تحاول الحكومة اللبنانية إنقاذ قطاع الصناعة المنكمش بفعل الضائقة المالية بعد سنوات من التهميش واللامبالاة، بالتعاون مع منظمات دولية ضمن مساعيها لتخفيف الأزمات المتراكمة التي يعاني منها الاقتصاد الهش. وشكل لقاء وزير الصناعة جورج بوشكيان الخميس في بيروت مع ممثل منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) في لبنان إيمانويل كيلنزي، فرصة من أجل بحث سبل توفير الظروف والتمويلات من أجل مساعدة شركات القطاع على النهوض مجددا.
وذكرت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية أن بوشكيان قدم عرضا لممثل يونيدو حول برنامج حكومة نجيب ميقاتي، والذي يهدف “إلى تحقيق التنمية للصناعة المحلية وتطوير الإنتاج وتعزيز التنافسية في الأسواق المحلية والخارجية وتأمين فرص عمل جديدة”. كما أوضحت أن وزير الصناعة استعرض تقييما للمشاريع المنفذة، وأيضا تلك التي في طور التنفيذ للسنوات الأربع المقبلة، بغية تعزيز التعاون مع المنظمة الأممية لتنمية وتطوير القطاع الصناعي.
ويمارس القطاع منذ أشهر طويلة ضغوطا شديدة على السلطات لإقرار إجراءات عاجلة لمساعدة الشركات الصناعية بمختلف أحجامها، وخاصة بعد التداعيات الكارثية التي خلفتها الأزمة الصحية بالتزامن مع شحّ الأموال من السوق المحلية وتقلّص الاستثمارات. وحذّر رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل مرارا من أن الصناعيين أصبحوا على مشارف إغلاق شركاتهم، بسبب الأزمات المتفاقمة يوميا وانسداد الآفاق لحل الأزمة الاقتصادية.
وتظهر التقديرات الصادرة عن المؤسسات المالية الدولية أن القطاع يساهم في الظروف العادية بنحو 7.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ووفق بيانات منظمة يونيدو، فإن الصناعة اللبنانية توفر نحو 195 ألف فرصة عمل مباشرة، أي ما يعادل 25 في المئة من اليد العاملة النشطة، مما يجعل هذا القطاع ثاني أكبر قطاع موفّر للوظائف بعد القطاع العام.
وتلتقي العديد من المشكلات في القطاع، حيث يقول الصناعيون إنهم يعانون من نقص المحروقات والمواد الأولية، وكذلك انهيار العملة المحلية، إضافة إلى انحسار عمليات التصدير بفعل تقلّص عمليات الإنتاج. وترى يونيدو أنه لتعزيز القطاع الصناعي في لبنان، فإنه يجب على الشركات تغيير الطريقة التي تتعامل بها مع الطاقة والمياه والنفايات بشكل أساسي، خاصة في صناعة المواد الغذائية. وهذا الأمر يتطلب أدوات واستثمارات من شأنها أن تساعد البلاد على أن تصبح أكثر كفاءة في استخدام الموارد والطاقة النظيفة والآمنة، مع الحفاظ على القدرة التنافسية. وليس ذلك فحسب، بل إن تحويل التحديات إلى فرص يبدو في صميم منهجية نقل التكنولوجيات السليمة بيئيا عبر مجموعة من الأدوات لمعالجة ارتفاع تكاليف الطاقة والمواد الخام من خلال دمج تدابير الادخار في العمليات التجارية الجارية.
وكانت الصناعة اللبنانية قد اعتمدت هذه المنهجية في سياق مشروع “ميد تست تو”، وهو جزء مبتكر من برنامج “سويتش ميد”، الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي في عام 2013 لتسريع التحوّل إلى أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة في جنوب المتوسط.
وتقول ندى صبرا، وهي خبيرة بيئية تعمل مع اليونيدو لتطوير القطاع الصناعي في لبنان منذ 14 عاما، في تقييم نشرته منصة يونيدو قبل فترة، إن “المشروع يعالج العقبات، التي تواجهها الصناعة لكي تصبح أكثر كفاءة في استخدام الموارد والطاقة مع زيادة الإنتاج”. لكن الحكومات المتعاقبة منذ ذلك التاريخ لم تقدم الحوافز اللازمة لشركات القطاع من أجل تطوير أعمالها، وهو ما ظهر بوضوح بعد تفجّر الاحتجاجات ضد فساد السلطة قبل عامين.
وخلال السنوات الأخيرة اضطرت الكثير من المصانع في مختلف المجالات إلى وقف نشاطها بشكل كامل، والاضطرار لتسريح الآلاف من الموظفين والعمال مع اتساع الأزمة الاقتصادية الحادة التي خنقت المواطنين. وطالت الأزمات المالية ساعات العمل داخل شركات القطاع الخاص، حيث تشير إحصائيات البنك الدولي إلى أن نحو 27 في المئة من عمالة القطاع ضمن الدوام الكامل، تحولت إلى عمل جزئي. وتعتبر البطالة أزمة غير مستجدة، لكنها مستمرة في التفاقم في ظل الحالة الاقتصادية التي وصل إليها البلد، الذي يعتبر من بين أكثر الدول مديونية في العالم بما يوازي 85.25 مليار دولار أي بمعدل 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي