إنها المؤامرة! ذريعة طالما إتخذتها الحكومات المتعاقبة للتنصل من إخفاقات سياساتها العقيمة التي أودت بمؤسسات الدولة، وتالياً تكبيد اللبنانيين مزيداً من الأعباء لتدبر أمورهم. ورغم «مأسويّة» الظروف الإقتصادية والمعيشيّة، كما الجمود السياسي وانعدام الحلول في الأفق، وجد اللبنانيون في «ثروتهم النفطية» بارقة أمل قد تضعهم في مصاف الدول النفطيّة، آملين أن تدّر عائداتها عليهم ما يكفي لتأمين أبسط مقومات عيشهم الكريم.
وعند الحديث عن مكامن النفط والغاز بعد إطلاق عمليات التنقيب لاستكشاف الحقول التجاريّة، تَسقط التحليلات السياسيّة، كما الدمج بين المعطيات العلميّة – التقنيّة والتطورات الأمنية في المنطقة، إلا أنّ ضمّ البلوك رقم 9 إلى بلوك رقم 4 مع توقّف شركة Total Energies المفاجئ عن استكمال عملياتها الإستكشافيّة واستبعادها العثور على مكمن غاز منذ الحفرة الأولى، دفع العديد من المتابعين إلى التوقف بريبة وحذر عند أداء السلطة السياسيّة وإدارتها ملف النفط والغاز جرّاء إخراج بلوك تلو الآخر من خارطة المكامن البتروليّة المحتملة. وفي موازاة ذلك، الشروع في فتح الباب أمام «الكونسورسيوم» نفسه أي ائتلاف الشركات التي تتولى عمليات التنقيب والاستكشاف، لتلزيمه البلوكات الأخرى، وتحديداً البلوكين 8 و10 راهناً.
وأمام توالي «الانتكاسات» الإستكشافيّة الواحدة تلو الأخرى، عمدت لجنة الأشغال العامة والنقل النيابيّة إلى الطلب من وزارة الطاقة تقديم أجوبة شافيّة وعلميّة عن الأعمال والنتائج التي تم التوصل إليها في البلوك رقم 9. وفي هذا السياق، يكشف أمين سرّ تكتل «الجمهوريّة القوية» النائب فادي كرم لـ»نداء الوطن» أنّ الإنطباع الأولي لوزارة الطاقة وحديثها عن عراقيل متعمدة، كما ربطها ملف التنقيب عن النفط والغاز بتطور الأحداث في المنطقة لا يمكن الركون اليه، قبل الحصول على أجوبة رسميّة، علميّة وتقنيّة، عن الأعمال التي حصلت في البلوكين 4 و9.
وشدّد على رفضه تبرير توقف عمليات الحفر بعد نتائج «الحفرة الأولى» بـ»مؤامرة كيانيّة سياسيّة ضدّ لبنان»، أو الأخذ بهذا المنطق أو الرواية التي تروّج لها السلطة ووزارة الطاقة لرفع المسؤوليات عن إدارتها للملف؛ وأعرب عن أمله في أن تقدّم وزارة الطاقة اليوم الخميس مجدداً إلى لجنة الأشغال العامة، أجوبتها عن كل الأسئلة التقنيّة التي طرحها النواب، بعيداً عن المطالعات التبريريّة لربط بدء الحفر في البلوك 9 بترسيم الحدود البحريّة والرعاية الأميركيّة للإتفاقات المباشرة وغير المباشرة مع إسرائيل.
وجدّد كرم إستغرابه مطالعة وزارة الطاقة والهيئة العليا لإدارة قطاع البترول لتبرير توقّف أعمال الحفر في البلوك 9 وإغفال وجوب استئناف عمليات الحفر من جديد في نقاط أخرى ضمن مساحة 2700 كلم مربع في البلوك رقم 4، و1700 كلم مربع في البلوك رقم 9، واعتبر أنّ الشروع في عملية تلزيم البلوكين 8 و10، يدعو إلى الشك في إدارة هذا الملف، ولفت إلى أنه من غير الطبيعي على الإطلاق التوصل إلى معطيات نهائيّة تفضي الى أنّ البلوكات لا تحتوي على نفط وغاز من الحفرة الأولى.
وينتظر كرم إلتزام وزارة الطاقة بتقديم عرضها المتكامل وأجوبتها التقنيّة إلى النواب يوم الخميس، مشدّداً في موازاة ذلك، على أنّ مسألة التنقيب عن النفط والغاز هي مسألة علميّة بكل ما للكلمة من معنى، ومقاربتها تتطلب الحصول على التقارير التقنيّة التي تمتنع وزارة الطاقة عن الإفصاح عنها رغم تقدمه والنائب جورج عقيص قبل أشهر (في 25 كانون الثاني 2023) بطلب الحصول من هيئة إدارة قطاع البترول على تقرير الحفر الرسمي وسائر التقارير الفنيّة المقدمة من شركة Total Energies، بصفتها المشغّل للائتلاف الذي تولى عمليات التنقيب والاستكشاف في البلوك رقم 4، وذلك بالاستناد إلى أحكام قانون حقّ الوصول إلى المعلومات.
إعتبار هيئة إدارة قطاع البترول بالتكليف، أنّ تقرير الحفر الرسمي (بلوك 4) «يتضمن معلومات قيّمة وهامة تدخل في صلب الأمن القومي البترولي للدولة اللبنانية»، وأنّ المعلومات المرتبطة به غير قابلة للإفصاح عنها، واكتفاء وزارة الطاقة بطرح الإستعاضة عن تقرير الحفر بملخص تنفيذي أعدّه وزير الطاقة والمياه والمتضمّن المعلومات التي يمكن الإفصاح عنها، دفع بالنائب كرم من جديد إلى الشكّ في إدارة هذا الملف من قبل وزارة الطاقة والمياه ومن قبل السلطة السياسيّة قبل الحديث عن حسابات أو مصالح الشركات الدوليّة، لكون تقرير الحفر لا يندرج في خانة ملفات الدولة السريّة. وأمام تركيز الجميع على مآل الحفر في البلوك رقم 9، ينتظر كرم الحصول على تقرير الحفر الرسمي للبلوك رقم 4 بعد انقضاء أكثر من 8 أشهر على طلب تزويدهم به، متيقناً أنّ الوزارة ستستمر في إخفاء المعلومات عن نتائج الحفر في البلوك 9 وعدم الردّ على تساؤلات النواب.
في غضون ذلك، توقف النائب كرم بحذر عند اكتفاء السلطة السياسية ووزارة الطاقة بالسماح لشركة Total Energies، بصفتها المشغّل للائتلاف الذي تولّى عمليات التنقيب والاستكشاف بحفر بئر واحدة فقط في البلوكين 4 و9، قبل الإنتقال إلى البلوكات الأخرى، ليشدد على أنّ الإتفاق مع تلك الشركات يعكس إدارة خاطئة من قبل قطاع النفط اللبناني تحديداً، وأنّ الوصول إلى مكامن النفط والغاز التجاريّة يتطلب الكثير من الوقت والتجارب بحفر أكثر من بئر في البلوك قبل إقفاله والإنتقال إلى بلوك آخر.