على مشارف حرب مرتقبة وواسعة النطاق التدميري، يُجمع أغلبية الخبراء الإقتصاديين وعدد من السياسيين على أن لبنان لا يتحمل حرباً جديدة، لا سيما أنه اليوم لا يُشبه ابداً ما كان عليه عام 2006 عندما تحمل تداعيات حرب تموز الشرسة، وإاستطاع النهوض بفضل المساعدات السخية التي تلقاها حينها، والتي من المُستبعد أن يحصل عليها اليوم في حال وقعت الحرب بفعل السياسات المعتمدة من قبل من يتحكم بالدولة وقرار الحرب والسلم فيها، وعلاقاته المهتزة مع أغلبية الدول وبخاصة العربية المانحة، كما أنّ الحرب إن حصلت فستكون لها تداعيات خطيرة على مستقبل الإقتصاد الموعود.
الدفاع المدني يعمل بـ10% من طاقته
يؤكد النائب والخبير الإقتصادي رازي الحاج في حديثٍ مع صحيفة «نداء الوطن»، أن «لبنان ليس لديه القدرة لا النفسية ولا الإجتماعية ولا الإقتصادية ولا اللوجستية، ولا حتى لديه النية أيضاً لخوض أي حرب».
وذلك، لعدّة أسباب وهي «ان كافة مؤسسات الإدارة العامة هي بحالة شلل شبه كامل، بما فيها على سبيل المثال لا الحصر مؤسسات الدفاع المدني والتي تعمل بأقل من 10% من إمكانياتها، عدا عن أنّ أغلبية معداتها معطلة، وأبسط مثال على ذلك ما حصل عند إنهيار المبنى في المنصورية، حيث إستمر البحث عن المفقودين والذين لا يتجاوز عددهم 9 أشخاص مدة أسبوع تقريباً، ولم تتمكن الأجهزة من إيجاد كامل المفقودين».
سنتحول إلى قندهار
وأضاف ان لبنان يعاني من إنكماش إقتصادي يجعله غير قادر على مواجهة أي أعباء جديدة، فقرار إلغاء أغلبية الحجوزات إلى لبنان سينسف الإنفراج الإقتصادي المرتقب والذي كانت تعوّل عليه القطاعات الإقتصادية والسياحية خلال موسم عيدي الميلاد ورأس السنة. كما أن العديد من الشركات خاصة ستضطر إلى مغادرة لبنان من دون رجعة، إضافة إلى كل ذلك فإن البنى التحتية في لبنان هي في وضع كارثي من دون حرب، حيث لا صرف صحي ولا مياه ولا كهرباء»، حسبما يُشير الحاج. ويختم: «لبنان بوضع لا يسمح بتعرّضه لأي إهتزار اضافي، وإلّا سيتحول إلى قندهار.
إغلاق المطار والمرفأ
وتبدي عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائبة غادة أيوب خشيتها من «إغلاق المطار وتوقف عمل المرفأ وما سيترتب على ذلك من تداعيات إقتصادية سلبية، وتقول لـ»نداء الوطن»: «الخوف الكبير في حال وقعت الحرب اليوم يتمثل بالخشية من إغلاق المطار وتوقف العمل فيه. لذا فإن أول مَن سيتأثّر إقتصادياً هو القطاع الخاص، الذي إستطاع أنْ يُعيد ترتيب أوضاعه بمفرده دون مساعدة الدولة له وبغياب أي سياسات فعلية من شأنها مساعدة القطاعات الخاصة وحتى العامة من أجل إعادة إنعاشها اقتصادياً. فاليوم وفي ظل إلغاء أغلبية الحجوزات على لبنان وكذلك دعوة معظم السفارات رعاياها إلى مغادرة لبنان، فالقطاع الخاص والذي يعتبر بمثابة رافعة لبنان هو الطرف الأول الذي سيتأثر بشكل مباشر».
رواتب موظفي القطاع العام مهدّدة
وفي ما يتعلق بالقطاع العام فهو»شبه متوقف وبحالة شلل» وفق أيوب، لذا ترى أن «وقوع الحرب سيتسبّب بنتائج كارثية تطال رواتب موظفي القطاع العام، وذلك بسبب إحتمال إرتفاع سعر صرف الدولار حيث سوف يكون من الصعب حفاظ مصرف لبنان على الإستقرار النقدي، وبالتالي سنكون أمام شلل كامل، وهذه الفئة ستكون معرضة لإنقطاع مصدر دخلها». وتُضيف: «في ظل توقف مصرف لبنان عن تمويل الدولة بالعملة الأجنبية، وفي ظل عدم وجود أموال متبقية من حقوق السحب الخاصة، فالسؤال الكبير الذي يطرح نفسه اليوم هو: «من أين ستتمكن الحكومة من تمويل خطة الطوارئ وصندوق الهيئة العليا للإغاثة لتأمين الحد الأدنى من المتطلبات المعيشية الأساسية للنازحين اللبنانيين الذين سيلجأون إلى مناطق أخرى، لا سيما أنه لا فائض في الموازنة ولا حتى الحكومة قادرة على أخذ إعتمادات وصرفها من أجل معالجة معضلة النزوح الداخلي».
القطاع الصحّي غير جاهز
إضافةً إلى كل ذلك، تلفت أيوب إلى «الإشكالية الأكبر التي تواجهنا أيضاً وهي عدم قدرة القطاع الصحي على تحمل أعباء الحرب»، وتسأل: «على أي أساس يُطلب من المستشفيات والمؤسسات الصحية اليوم أن تكون على جهوزية تامّة، فهي بحاجة إلى التمويل والإستثمارات سواءً لتخزين الأدوية أو لغيرها، فيما الدولة شبه غائبة ولا قدرة لديها».
لبنان سيُترك لمصيره
وعن مدى إمكانية مساعدة لبنان من قبل الخارج وبالتحديد الدول العربية، هنا تسأل: «هل ترك لبنان له دولة صديقة مستعدة لمساعدته في حال تعرضه لأي إعتداء؟ فسياسات محور الممانعة وبالتحديد «حزب الله» في السنوات السابقة، تسبّبت بضرب العلاقات مع كافة الدول العربية الحليفة وبالذات المملكة العربية السعودية. لبنان دولة منهارة بفعل تحكم المحور الممانع فيه، وبسبب 6 سنوات من الفشل خلال عهد الرئيس السابق ميشال عون، فهو حتماً أصبح بلداً غير جاهز وليس لديه أي قدرة للدفاع عن النفس سواء بإعتداء عليه أو بخوضه حرباً لا ناقة له فيها ولا جمل».
وعليه، تعتقد أيوب بأن لبنان سيترك لمصيره ولمحور الممانعة، لكنها في المقابل تشير إلى أنه «وفي حال قرّرت الدول العربية مساعدة لبنان، فهي من المُرجح أن تسلم المساعدات إلى الجيش البناني والجمعيات وليس للدولة اللبنانية، على غرار ما تصرّفت أغلبية الدول خلال إنفجار مرفأ بيروت».
تخريب علاقات لبنان
وبدوره، يجزم النائب التغييري مارك ضو بأنّ «لبنان لا يُمكنه تحمّل حصول حرب، فهو بلد منهك إقتصادياً بفعل الأزمات التي توالت عليه. فإداراته شبه منهارة، وليس لديه أي قدرة تُمكنه من مواجهة أعباء الحرب».
وعما إذا كان لبنان سيترك إلى مصيره في حال وقعت الحرب أم ستساعده الدول كما حصل بعد حرب تموز عام 2006، يشير ضو هنا إلى أنّ «أغلبية الدول توقفت عن إرسال ودائع إلى المصارف اللبنانية، حيث أن علاقات لبنان مع أغلبية دول العالم وبخاصة العربية منها تضرّرت وبشكل كبير، بسبب عهد ميشال عون وسيطرة السلاح غير الشرعي وبالتحديد سلاح «حزب الله» على كافة مؤسساته وقراراته ومساهمته بعرقلة وتعطيل إنتخاب رئيس للجمهورية».
التأثيرات بدأت بإرتفاع بكلفة المعيشة
ضو يلفت إلى أنّ «التأثيرات الإقتصادية لما يحصل من أحداثٍ حولنا بدأت تظهر وحتى قبل وقوع الحرب، وأبرزها يتجلى في دعوات معظم السفارات رعاياها إلى مغادرة لبنان، فهذه الدعوات هي أولا ستؤثر بحركة الأموال وتحويلات المغتربين. كما أنه علينا أن لا ننسى بأن السفارات والجهات المانحة والأمم المتحدة والأونروا، تقوم بصرف مبالغ كبيرة في لبنان (ما يُقارب الملياري دولار في السنة)، وذلك ما بين أموال دعم للاجئين وتمويل مشاريع للتنمية، فهذه الأموال هي من العملة الأجنبية وليس من مصلحة الإقتصادية أن يفقدها لبنان وهو بأمسّ الحاجة إليها».
إرتفاع كلفة التأمين
ويتطرق ضو خلال حديث مع «نداء الوطن» إلى ما ينتظرنا من غلاء وإرتفاع في كلفة المعيشة ذلك على خلفيّة القرار الذي إتخذته شركات التأمين برفض تغطية بعض شركات الطيران. ويقول: «مع ارتفاع كلفة التأمين سيصبح لدينا إشكالية بعملية الإستيراد. وبالتالي أي أحد يرغب في القيام بعملية تصدير إلى لبنان، يتوجب عليه شراء بوالص تأمين ضد الحرب وهذه كلفتها مرتفعة، مما سينسحب وبشكل مباشر على المواد المستوردة وبالتالي سترتفع الأسعار وترتفع كلفة المعيشة بشكل لافت. كما أن سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية سيعاود الإرتفاع، إضافة إلى الإنعكاسات التي ستطال تحويلات المغتربين حيث ستصبح بحاجة إلى وقت لكي يتم إرسالها إلى لبنان».
إلى مزيد من الغرق
وأمام كل هذه المعطيات يؤكّد ضو، أنّه «إذا لم تتحمّل الدولة مسؤولياتها وتتخذ القرار المناسب لمنع لبنان من الإنزلاق بأي حرب يُدخله فيها من يملك السلاح غير الشرعي دون العودة إلى الدولة ولا حتى اخذ اي إعتبار لرغبة إرادة الشعب اللبناني والتي تتمثّل برفضه المطلق لخوض حرب الغير على أراضيه، سنكون أمام إنهيار إقتصادي لا مثيل له وبوضع أصعب بكثير. حيث أن الإنهيارات عندما تتراكم يصبح الإصلاح حينها غاية صعبة المنال، وبالتالي الغرق سيزيد أكثر وأكثر».
ويخلص ضو إلى القول: «صحيح أنه من واجبنا كلبنانيين الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ومساندته في ظلّ ما يتعرض له من إعتداءات ومجازر، إلّا أنّ جُل ما علينا القيام به هو السعي لوقف إطلاق فوري للنار من خلال التنسيق مع جامعة الدول العربية، وليس من واجبنا فتح جبهة تجلب لنا خراباً ودماراً لا قدرة لنا على معالجة تداعياته وأعبائه، فلبنان لا يتحمّل ذلك مطلقاً».