اندفع لبنان إلى استخدام سلاح الدولار الجمركي مجددا أملا في تحصيل بعض الإيرادات لمواجهة شح السيولة النقدية، وسط مخاوف من أن تتسبب الخطوة في تحميل المصدرين والتجار أعباء إضافية هم في غنى عنها في ظل الكساد الجاثم على الأسواق.
اضطرت حكومة تصريف الأعمال في لبنان إلى السير في طريق زيادة الدولار الجمركي مرة أخرى في غضون أشهر بهدف رفد الخزينة الفارغة للدولة ببعض الأموال علها تسد بعض مخصصات الإنفاق.
ويرجح خبراء أن يتسع نطاق حالة التذمر بين الشركات والمصدرين وسط مخاوف من تداعيات عكسية على الاقتصاد المنهار أصلا، والذي سيزيد الضغوط على التجار ويكبل القدرة الشرائية للناس المنهكين.
وتعتزم الحكومة زيادة الرسوم الجمركية بالعملة المحلية ثلاث مرات على الواردات وفقا لوثائق من قرارات حكومية أوردتها وسائل إعلام ووكالات أنباء، في الوقت الذي تسعى فيه الدولة إلى زيادة إيراداتها وسط أزمة اقتصادية متفاقمة.
وطلب وزير المالية يوسف خليل في خطاب موجه إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي “رفع المتوسط الشهري لأسعار العملات الأجنبية التي يجب اعتمادها في احتساب الرسوم والضرائب على البضائع والسلع المستوردة من سعر 15 ألف ليرة إلى 45 ألفا للدولار”.
وأوضح الخليل في المذكرة أن التعديل يهدف إلى تأمين التمويل اللازم لزيادة بدل النقل اليومي لموظفي القطاع العام والعسكريين والمعلمين. ولفت إلى أن سعر الصرف الرسمي للدولار في السوق الموازية تجاوز 80 ألف ليرة للدولار الواحد.
ورد مجلس الوزراء برسالة يبدي فيها “عدم ممانعته”، قائلا إن الخطوة “ستؤمن واردات إضافية تساهم في إعادة إحياء العمل في القطاع العام”.
وهذا هو التعديل الثاني لسعر صرف الدولار الجمركي خلال ثلاثة أشهر، بعدما جرى رفعه في مطلع شهر ديسمبر الماضي على السلع المستوردة بنحو عشرة أمثال ليصل إلى 15 ألف ليرة من السعر الرسمي السابق البالغ 1507.5.
وفي فبراير الماضي عُدل سعر الصرف ليتوافق مع الدولار الجمركي، ليكون السعر الرسمي للحكومة 15 ألفا مقابل الدولار.
ومنذ عام 2019 يعاني البلد من أزمة اقتصادية ومالية حادة، ويسعى إلى إبرام اتفاق للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، الذي يطالب بإجراء إصلاحات اقتصادية وإدارية.
وفقدت العملة المحلية أكثر من 98 في المئة من قيمتها منذ أن بدأ الاقتصاد ينهار في أواخر العام الذي سبق تفشي وباء كورونا، إذ تم تداولها عند أعلى مستوى لها على الإطلاق بواقع 88 ألفا مقابل الدولار الثلاثاء الماضي.
ونتيجة لذلك استنزفت خزائن الدولة وعانت الخدمات العامة مع إضراب المعلمين في المدارس عن العمل لأسابيع وظهور أعراض الإحباط في باقي المرافق العامة.
ويعد توحيد أسعار الصرف المختلفة في لبنان من بين الشروط المسبقة التي وضعها صندوق النقد الدولي منذ ما يقرب من عام لكي يحصل لبنان على خطة إنقاذ بقيمة ثلاثة مليارات دولار، لكن المسؤولين في الصندوق يقولون إن الإصلاحات تتم بوتيرة بطيئة للغاية.
وتتجه البلاد نحو اقتصاد قائم على النقد والدولار في ظل التضخم المتصاعد والقيود التي تفرضها البنوك على المعاملات.
وأوضح وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام خلال مؤتمر صحفي عقده في بيروت مساء الثلاثاء الماضي أن الحكومة ستسمح للمتاجر بعرض أسعار السلع المستوردة بالدولار.
وأكد أن الهدف الأساسي من هذا التغيير هو حماية المواطن من خلال معرفة الأسعار الحقيقية للسلع الموجودة داخل السوبرماركت.
وقال سلام “بداية من يوم الأربعاء يتم وضع تسعيرة الدولار على باب السوبرماركت منعا لاستغلال المستهلكين ولتمكينه من المقارنة بين سوبرماركت وآخر، وهذا يعزز المنافسة”.
وأضاف “هناك محلات سوبرماركت كانت تزيد 30 و40 في المئة على أرباحها من خلال التسعير بالليرة لتغطية هوامش ربحها، في حين أن معظم الناس يتقاضون رواتبهم بالليرة ولاسيما القطاع العام”.
وأردف قائلا “السعر بالليرة كان قناعا لاستغلال العملة، وطباعة الليرة أجبرتنا على حمل رزم من النقود للتبضع. الطباعة تؤدي إلى التضخم، ومن خلال الدولرة في السوبرماركت يمنع إجبار المستهلك على الدفع بالدولار، ويترك له الخيار”.
وبدأت تسعيرة جديدة للدولار في متاجر المواد الغذائية الكبرى الأربعاء، باعتماد سعر السوق الموازية فيها كسعر صرف معتمد للسلع المباعة للمستهلكين.
وقال سلام “قاومت موضوع التسعير بالدولار لسنة وستة أشهر، ولكن اليوم لا يمكنني أن أترك الناس مرتهنين للفوضى والعشوائية كوني معنيّا بحياة الناس، ويجب أن أعالج تداعيات الإهمال وسوء الإدارة”.
وأشار إلى أنه “يُمنع منعا باتا أن تفرض محال السوبرماركت على الزبون أن يدفع كاش بالدولار”، طالبا من كل منها أن تضع سعر الصرف على الواجهة والدفع يكون بالليرة اللبنانية.
ولفت إلى أنه كان هناك تلاعب بالأسعار من قبل التجار، مضيفا “آلية التسعير بالدولار في الظرف الراهن في السوبرماركت هي الأفضل، رغم أنها ليست مثاليّة، كما أن زيادة هامش الربح هي سرقة وغير مقبولة”.
وفي ظل ارتفاع مستمر للدولار وتدهور قيمة العملة المحلية بشكل جنوني وجد اللبنانيون أنفسهم في ورطة مع انهيار قدرتهم الشرائية، فضلا عن شح الوقود والأدوية واختفاء العديد من السلع الضرورية من الأسواق.