني الشرعي، نحن نعلن دعمنا الكامل لسعادتكم، ونطلب منكم عدم الرضوخ إطلاقًا للضغوطات السياسية. فنحن نرى أنّ هذه الضغوطات سوف تزداد، خاصّةً أنّ آليات التمويل التي كانت تُعتمد في الماضي لكسب الوقت وعدم البدء بالإصلاحات، اضمحلت بسياستكم هذه. في هذا الإطار، يعتبر التّجمّع أنّ تمويل الدولة في ظلّ غياب الإصلاحات يشكّل أداة لكسب وقت إضافي، ويؤجل الإصلاحات الضرورية، وذلك خدمةً لمصلحة بعض الأطراف. وهذا سوف يزيد من حجم الخسائر.
من هذا المنطلق، يرفض التّجمّع تمويل الدولة بشكل قاطع قبل الإصلاحات وبرنامج واضح المعالم مع صندوق النقد الدولي. كما ويرفض أيّ اقتراح لهذا التمويل، حتّى ولو كان عبر قانون كما تمّ اقتراحه سابقًا. إنّ إدارة المالية العامّة سواءً في السابق أو من خلال الموازنات المقترحة، تشكّل دليلًا دامغًا وواضحًا أنّ هذا التمويل لن يُعاد ولن يُدفع. إنّ موقفكم الرافض لتقديم أيّ تمويل هو الطريقة الوحيدة لزيادة الضغط على السياسيين، لاعتماد الاصلاحات ولتنفيذ خطّة إعادة هيكلة ترمي إلى تحقيق التوازن في الموازنة وتأمين استقرار اقتصادي. إضافةً إلى ذلك، يقدّر التّجمّع مواقفكم المتعلقة بافتقار الشفافية في منصّة صيرفة، الأمر الذي وعدتم بمعالجته من خلال منصّة جديدة شفّافة ومُتاحة، ترمي إلى توحيد أسعار الصرف المتعدّدة.
الأزمة دافعٌ للإصلاحات الهيكلية
تشكّل الأزمة دافعاً للضغط نحو تنفيذ الإصلاحات الضرورية، خاصةً فيما يتعلّق بالحوكمة السليمة لإدارة المؤوسسات العامة وبحجم القطاع العام الذي تسبّب بشلّ الاقتصاد والمالية العامّة على مدى العقود الماضية. في هذا السياق، إنّه من الضروري جدًّا تقليص حجم القطاع العام وزيادة إنتاجيته والاحتفاظ بالموظفين المؤهلين فقط. كما وينبغي تطبيق قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص الصادر في عام ٢٠١٧ بشكل كامل. فهذا القانون يسمح للقطاع الخاص بإدارة أصول الدولة وفقًا لمؤشرات أداء واضحة، في حين تبقى الملكية محصورة بالدولة. كذلك الأمر، من الضرورة ضبط الحدود، ومعالجة مسألة تزوير الفواتير في المرافئ، كما والقضاء على الشركات الوهمية والغير الشرعية والتّهرب الضريبي، واستئناف العمل في الدوائر العقارية وفي هيئة إدارة السير والآليات والمركبات. هذه التدابير ستعزز عائدات الدولة، إضافةً إلى اعتماد وسائل رقمية لمكافحة الفساد. إنّ القطاع الخاصّ الشّرعي والأفراد الملتزمين بالقوانين المرعية الإجراء غير قادرين بمفردهم على تحمّل الكلفة الكبيرة الناتجة عن العدد الهائل من المواطنين غير الملتزمين والشركات غير الشرعية، الذين لا يلتزمون بالقوانين والضرائب. في ظلّ الفوضى الشاملة والقرارات المتفرّقة، يزداد حجم القطاع الخاص غير الشرعي وغير الممتثل يومًا بعد يوم.
الاقتصاد النقدي: نتيجة للأزمة
في ظلّ انهيار القطاع المصرفي، يزداد حجم الاقتصاد النقدي يومًا بعد يوم، اذ وصل إلى نسبة تُقدر بحوالي ٤٦٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام ٢٠٢٢، وفقًا للبنك الدولي. إنّ التّجمّع قلق للغاية بشأن التداعيات والانعكاسات السلبية على اقتصاد لبنان، خاصّةً في مسائل الامتثال (تبييض الأموال والتّهرب الضريبي)، كما وتصنيفات لبنان المحتملة على نظامه المالي. *فقد* تكون لهذا العوامل تداعيات كارثية على القطاع الخاص الشرعي في حال تم فرض عقوبات على لبنان ومؤسساته المالية. في هذا الصدد، إنّ غياب الرقابة ووجود مؤسسات مالية غير شرعية تعمل عبر كافّة الأراضي اللبنانية، يشكّلان عبئًا ثقيلًا جدًا يجب معالجته بشكل عاجل.
إصدار قوانين عاجلة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي
لا يمكن لأيّ اقتصاد أن يعمل دون قطاع مصرفي قانوني. إنّ إعادة هيكلة القطاع المصرفي تتطلّب قوانين شاملة. وهذا الأمر لا يمكن أن يحصل من خلال اعتماد حلول متفرقة، أو من خلال اتّباع قرارات مصرف لبنان وحده. لذلك، يجب إيجاد حل سريع لمسألة الودائع، فالوقت هو العامل الأساسي فيما يتعلق بإمكانية إسترجاع نسبةٍ أكبر من الودائع. إنّ التأخير والفشل في اقرار قانون الكابيتال كونترول وضع القطاع المصرفي في إطار غير قانوني و أدّى إلى تبديدٍ غير قانوني وانتقائي لمليارات الدولارات في النظام المصرفي. لذلك، من الضروري إصدار قانون مناسب بشكل عاجل يحافظ على حرية تحويل الأموال الجدية والإقتصاد الحر المنصوص فيه بالدستور. في هذا الإطار، تفاجئ التّجمّع بالبند السابع من الاقتراح الأخير المقدم إلى مجلس النواب، الذي يقضي بأن تكون المعاملات المحليّة بالليرة اللبنانية حصراً. فهذا التدبير سيكون له بالتأكيد عواقب كارثية على الاقتصاد في ظلّ التّضخم المفرط والتّدهور المستمر لليرة اللبنانية. وهنالك أيضًا ضرورة قصوى للمضي قدمًا في قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، الذي عرفنا أنّ مسودة القانون الأخير لا يزال لدى مصرف لبنان. بما أنّ الوصول إلى تأمين تمويل للقطاع الخاص الشرعي والمواطنين أمر حيوي لبقاء القطاع الخاص، وبينما ننتظر إعادة الهيكلة الشاملة، نحن نقوم بإعداد مشروع قانون بالتعاون مع القطاع الخاص الشرعي لضمان أن أي تمويل أو التزام عقدي جديد ستتمّ تسويته بنفس العملة ونفس القيمة في وقت السداد. سوف نزوّدكم بمسودة هذا المشروع في القريب العاجل، لأخذ ملاحظاتكم. ونحن سنعمل على متابعته في مجلس النواب والضغط لإصداره، كما ومواصلة الضغط لإقرار جميع القوانين الأخرى لبرنامج شامل للإصلاح والهيكلة.
فراغ القيادة وكلفة الوقت
أخيرًا، لا يمكننا الإصلاح والهيكلة والتعافي والازدهار في ظلّ الفراغ العميق في معظم مناصب الدولة. إنّ وضعنا الحالي يتطلّب قرارات وتشريعات وإجراءات عاجلة. لذلك، نحن نكرّر نداءنا لانتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت، وتشكيل حكومة، وتعيين حاكم أصيل لمصرف لبنان، بحيث يكونون جميعًا ملتزمين بتنفيذ برنامج إصلاح شامل. إنّ عدم تضييع الوقت هو أمر ضروري، فالخسائر تزداد يومًا بعد يوم، ممّا يقود لبنان نحو أزمات خطيرة لا رجوع عنها. حان الوقت لاتّخاذ الإجراءات اللازمة. نحن نقف إلى جانبكم، بما عندكم من قدرة وصلاحيات، لاتّخاذ المواقف والقرارات والإجراءات الضرورية بغية التأثير والضغط لإنقاذ وطننا ومستقبل أولادنا.
وهنا، لا بد من دق ناقوس الخطر معكم كما فعلتم في مؤتمركم الصحفي الأخير، وان نحذر من عزل لبنان عن النظام المالي الدولي، وكل تداعيات هذا الأمر الخطير ما لم تنفذ جميع الإصلاحات التي طال إنتظارها فوراً”.