خطط وأوراق وبرامج عادية أو طارئة تبدّلت على مدى نحو 13 عاماً، وركيزتها الأساسية إنقاذ قطاع الطاقة وانتشاله من عتمته، التي أخذت بالتزايد وصولاً إلى حدّ العتمة الشاملة. ولم يُنقَذ القطاع. وفي كلّ مرّة، تتنصَّل كلّ خطة ممّا سبقها، وفي ذلك تجهيل تام لأسباب الفشل، مع أن وزارة الطاقة وعدت مراراً بالإصلاح، من دون تحقيق نتائج غير سلف خزينة متزايدة لا تُستَرَد.
العجز الذي تبديه الوزارة، يترافق مع انسحاب كامل لمؤسسة كهرباء لبنان من حيِّز تحمّل المسؤولية. وعذر غياب الأموال يحضر كلّما جرى الحديث عن زيادة ساعات التغذية وإجراء الإصلاحات الفنّية والإدارية. وهذا الواقع يدفع الكثير من أصحاب الاختصاص، إلى قطع شريان الأمل بإصلاح قطاع الطاقة بهيئته الحالية، والدعوة لإنتاج الكهرباء بمشاريع تشاركية بين القطاعين العام والخاص.
تخفيف حدّة الأزمة
بواقعها الحالي، لا تستطيع مؤسسة كهرباء لبنان إنقاذ نفسها. حتى أن زيادة فواتير الكهرباء عجزت عن انتشال المؤسسة مالياً، ولم تتحسَّن ساعات التغذية التي كان من المفترض بها أن تصل إلى ما بين 8 و 10 ساعات يومياً. وبالاعتماد على الفيول المستورد بأسعار مرتفعة جداً، أو بالاتكال على الفيول العراقي، تبقى معامل إنتاج الكهرباء تحت رحمة ما يمكن توفيره من فيول.
أرهقت الصيغة التي تدار بها المؤسسة منذ عقود، قدرتها على قمع المخالفات وتحسين شروط إنتاج وتوزيع الكهرباء. وتراكمت الفواتير غير المحصَّلة ووقعت المؤسسة في عجز مالي كبير، وساهمت في إثقال الخزينة العامة بديون غير مدفوعة “حتى أصبح الحل عن طريق إصلاح المؤسسة، صعب”، وفق ما يقوله المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة غسان بيضون، والذي يرى في حديث لـ”المدن”، أنه آن الأوان “للخروج من صندوق أزمات الوزارة والمؤسسة”.
الخروج من الصندوق الذي ليس فيه سوى الإرتهان للوزارة والمؤسسة في الحصول على الكهرباء، سارعت إليه الناس مع بداية الأزمة الاقتصادية، إذ لجأت إلى ألواح الطاقة الشمسية والاستغناء بشكل كبير عن كهرباء الدولة وبجزء واسع عن كهرباء المولّدات الخاصة.
وفق التجربة الناجحة للاعتماد على الطاقة الشمسية على مستوى فردي، يؤيّد بيضون إنتاج الكهرباء من مشاريع مموَّلة من القطاع الخاص، وتحت وصاية البلديات. ففي تلك المشاريع “تخفيف من حدّة أزمة الكهرباء”. ولا يرحّب بيضون بانتظار المعالجات من الوزارة والمؤسسة لأن معالجتهما “بطيئة وغير مفيدة وغير عادلة”.
اللامركزية والشراكة بين القطاعين
ما يؤيّده بيضون من لا مركزية لإنتاج الكهرباء وبيعها، تطرحه وتروّج له أيضاً بعض الجهات، مثل المعهد اللبناني لدراسات السوق، والذي يشير رئيسه الخبير الاقتصادي باتريك مارديني، إلى أن القطاع الخاص يرحّب بفتح الطريق أمامه للاستثمار في قطاع إنتاج الكهرباء، سيّما وأن المؤسسات الخاصة تدفع أكلافاً كبيرة في فاتورة كهرباء الدولة، من دون الحصول على حجم تغذية كافٍ. أما الاتكال على البلديات لتمويل مشاريع إنتاج الطاقة، فهو مستحيل بسبب نقص الأموال التي بحوزة البلديات، ولذلك “يبرز حل الدفع من قبل المستخدم، حيث يسدد المواطن بدل اشتراك الكهرباء شهرياً بشكل مباشر للشركات الخاصة التي تقدم الخدمات على المستوى البلدي. ويسمح هذا النظام للقطاع الخاص بإنشاء مزارع طاقة شمسية ومعامل لمعالجة النفايات وتقاضي كلفة الخدمة من المستخدم مباشرةً وتسديد جزء منها للبلدية”.
دخول البلديات على خط إنتاج وتوزيع الكهرباء ليس طرحاً غريباً أو مستجداً، إنما هو امتداد لفكرة اللامركزية الإدارية، وينظّمه قانون تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والذي يسمح للبلدية بالاستثمار. وإن تأخَّرَ السير باللامركزية أو ببعض جوانبها، وفي مقدّمتها إنتاج وتوزيع الكهرباء، لا يعني استحالة تطبيقها، بل على العكس، ينتظر اللامركزية الإدارية مستقبل إيجابي، إذ أنه على المدى البعيد “يجب الذهاب إلى لا مركزية الإنتاج والتوزيع وإلى دور أوسع للبلديات في مجال الطاقة”. ولدى مجلس النواب اقتراحات قوانين في هذا الإطار. ويأمَل بيضون أن يشرِّع مجلس النواب للبلديات “التعاقد مع القطاع الخاص لإنتاج الكهرباء”.
من ناحية ثانية، يضبط دخول البلديات على خط إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، تفلُّت الكثير من أصحاب المولّدات الخاصة وسيخرج بعضهم من السوق لعدم قدرته على مجاراة تمويل شركات ومستثمرين على مستوى عالٍ، ولا تأمين كميات تغذية كافية بأسعار غير تنافسية.
المنافسة التي سيخلقها المستثمرون في قطاع الطاقة في حال طبّقَت فكرة لا مركزية الإنتاج والتوزيع، ستصطدم بـ”رغبة الوزارة في الإبقاء على الإنتاج عبر الفيول، نظراً إلى تحكّم مافيات كبيرة من بيع المحروقات عموماً. ولأن عمر وزارة الطاقة ذاخر بالصفقات والسمسرات لصالح مورِّدي المحروقات الذين يشبكون علاقات مميّزة مع الوازرة، يتوقَّع بيضون عرقلة الوزارة لمشاريع مماثلة كي تحرف الجمهور عن احتمال إنتاج الكهرباء بكميات أكبر وبسعر أوفر.
تنامي المطالبة بإنتاج كهرباء أكبر وأرخص على يد القطاع الخاص، استقبلته الوزارة سابقاً بالترحيب، لكن من دون ترجمة فعلية على الأرض. فالوزارة تعاقدت، في أيار الماضي، مع 11 شركة خاصة لإنتاج كهرباء من الطاقة الشمسية وبيعها لمؤسسة كهرباء لبنان، وذلك عبر محطات تُبنى فوق أراضٍ في منطقة بعلبك الهرمل والبقاع. لكن التعاقد يشكِّل البناء النظري للمشروع، بانتظار البناء العملي الذي يطلقه التمويل الذي لم تجده الشركات بعد، إذ عليها أن تبحث عن مموِّل دولي، وهذا أمر صعب في ظل الظروف الدولية والظروف اللبنانية الطاردة للمستثمرين الأجانب. أي أن إنتاج كهرباء كافية تحت جناح الوزارة والمؤسسة، مؤجَّلٌ. لذلك، قد يكون من الأفضل للمؤسسة والوزارة طيّ صفحة مشاريعهما أو بحثها بالصورة الصحيحة، أو التسليم بوجوب تطبيق اللامركزية في إنتاج الكهرباء.