لبنان ليس آمناً: هل يعلن الحبتور ما يضمره المستثمرون؟

رَفَضَ العدوّ الإسرائيلي الإنسحاب من الجنوب، ومَدَّدَ فترة احتلاله حتى 18 شباط المقبل، وبالتوازي، شهدت العاصمة بيروت “عراضات” درّاجات نارية لأغراض سياسية تثقِل مهمّة تشكيل الحكومة. وبين الحَدَثَين، مشهد اقتصادي يخسر بعض الإشارات الإيجابية التي برزت إثر ملء الفراغ الرئاسي والانطلاق نحو تشكيل الحكومة.
فالرعاية الدولية والعربية لانتخاب رئيس للجمهورية وإطلاق عهد جديد عماده البدء بالإصلاحات تحضيراً لتلقّي المساعدات لإعادة النهوض الاقتصادي وإعمار ما هدّمته الحرب الإسرائيلية، لم تنعكس حتى الآن تغييراً ملموساً على المستوى الاقتصادي. بل على العكس، تشكِّل الأحداث الراهنة معطيات لبعض المستثمرين، يبنون عليها قرارهم بعدم الاقتراب من لبنان باعتباره بيئة غير آمنة بعد للاستثمار.

المشهد لم يتغيَّر
شكل انتهاء الحرب فرصة لاتقاط الأنفاس. وبالتوازي، غطَّت فظاعة الجرائم الإسرائيلية على حقيقة أن لبنان مأزوم اقتصادياً وسياسياً، فكان قرار وقف إطلاق النار وبعدها انتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية وتكليف القاضي نواف سلام تشكيل الحكومة، فرصة للتعبير عن حاجة الجميع إلى مشهد جديد أكثر إيجابية. لكن في العمق، كان المشهد المألوف يستمر ويجذب معه مؤشرات سلبية وتراكمات لم تستطع السلطة السياسية التخلّي عنها منذ ما قبل العام 2019.

عدم اكتمال جوانب المشهد الإيجابي، يعود إلى أنّ جذور الأزمة لم تُمَسّ بعد. وبالتالي، فإن العودة السياسية للمجتمع الدولي والعربي إلى لبنان، لم يقابلها من جانب كلّ القوى السياسية اللبنانية ما يشجِّع على تسهيل العودة الاقتصادية. وبرأي الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي خليل جبارة، فإن “أدبيات المجتمَعَين الدولي والعربي واللجنة الخماسية تركِّز دائماً على الإصلاحات التي يجب على لبنان القيام بها للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية. ولذلك، ينتظر الجميع تطبيق لبنان للاصلاحات التي وعد بتنفيذها من خلال توقيعه الاتفاق المبدئي مع الوفد التقني لصندوق النقد الدولي”.

ويذكِّر جبارة في حديث لـ”المدن”، أنّ جوهر هذه المشكلة يعود إلى رفض لبنان إجراء الإصلاحات منذ مؤتمر باريس1 في العام 2002 “فالحكومات المتعاقبة منذ ذلك الحين لا تزال حتى اليوم تتحدّث عن تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، على سبيل المثال، حتى اليوم لم تُعيّن هذه الهيئة، وهي إحدى المطالب الإصلاحية”.

وعليه، فإن “الجوّ الإيجابي أو التشاؤمي لم يعد يرتبط فقط بالجانب الأمني، بل في شكل الحكومة المنتظرة وقدرتها على تطبيق الإصلاحات”. ويلفت جبارة النظر إلى أنّ ترجيح كفّة التشاؤم أو الإيجابية “يرتبط بالتسريبات التي تخرج حول شكل الحكومة وأسماء الوزراء. فإذا تلمسَ المجتمعين الدولي والعربي أنّ الحكومة ستشبه الحكومات السابقة، يطغى الجوّ السلبي، وإذا كانت مغايرة، يطغى الجوّ الإيجابي”.

رسائل الحبتور
تأرجُح الصورة بين السلبية والإيجابية، وما شهدته شوارع بيروت من عراضات للدراجات النارية يُراد بها فرض رسائل سياسية للتأثير على تشكيل الحكومة، وهي بالتوازي، تعطي رسائل للمستثمرين بأن مناخ الهدوء لم يعم البلد بعد، والجوّ غير ملائم للاستثمارات في لبنان، وهو ما عَبَّرَ عنه بوضوح رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور الذي أعلن عبر منصة “إكس” اتخاذه “قراراً مؤلماً لم أرغب يوماً في الوصول إليه، لكن الأوضاع الراهنة في لبنان، من غياب الأمن والاستقرار وانعدام أي أفق لتحسن قريب، دفعتنا إلى إلغاء جميع المشاريع الاستثمارية التي كنّا نعتزم تنفيذها في لبنان”. علماً أن الحبتور أعلن يوم الخميس الماضي نيّته “الاستثمار في مشروع كبير وطموح فور تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان”.

وبين إعلانه نيّة الاستثمار في لبنان وبين التراجع عنها، أعلن الحبتور بوضوح أنّ “أي تساهل في التشكيل (الحكومة) أو القبول بالتبعية لن يؤدي إلا إلى استمرار الأزمة، وسيغلق أبواب الاستثمار والنهضة على لبنان وشعبه”.
قرار الحبتور لا يزال فردياً. فلم يعلن أي رجل أعمال آخر أو شركة، قراراً مماثلاً. لكن مع ذلك، يمثِّل الحبتور صوتاً قد يعتبره الكثير من المستثمرين صدىً حقيقياً للسوق اللبناني غير الآمن. فالمستثمرون لا يزالون ينتظرون توقيع لبنان الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، وينتظرون نتائج تراجع نفوذ المحور الإيراني في لبنان وعودة الدولة للإمساك بزمام الأمور وتطبيقها للإصلاحات الجدية، خصوصاً وأنّ “الإصلاح لم يعد يقتصر على القدرة التقنية”، فبرأي جبارة “تم درس مشاريع القوانين ووضعت الدراسات وعرضت على مجلس الوزراء طيلة 5 سنوات، ومنها ما يتعلّق بإعادة هيكلة المصارف، ولم تُناقَش بشكل جدّي، ما يعني أن المشكلة لا تزال بالقرار السياسي، وهذا ما يراه المستثمرون أيضاً”.

القرار السياسي المتعلّق بالتغيير، هو تماماً ما يقصده الحبتور في كلّ مرّة يعلن فيها عزمه الاستثمار في لبنان أو الإحجام عنه، وهو ما يتلقّفه مستثمرون آخرون قد لا يفضّلون الإعلان عن نواياهم بصراحة، أو يختارون مصطلحات عامة من قَبيل التشديد على الاستقرار الأمني والسياسي، وهو بالفعل ما يحتاجه لبنان.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةالتحدّي الأكبر لحكومة سلام: إرساء نهج اقتصاد سياسي مختلف
المقالة القادمةمشكلة تقنية تؤخّر تسديد تعويضات الترميم والإيواء