إستحوذ مشروع موازنة العام 2021 على اهتمامٍ ومتابعة، وتعرّض لانتقادات مُبكرة من قِبل أكثر من جهة. فهل تساهم موازنة من هذا النوع في تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للبنانيين، ام انّها تنطوي على مخاطر تسريع الإنحدار، وزيادة الضغط على الناس والاقتصاد؟
لا تمتلك وزارة المال عصا سحرية تستطيع من خلالها ابتكار موازنات انقاذية لتغيير المشهد الاقتصادي والمالي في البلد. ومن يدعو الى موازنة اصلاحية في هذه الظروف، ومن خارج سياق المشهد السياسي العام، يكابر ويجافي الحقيقة. الإصلاح والإنقاذ اكبر من مشروع موازنة على الورق، في ظروف شبيهة بالظروف التي وصل اليها البلد.
ما حاول أن ينجزه فريق عمل وزارة المال في مشروع الموازنة، يُختصر في تقديم أرقام تقضي على العجز، وتوحي بالتالي بأنّ الدولة ليست مضطرة الى الإقتراض اكثر لتغطية هذا العجز الذي كان قائماً طوال السنوات العشرين الماضية، وتراكم حتى وصل حجم الدين العام الى نقطة الإنفجار الذي أدّى الى اعلان الإفلاس (التوقّف عن الدفع). والى جانب خفض العجز، تضمّنت الموازنة بنوداً اصلاحية في الوظيفة العامة، وهي التي اعترض عليها النقابيون والعمال والموظفون.
ومن أجل تحاشي زيادة العجز في الموازنة، والناتج من تراجع الإيرادات، ولأنّ تعويض هذه الإيرادات لم يعد ممكناً عبر فرض ضرائب اضافية على المداخيل والأرباح، تمّ اللجوء الى خيار «الهيركات» غير المُعلن، والخوّة المُقنَّعة، من خلال الضريبة على الودائع من 1 الى 2%، والضريبة على فوائد استثمارات البنوك لدى مصرف لبنان بنسبة 30%. والهدف المُعلن تأمين بين 2000 و2200 مليار ليرة للخزينة.
تحتاج الدولة الى مبلغ لا يستهان به بالدولار سنوياً، من أين ستجلبه؟
الجواب من مصرف لبنان طبعاً. والبنك المركزي يدفع حالياً قسماً من عائدات المصارف لقاء استثماراتها المالية لديه بالدولار ايضاً. كذلك يموّل المركزي الدعم العشوائي المستمر بلا قيود. كل ذلك يعني انّ مصدر الدولار واحد، وهو الاحتياطي المتبقي من الاحتياطي الإلزامي.
في المقابل، الأموال بالليرة التي تريد الخزينة الحصول عليها من خلال الضرائب على الفوائد وعلى الودائع، بالإضافة الى اضطرارها الى تمويل مدفوعات اخرى، كما هي حال المدفوعات الى الضمان الاجتماعي بواسطة إصدار سندات دين بالليرة، كل ذلك سيؤدي الى إلزامية تكبير حجم الكتلة النقدية بالعملة الوطنية في الاشهر القليلة المقبلة، بما قد يزيد الضغط على الليرة ويقود الى انهيار اضافي في سعر صرفها،