قطعت الحكومة اللبنانية خطوة مثيرة للجدل تهدف إلى معالجة الخسائر المالية التي تكبدها الأفراد والشركات في خطوة تهدف إلى التصدي لتداعيات الانهيار الاقتصادي الحاد بعد طول انتظار ووسط شبه انقسام بين الوزراء.
وأقر مجلس الوزراء الجمعة مشروع قانون يهدف إلى معالجة الأزمة المالية التي كبلت الاقتصاد على مدى ست سنوات، على الرغم من المعارضة الكبيرة التي أبدتها الأحزاب السياسية والمودعون والمصارف التجارية لهذا التشريع.
وعقب نهاية الجلسة قال رئيس المجلس نواف سلام إنه يأمل أن “يُقر مجلس النواب مشروع القانون بأسرع وقت ممكن.”
نواف سلام: صغار المودعين سيحصلون على أموالهم كاملةً مع الفوائد التي تراكمت خلال أربع سنوات
وأضاف “نحن لا نستهدف المصارف بحد ذاتها. نعلم جميعا أنه لا يمكن لأي اقتصاد أن ينمو من دون قطاع مصرفي سليم. لكننا ندرك أيضا أن الثقة بالنظام المصرفي قد تضررت بشدة خلال السنوات الماضية.
ويركز القانون الجديد على استعادة أموال صغار المودعين التي تقل عن 100 ألف دولار، بما يمكّن من تسوية ودائع تقدر بمليارات الدولار، ويمهّد الطريق للحصول على التمويلات الدولية التي تحتاجها البلاد.
وهذا التشريع، الذي سيكون نافذا بعد مصادقة البرلمان، يثير نقاشًا واسعًا بين مؤيد يرى فيه خطوة ضرورية نحو الاستقرار المالي، ومعارض يعتبره غير كافٍ وقد يحمل تبعات اجتماعية واقتصادية إضافية.
ويأتي إقراره في وقت تواجه فيه البلاد تحديات اقتصادية واجتماعية متشابكة، ما يجعل تأثيره على مختلف القطاعات ومؤسسات الدولة محور اهتمام المواطنين والمراقبين على حد سواء.
وأقر القانون بأغلبية 13 صوتا مقابل تسعة أصوات، في مواجهة معارضة وزراء من مختلف الأطياف السياسية المنقسمة في لبنان.
واحتج عشرات الأشخاص بالقرب من مقر الحكومة أثناء اجتماع مجلس الوزراء قائلين إن “القانون لا يحمي ودائعهم،” كما انتقدت جمعية مصارف لبنان، التي تمثل البنوك التجارية في البلاد، القانون.
ويعد التشريع، المعروف باسم قانون “الفجوة المالية”، جزءا من سلسلة من إجراءات الإصلاح التي طلبها صندوق النقد الدولي بهدف الحصول على تمويل يقدر بحوالي 3 مليارات دولار.
واتفق لبنان في 2022 مع الصندوق لتنفيذ حزمة إصلاحات، واستأنفت المفاوضات مع المؤسسة المقرضة في ظل حكومة سلام، الذي تولى منصبه عقب انتخاب جوزيف عون، المدعوم من الولايات المتحدة، رئيساً للجمهورية قبل نحو عام.
والهدف من القانون توزيع الخسائر الهائلة الناجمة عن الانهيار المالي في نهاية عام 2019 بين الدولة والمصرف المركزي والبنوك التجارية والمودعين، والسماح للمودعين الذين تم تجميد مدخراتهم باستعادة أموالهم تدريجيا.
وتفجرت الأزمة بعدما تخلفت الحكومة عن تسديد ديونها للبنك المركزي لتصل الأزمة إلى البنوك التي لا تتوفر لديها حالياً كامل أموال المتعاملين والمودعين.
وفي عام 2022، قدّرت الحكومة الخسائر الناجمة عن الأزمة بحوالي 70 مليار دولار، وهو رقم من المرجح أن يكون الآن أعلى من ذلك.
ويُعدّ القانون أهم مشروع ضمن الإصلاحات التي ينفذها لبنان، إذ سيسمح بتحديد المسؤوليات في فجوة مالية من أموال المودعين كانت نتيجة اقتراض الحكومة من البنك المركزي واعتمادها على الاستدانة من البنوك المحلية.
وينص على استرداد كامل ودائع صغار المودعين التي تقل عن 100 ألف دولار، على أن يتم السداد خلال فترة لا تتجاوز 4 سنوات، وتمثل هذه الفئة من صغار المودعين نحو 85 في المئة من إجمالي المودعين في لبنان، وفقاً للحكومة.
وأشار نواف في تصريحات صحفية إلى أن “صغار المودعين سيحصلون على أموالهم كاملةً ومن دون أي اقتطاع ومع الفوائد التي تراكمت وذلك خلال أربع سنوات”.
وسيحصل المودعون المتوسطون والكبار أسوة بصغار المودعين، إضافةً إلى سندات قابلة للتداول بقيمة باقي الودائع من دون اقتطاع من أصلها، على أن تكون مدعومةً بعائدات وأصول المركزي أو ناتج بيع جزء منها، ما يمنحها قيمة فعلية وجدول سداد واضح.
القانون هدفه توزيع الخسائر الهائلة الناجمة عن الانهيار المالي في عام 2019 بين الدولة والمصرف المركزي والبنوك التجارية والمودعين
وأوضح نواف أن “السندات ليست وعوداً على ورق بل هي مدعومةٌ بنحو 50 مليار دولار من موجدات المصرف المركزي”.
وتعتقد الحكومة أن القانون سيسهم في إعادة بناء الثقة بالنظام المالي والمصرفي، من خلال تقييم أصول المصارف وإعادة رسملتها، بما يسمح لها باستعادة دورها في تمويل الاقتصاد وتحفيز النمو، والحد من تفشي الاقتصاد النقدي والموازي.
وفقدت الليرة أكثر من 98 في المئة من قيمتها منذ 2019، مما دفع ديناميكيات الدين العام إلى ضائقة مالية خانقة، حيث انخفضت قيمة الديون بالعملة المحلية بمقدار اثنين في المئة من الناتج الإجمالي بنهاية عام 2024، بعد أن كان نحو مئة في المئة قبل عام 2020.
ومنذ ذلك الحين، تخلفت الدولة عن سداد نحو 30 مليار دولار من سندات دولية، بينما عانت الحكومات المتعاقبة بعد ذلك لإقرار حل يعالج العجز المالي ويعيد إنعاش القطاع المصرفي ويدشن مفاوضات مع حاملي السندات.



