في المراحل الأولى من جائحة كوفيد – 19، كان هناك صمت طويل في الوقت الذي أخذت فيه بعض شركات الأدوية الرائدة في العالم تتفكر في تاريخ طويل وغير مربح من الاستجابة لتفشي الأمراض المعدية.
تم تحديد أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا في الصين في أواخر كانون الأول، ووصلت العدوى إلى الولايات المتحدة في 21 كانون الثاني وإلى أوروبا بعد ثلاثة أيام. مع ذلك لم تعلن بعض أكبر مجموعات الأدوية عن نيتها العمل على ابتكار لقاح حتى منتصف آذار.
في البداية كانت شركتا “فايزر” و”ميرك” من بين الشركات المترددة في المشاركة، وفقا لبيتر هيل، المدير التنفيذي لمؤسسة أبحاث اللقاحات في واشنطن، التي تعمل بانتظام مع أكبر المشاركين في الصناعة. تحدث هيل عن جو من “التردد الشديد” في الأسابيع الأولى من الجائحة.
في مواجهة الحاجة إلى تطوير لقاح وفقا لجدول زمني متسارع، وتحت إشراف تدقيق هائل من الجمهور وربما من دون ربح، بدا الطريق أمام الشركات محفوفا بالمخاطر.
بعد عشرة أشهر من ذلك، تعمل 202 شركة على تطوير لقاحات، وهناك 47 منتجا قيد التجارب السريرية، والفوائد التجارية لما كان يبدو سابقا أنه مسعى إيثاري بحت باتت الآن أكثر وضوحا.
في 9 نيسان أعلنت شركة “فايزر” في النهاية أنها ستعمل على لقاح بالشراكة مع “بيونتيك” التي يوجد مقرها في مدينة “ماينز” الألمانية – وهو تعاون حقق نجاحا كبيرا. ارتفعت الأسهم في الشركتين 7.7% و13.9% على التوالي، في الإثنين من الأسبوع الماضي، على خلفية أخبار تفيد بأن لقاحهما، المستند إلى تكنولوجيا “mRNA” الرائدة، أثبت فعاليته بنسبة تزيد على 90% في التجارب السريرية.
رفضت شركة “فايزر” التعليق على موقفها في الأسابيع الأولى للوباء، لكنها سلطت الضوء على بيان في آذار من كبير الإداريين العلميين في الشركة، عندما دعا شركات الأدوية إلى العمل معا لمواجهة الفيروس. قالت شركة “ميرك” إنها بدأت استكشاف الأدوية المضادة للفيروسات المحتملة في كانون الثاني، على الرغم من أن الشركة لم تعلن عن عملها على لقاحين إلا في أواخر أيار.
في حين أن الحسابات التجارية للانضمام إلى سباق اللقاحات كانت مختلفة بالنسبة لشركات مختلفة، قال خبراء إن هناك عاملين زادا من الجاذبية بشكل أساسي بعد تلك الأسابيع الأولى: الحجم الهائل للوباء والمستويات غير المسبوقة من التمويل العام.
سوق المستقبل
في حالات تفشي فيروسية سابقة – مثل “زيكا” و”سارس” – تراجعت الأمراض بسرعة كبيرة، تاركة الشركات التي حاولت صنع لقاح تخسر المال في العملية.
قال جاري نابل، الذي استقال من منصب كبير الإداريين العلميين في “سانوفي” هذا الشهر لتشكيل شركة ناشئة جديدة: “بعد أن استثمرت الشركات عشرات ومئات الملايين من الدولارات، وأوقفت مؤقتا برامج أخرى ذات أولوية عالية، شعرت وكأنها مثل عروس تخلى عنها زوجها ليلة الزفاف”.
في المقابل، الأدلة المتزايدة في أواخر كانون الثاني على أن فيروس سارس-كوف -2 يمكن أن ينتشر عن طريق الانتقال من شخص إلى آخر، أشارت إلى انتشار وباء – وسوق مبيعات – أكبر بكثير مما كان يعتقد سابقا.
يعتقد كثير من الخبراء الآن أن كوفيد – 19 سيصبح مستوطنا ويتكرر في البشر لأعوام مقبلة. هذا يعني أنه حتى بالنسبة للشركات التي تعهدت بعدم تحصيل ربح أثناء الوباء، مثل “أسترا زينيكا” و”جونسون آند جونسون”، فقد تكون هناك سوق كبيرة للأمصال والجرعات المعززة اعتبارا من وقت مبكر ربما يكون منتصف 2021. لم تلتزم شركات أخرى، مثل “فايزر” و”بيونتيك”، بنموذج غير هادف للربح خلال الوباء، حيث قدر محللون أن الشركتين ستحققان مجتمعتين إيرادات تبلغ 3.5 مليار دولار في العام المقبل وحده.
كنموذج لسوق كوفيد – 19 المحتملة، يشير محللون إلى لقاح الإنفلونزا، بمتوسط مبيعات عالمية يقدر بنحو أربعة – خمسة مليارات دولار سنويا، يتم تقاسمها إلى حد كبير بين “سانوفي” و”غلاكسو سميث كلاين” و”سيكيروس”.
توقع جيفري بورجيس، وهو محلل في” بنك إس في بي ليرينك”، أن يكون هناك 9.56 مليار دولار من المبيعات العالمية من لقاحات كوفيد – 19 في 2021، تنخفض إلى 6.8 مليار دولار بحلول 2023. رغم أنه أقر بأن أي تقدير للسوق المتوطنة في الوقت الحالي هو “تخمين جامح” نظرا لأن العلماء لا يعرفون إلى متى ستستمر المناعة الناتجة عن اللقاح.
استثمار مذهل
المحفز الثاني كان الاستثمارات المكثفة وغير المسبوقة من الهيئات العامة، وعلى الأخص حكومة الولايات المتحدة، التي قللت من مخاطر البحث والتطوير، وفقا لما قاله هيل. “مئات الملايين من دولارات الولايات المتحدة ألقيت على عدد من هذه الشركات بطريقة أذهلتها تماما”.
بالنسبة إلى كثير من شركات الأدوية التي اعتادت أن تتحمل فواتير الاستثمار عالي المخاطر في البحث والتطوير والتصنيع، أشار هيل إلى أن مليارات الدولارات من الأموال الحكومية كانت بمنزلة تغيير كبير في طريقة التفكير الحالية.
“عملية السرعة الخاطفة” من الحكومة الأميركية، وفرت لعدد من الشركات مليارات الدولارات من خلال استثمارات المرحلة المبكرة واتفاقيات الشراء، “أسترا زينيكا” (1.2 مليار دولار)، و”جونسون آند جونسون” (1.5 مليار دولار)، و”موديرنا” (ملياري دولار)، و”نوفافاكس” (1.6 مليار دولار)، و”فايزر” (1.95 مليار دولار)، و”سانوفي/جلاكسو سميث كلاين” (ملياري دولار).
بالنسبة لبعض الشركات، مثل “موديرنا” للتكنولوجيا الحيوية – مقرها بوسطن – أشار ديفيد ميتشل، مؤسس منظمة “مرضى من أجل أدوية يمكن دفع قيمتها” “Patients for Affordable Drugs”، وهي مجموعة حملات أميركية، إلى أن الحكومة كانت فيما يبدو تدفع مقابل كل شيء.
قال: “هذا يعني أن أي شيء يزيد على تكلفة السلعة هو ربح خالص لهذه الشركات. ادعاؤهم الذي يتقدمون به كثيرا من أنهم بحاجة إلى فرض أسعار عالية بسبب المخاطر التي ينطوي عليها تطوير عقاقير جديدة لم يعد صالحا”.
أضاف: “نحن نجعل المجتمع يتحمل كل المخاطر ونجعل الشركات الخاصة تحصل على كل الأرباح”. لم تستجب “موديرنا” لطلب التعليق.
التحقق من صحة التكنولوجيا
بالنسبة لشركات الأدوية الصغيرة، أتاح الوباء أيضا فرصة تحصل مرة واحدة في العمر لإثبات جدوى تكنولوجياتها.
قال نابل، كبير الإداريين العلميين السابق في “سانوفي”: “أصعب شيء عليك فعله بوصفك عالما هو اقتحام لقاحات جديدة بتكنولوجيات جديدة. هناك مخاطر غير معروفة وإخفاقات في المراحل المتأخرة، لذلك بالنسبة للشركات الصغيرة، فرصة أن تقدم لقاحا للأمام مع الكثير من الإعانات، وطريقا سريعا إلى العيادة، هي فرصة هائلة”.
لدى “موديرنا” مجموعة من لقاحات الجهاز التنفسي الأخرى. ويتوقع محللون أنه إذا كان لقاح كوفيد الذي توصلت إليه ناجحا – يستخدم تكنولوجيا mRNA مماثلة للقاح “بيونتيك-فايزر” – فقد يفتح المجال أمام الاستثمار وموافقات تنظيمية لأجزاء أخرى من محفظة اللقاحات في الشركة. ارتفع سعر سهم “موديرنا” 7.3% مطلع الأسبوع المضي بعد إعلان “بيونتيك-فايزر”.
بعد أن خسرت شركة “نوفافاكس” الأميركية للتكنولوجيا الحيوية كل شيء تقريبا، فإن أي شيء تحققه أيضا سيكون مكسبا لها، وفقا لبورجيس، من “بنك إس في بي”. أمضت “نوفافاكس” أعواما في محاولة تطوير لقاحات لأمراض الجهاز التنفسي، لكن دون نجاح يذكر.
في 2019، كادت الشركة أن تشطب من بورصة “ناسداك” بعد أن أعلنت أن تجربة لقاح ثانية لم تنجح خلال أقل من ثلاثة أعوام وانخفض سعر سهمها إلى أقل من دولار. لكن يبدو أن لقاحها المضاد لكوفيد – 19 قد يكون الأفضل في فئته استنادا إلى بعض المقاييس الرئيسة، وفقا لنتائج اختبارات القردة والاختبارات المبكرة على البشر، وعاد سهمها إلى ما يزيد على 85 دولارا.
اعترف الدكتور غريغوري غلين، رئيس قسم البحث والتطوير في “نوفافاكس”، بأن الشركة كانت “في حالة سيئة”، لكنه قال إنه يعتقد أن لقاح كوفيد – 19 سيثبت صحة الكثير من أعمال الشركة الأخرى.
فرصة من أجل الخلاص
بالنسبة للشركات الأكبر، التي تلوثت سمعتها بفعل كثير من الفضائح التي تنطوي على قضايا مثل تسعير الأدوية والتسويق غير الأخلاقي، قد يقدم كوفيد – 19 أيضا فرصة للخلاص.
قال بروس أيلوارد، وهو عالم أوبئة يعمل على كوفيد – 19 في منظمة الصحة العالمية: “المساعدة على إخراج العالم من هذا الوباء فرصة رائعة لهم لتحقيق أثر مهم”.
وفقا لمسح أجرته مؤسسة “غالوب”، تبين أن صناعة الأدوية كان ينظر إلىها العام الماضي على أنها أسوأ القطاعات في الولايات المتحدة، جاءت في مرتبة أدنى من شركات النفط والغاز والإعلان. الآن تتم مناقشة شركات الأدوية على موائد العشاء واللقاءات العرضية في مختلف أنحاء العالم، لارتباطها بأكبر جهد عالمي لإنقاذ البشرية من مرض مميت.
إذا كانت هناك مشكلة في السلامة تم التغاضي عنها في لقاح ذي مسار سريع وتسببت في وفاة أو مرض شديد، فإنها ستكون كارثية بالنسبة للشركة المصنعة، لكن حدوث مثل هذه المشكلة مستبعد إلى حد بعيد للغاية – لم يتم رصد مشكلات سلامة كبيرة في أي من اللقاحات المرشحة حتى الآن. “خسارة السباق” والخروج بلقاح أقل فعالية بشكل هامشي سيظل مع ذلك أمرا إيجابيا صافيا.
قال بورجيس: “أعتقد أنهم يحصلون على الثناء على الأقل لمحاولتهم اكتشاف لقاح. طالما أنهم يتسمون بالشفافية والأخلاق، سيتم الصفح عنهم ويعطون فرصة”.
أظهر استطلاع في الولايات المتحدة أن صناعة الأدوية كان ينظر إليها العام الماضي على أنها أسوأ القطاعات، خلف النفط والغاز والإعلان