تتطلّب لعبة الدولار الكثير لفهمها في بلد كلبنان. فلا الأسس الاقتصادية تنفع لفهم طريقة تبدّل سعر الصرف، ولا الأسس السياسية تكفي. فها هو اتفاق الترسيم عند توقيعه لم يحرّك الدولار قيد أنملة، وها هو بيان بسيط من المصرف المركزي صدر يوم الأحد، خفّض الدولار خمسة آلاف ليرة لبنانية، ليعود ويرتفع مجدداً على وقع الخلافات الكبيرة بين صرّافي السوق السوداء.
رهانات تخيب
“صرّاف يربح الملايين وآخر يخسرها”، هكذا يصف أحد هؤلاء الصرّافين الوضع في السوق اليوم، مشيراً عبر “المدن” إلى أنه عندما وصل الدولار إلى حدود 40 ألف ليرة، كان يظن من يعمل في السوق أنه يتجه إلى 43 ألفاً، قبل أن يتدخل المصرف المركزي لتخفيضه 10 آلاف ليرة. وهذا الأمر تسبب لفئة منهم صدّقت هذه المعلومة بخسائر ضخمة أخرجت بعضهم من السوق، وأشعلت الخلافات والشتائم ووصلت إلى حد التهديدات بالإذية.
يشرح الصرّاف كيفية وقوع هذه الخسائر، متحدثاً عما يُعرف في سوق الصرافين بـ”الكشوفات”، وهي عبارة عن عمليات شراء للدولار تشبه عملية شراء عقود النفط الآجلة، أي شراء الدولار بتاريخ مستقبلي. ويضيف: “ينتج عن هذه الكشوفات شراءً للدولار لأيام مقبلة بسعر أقل أو أعلى من سعر السوق تاريخ إجراء الاتفاق، حسب توقعات الشاري للسوق. وبالتالي، عند تبدّل السعر انخفاضاً بصورة ضخمة كما حصل منذ أيام، يبقى الشاري ملزماً بشراء الدولار على أساس السعر الذي تمت وفقه “البيعة”. وهذا ما تسبب بخسائر ضخمة، يسعى بعض الصرّافين لتعويضها اليوم مع ارتفاع الأسعار.
يكشف الصراف أن البيع عبر الكشوفات أخرج عدداً من الصرّافين من السوق، ينتمون إلى الفئة الثالثة بالصرافة. فمن تضمّ هذه الفئة؟
4 فئات للصرافين
في السوق السوداء أربع فئات من الصرّافين. الفئة الأولى تضمّ الشركات الضخمة التي تشتري الدولار يومياً، ومنها شركات استيراد النفط والمواد الغذائية والأدوية، وغيرها من الشركات الكبيرة التي تحتاج إلى الدولار يومياً لشراء بضائعها. وعلى رأس هذه الفئة مصرف لبنان المركزي، الذي يُعتبر أكبر مشترٍ للدولار في السوق المحلية.
والفئة الثانية تضم شركات الصرّافة التي تجمع الأموال من أجل بيعها لأعضاء الفئة الأولى. أما الفئة الثالثة، فهي تضم مكاتب الصرافة التي لا تمتلك ترخيصاً بالعمل، ونشأت بفعل غياب سلطة القانون وانتشار تجارة الدولار. وتُعتبر هذه الفئة حلقة الوصل بين صرّافي الشوارع الذي يشكلون الفئة الرابعة، والفئة الثانية التي تحتاج إلى مبالغ كبيرة يومياً.
يُشير الصرّاف إلى أن “الطمع” بتحقيق الأرباح جعل صرّافي الفئة الثالثة يجمعون الدولار المؤجل، وهو ما “كسرهم” عند نزول الدولار إلى حدود 35 ألف ليرة، كونهم ملزمين بعقود بُنيت على أساس سعر يتراوح بين 38500 و39500، ما يعني أنهم “ثبّتوا” عمليات شراء للدولار على أساس سعر أعلى بكثير من السعر الحقيقي.
يشبّه الصراف هذه العمليات بلعبة القمار، فإما “تُصيب” مع الشاري وإما تخيب، مشيراً إلى أن هذه اللعبة خابت مع بعض الصرّافين. وهو سبب اتهام بعضهم البعض بخفض ورفع سعر السوق بهدف تصفية أعمالهم.