يواصل حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري لقاءاته مع ممثلي «المصارف المراسلة» في بريطانيا. وبحسب مصادر مطّلعة، فإن نتائج هذه اللقاءات تُصنّف «جيدة» ربطاً بالنتيجة التي قد تخلص إليها مجموعة العمل المالي «فاتف» لجهة تصنيف لبنان على اللائحة الرمادية، بما يعني أن لبنان يعمل على تخفيف وطأة القرار المنتظر، وهو أمر ليس له أي ارتباط بما يحصل في ملف الحاكم السابق رياض سلامة.من التقى بمنصوري في لندن، ينقل عنه استغرابه من التحليلات التي تمادت في الربط بين توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة وقرب اتخاذ «فاتف» قراراً بوضع لبنان على اللائحة الرمادية.
توقيف سلامة لا يقدّم أي إيحاءات لـ«فاتف» بشأن الأسئلة الواردة في تقرير التقييم الخاص بلبنان، ولا يتعلق أبداً بجوهر المسألة المطلوبة من لبنان لجهة السيطرة على تعاملات الأطراف الداخلية بالعملات النقدية، والتي يُقصد فيها حزب الله بشكل واضح. مثول رياض سلامة أمام العدالة واتخاذ إجراءات «احترازية كما هي الآن» أو «اتهامية في الأيام المقبلة»، كان ذلك عبارة عن مسألة وقت، إذ إن المعلومات التي قدّمها منصوري إلى القضاء منذ أيلول 2023، ثم أعاد إرسالها مرّة ثانية إلى مدّعي عام التمييز القاضي جمال الحجار قبل بضعة أسابيع، فيها الكثير من الوضوح في الموثّق بعمليات التحويل «البسيط» انطلاقاً من ملفي «فوري» و«أوبتيموم»، تقود إلى شبهة في أن سلامة وآخرين اختلسوا مبلغاً قيمته تفوق 340 مليون دولار. أما ما يحصل مع «فاتف» فهو أمر مختلف، إذ يتعلق بالإجراءات التي يُطلب من لبنان تطبيقها في مجالات الضرائب والجمارك والقضاء ولا علاقة للقطاع المصرفي به الذي يُعدّ «ناجحاً» في الإجراءات التي تطلبها «فاتف».
إذاً، هل قام لبنان بما هو مطلوب منه؟ هل يجب القيام بذلك؟ الواقع، أنه لا مفرّ من قيام لبنان بترتيب هذا الملف. لذا، وقبل زيارته للندن، أرسل منصوري إلى رئاسة الحكومة تقرير التقييم الصادر عن «فاتف» بشأن لبنان وفيه كل نقاط «النجاح» و«الرسوب» ومن بينها سؤال أساسي عن «السيطرة على تدفق النقد (الكاش) المرتبط بالأطراف المتعدّدة». تلقّى منصوري كل الإجابات التي يريدها من الوزارات والإدارات العامة المعنية بنقاط «الرسوب» في الضرائب والجمارك والعدل وسواها، إلا الإجابة المطلوبة عن السؤال المتعلق بالسيطرة على التدفقات النقدية. لذا، لم يحمل معه إلى لندن سوى وعود حكومية بإصلاحات في مجال القضاء والجمارك وسواهما من المسائل الملحوظة في تقرير «فاتف»، باستثناء ما يتعلق بخطة الحكومة للسيطرة على التدفق النقدي المتعلق بأطراف غير حكومية. رغم ذلك، أبلغ منصوري من التقاهم أنه «ليس محسوماً بعد تصنيف لبنان على اللائحة الرمادية»، مشيراً إلى أنه يعمل على محاولة أخيرة. لكنّ المتابعين، يعتقدون بأن منصوري يأمل بأن يخفّف من وطأة القرار، وهو ما يقوم به حالياً في لندن من خلال اللقاءات مع ممثلي المصارف المراسلة التي يعتمدها لبنان في عمليات التحويل الخارجية. أما التعامل مع مسألة السيطرة على «اقتصاد الكاش» فيتم من خلال حجّة مفادها أن التضييق على لبنان في الإجراءات التي قد تتخذها المنظمات والدول ضدّه بحجّة تنامي اقتصاد الكاش في لبنان، سيؤدي إلى اتساع اقتصاد الكاش بدلاً من السيطرة عليه. هذه الحجّة لم تفقد بريقها بعد، وقد تفتح الباب أمام تقييم من «فاتف» أكثر سلاسة في الأيام المقبلة، إلا إذا كان التصعيد من قيادة «فاتف» التي تقع تحت السيطرة الأميركية المباشرة، سيحصل مهما كانت الحجج وازنة أو مقنعة، وذلك قد يأتي في سياق الحرب الدائرة بين قوى محور المقاومة والكيان الصهيوني.
إذاً، ماذا يعني التخفيف من وطأة تصنيف لبنان على اللائحة الرمادية؟ المصادر تقول إنه في ظل احتمال تصنيف لبنان، فإن الإجراءات التي تقوم بها مصارف المراسلة مع المصارف اللبنانية لن تتطوّر أو تتعقّد أكثر مما هي عليه الآن، ولن يكون هناك انسحاب، على الأقل، بشكل كامل، لمصارف مراسلة من لبنان أو زيادة كبيرة في الأكلاف. أصلاً هذه المصارف سبق أن تشدّدت في إجراءات التعامل مع مصارف لبنان لجهة إغلاق الحسابات والتشدّد في الاطّلاع على مصادر التحويلات ومقاصدها وسقوفها وسواها من الإجراءات والقيود الجارية التنفيذ الآن… لذا، فإن تصنيفاً كهذا سيكون مجرّد نتيجة أخرى للانفجار الذي حصل في عام 2019 والذي كشف عن حجم الخسائر والسرقة.