صناع القرار والسياسيون يروجون ويسوقون للذكاء الاصطناعي، بالقول إن تطبيقاته ستعزز من قدرات البشر، ولن تحل محلهم، وإن الحياة ستصبح أطول وأكثر سعادة بفضل الخوارزميات. إنها قصة مطمئنة، ولكنها لسوء الحظ مضللة أيضا.
ما رآه أرسطو مستحيلا، أصبح ممكنا. اليوم أكثر من أي وقت مضى نحن على أعتاب العصر الذي ستنسج فيه الأنوال دون تدخل من البشر، وتسوق الشاحنات والسيارات ذاتها. كل شيء سيتحرك وينتج بواسطة شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي. وهذا لن يحرر العبيد. لأن العبيد استبدلوا بالعمال والموظفين والحرفيين والأخصائيين والفنانين والمحامين والأطباء. وهم مهددون جميع بفقدان فرص عملهم.
جامعة ستانفورد الأميركية تستضيف حدثًا هاما في الخامس والعشرين من هذا الشهر بعنوان “زيادة الذكاء: الذكاء الاصطناعي يمكّن الناس من حل التحديات العالمية”. هذا العنوان نموذج مثالي للتغاضي عن الآثار والندوب العميقة التي سيخلفها الذكاء الاصطناعي.
إذا أردنا أن نكون على استعداد للتأثيرات التي سيحدثها الذكاء الاصطناعي على المجتمع في السنوات القادمة، من المهم أن نكون أكثر وضوحًا بشأن هذه المسألة.
بيع الأوهام والحديث عن فرص عمل جديدة قائمة على المهارات، لن يحل مشكلة التشغيل. ومع ذلك ليس صعبا فهم سبب تقبل الناس لصورة جذابة عن المستقبل، يكون فيها التأثير الأساسي للذكاء الاصطناعي زيادة فرص العمل ودعم النشاط البشري.
فقدان الوظائف بسبب الأتمتة بقدر ما هو احتمال مخيف، هو أيضا سلعة جذابة يمكن للسياسيين توظيفها. دعونا نبسط الموضوع. يمكن لرجال الأعمال والسياسيين أن يربحوا الكثير من خلال إقناع الآخرين بالاعتقاد بأن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل البشر في الوظائف، بل سيكملهم. لم تعد الوظيفة عبودية كما كان الحال أيام أرسطو، بل هي ضرورة من الضروريات الاجتماعية والسياسية الأساسية. وبالتالي، فإن أي نشاط أو سلوك يهدد من مستقبل التشغيل هو نشاط خاسر في العلن.
“الذكاء الاصطناعي سيقرب البشر والآلات من بعضهما البعض ويخلق فرصا جديدة للعمل”، هذه الرواية تتردد على لسان عدد لا يحصى من الرؤساء التنفيذيين في السنوات الأخيرة. فالأمر حسب هؤلاء “لا يتعلق بالآلات التي تحل محل البشر، ولكن بالآلات التي تزيد من إنتاجية البشر. يتمتع البشر والآلات بنقاط قوة ونقاط ضعف نسبية مختلفة، وبدمج هذين الاثنين ستزيد العمليات الإنتاجية والتجارية إلى 100 ضعف وأكثر في السنوات القادمة”.
الخوف من فقدان الوظيفة سيطال الجميع، وستعاني منه مختلف الطبقات الاجتماعية، ولن تنجو من آثاره أي منطقة جغرافية، وسنجد تطبيقاته في مختلف الصناعات والمهن؛ من أبسطها إلى أكثرها تعقيدا؛ من سائق سيارة الأجرة إلى المحامي، ومن أمين صندوق بسيط في شركة حكومية إلى سماسرة الأوراق المالية، ومن التمرجي إلى أخصائيي علم الأمراض.
هناك مقولة ذكية حول العلاقة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي تقول “مع تحسن الذكاء الاصطناعي في معرفة الإجابات الصحيحة، سيكون الدور الأكثر أهمية للبشر هو معرفة الأسئلة التي يجب طرحها”.