تطرقت لجنة المال والموازنة في جلستها الاخيرة التي تدرس بنود الموازنة الى موضوع الرسوم المستحدثة في مشروع الموازنة حيث قامت بتعديل جزء كبير منها معتبرة انها زيادات عشوائية من دون معايير واضحة لا تعتمد على مؤشر تضخم موحّد. فكلّ وزارة أعدّت رسومها الخاصة من دون معيار موحّد، فجاءت النتيجة في مشروع الموازنة ان جزءاً من الرسوم زاد 30 ضعفاً وجزءاً 40، وآخر 60 وحتّى 100 ضعف وفقاً لمزاج كلّ وزارة او ادارة! علماً انه سبق ان طُرح في اللجان ان تكون الرسوم متحركة وغير ثابتة ومرتبطة بمؤشر اسعار الاستهلاك الصادر عن ادارة الاحصاء المركزي كونه المؤشر الرسمي الوحيد المعتمد، لتكون بذلك تواكب ارتفاع او انخفاض سعر صرف العملة المحلية بعد انهيارها.
وبما ان السلطة بالكاد تستطيع اقرار موازنة سنوية، وبالتالي هي عاجزة عن اقرار موازنات فصلية كما تفترض أزمات البلاد، فان ربط الرسوم بمؤشر متحرك أمر واقعي لمواكبة نسب التضخم صعوداً ونزولاً. لكنّ هذا الاقتراح لم يتم التوافق عليه بالكامل، وعادت لجنة المال والموازنة وعدّلت كافة الرسوم التي تمّت زيادتها بمشروع الموازنة، وثبّتتها وفق معيار واحد، هو مؤشر اسعار الاستهلاك كحدّ اقصى.
الحاج: حد أقصى 46 ضعفاً
وأوضح النائب رازي الحاج في هذا الاطار، ان اللجنة قررت تعديل الرسوم وليس بشكل عشوائي كما وردت في مشروع الموازنة، على ان تكون الزيادة بالاسعار بالحدّ الاقصى 46 ضعفاً وهي نسبة الزيادة في مؤشر أسعار الاستهلاك. وبالتالي فان معظم الرسوم تمّ رفعها 46 ضعفاً بالحد الاقصى وليس 60 ضعفاً لتواكب سعر الصرف الحقيقي (90 ألف ليرة)، باستثناء بعض الرسوم التي ستؤثر زيادتها سلباً على الاستهلاك وعلى الاقتصاد، حيث اشار الحاج الى ان اللجنة قررت زيادتها بنسب متفاوتة تقلّ عن 46 ضعفاً، وفقاً لتأثير كلّ منها على المستهلك وعلى الاقتصاد ككلّ. ان نسب الزيادات على الرسوم التي تؤثر بشكل مباشر او غير مباشر على المستهلك وعلى النمو الاقتصادي قد تراوحت زيادتها بين 10 و40 ضعفاً، حيث قررت اللجنة في ما يتعلّق بالرسوم البلدية على سبيل المثال، زيادة الرسم السكني 10 أضعاف وغير السكني 15 ضعفاً…
عون: رفض الربط بمؤشر الاستهلاك
في المقابل، أوضح النائب آلان عون ان اللجنة أقرّت رفع الشطور التي يتم احتساب الضرائب وفقها، 60 ضعفاً لتواكب سعر الصرف الحالي (90 ألف ليرة)، وتم تثبيتها بعد ان رُفض ايضاً اقتراح ربطها بمؤشر اسعار الاستهلاك، مشيراً الى ان الشطور عادت الى ما كانت عليه قبل الازمة وعلى قيمتها القديمة بالدولار. موضحاً ان الرسوم عُدّلت وفق معيار موحّد بحدّ اقصى للزيادة يبلغ 46 ضعفاً بعدما كانت عشوائية وغير مبنيّة على قاعدة معيّنة ضمن مشروع الموازنة.
الأسمر: تعديل الرواتب أولاً
ومع اقرار زيادة الرسوم 46 ضعفاً، اعتبر رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر ان رفع الرسوم بما يوازي نسبة انهيار الليرة اي 60 ضعفاً او كما اقرّته اللجنة 46 ضعفاً مواكبة لمؤشر اسعار الاستهلاك سيكون كارثياً على المواطن والمستهلك والمكلف الذي يكون دائماً ضحية المعالجات العشوائية المتخذة من قبل السلطة، داعياً لربط الحدّ الادنى للاجور بمؤشر اسعار الاستهلاك ونسبة التضخم قبل الحديث عن ربط الرسوم وقبل اقرار زيادة الرسوم! مع الاشارة الى ان الحدّ الادنى للاجور رُفع الى 9 ملايين ليرة في نيسان 2023 اي ما يعادل اليوم 100 دولار، بعد ان كان قبل الازمة يبلغ 450 دولاراً وكانت الاقتراحات تطالب برفعه الى 800 دولار!
رمال: إعتمدوا معايير متفاوتة
في هذا الاطار، اوضح عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال ان لجنة المال والموازنة عدّلت وصحّحت وألغت عدداً كبيراً من الرسوم والضرائب الواردة في مشروع موازنة 2024، إلا انها أيضاً لم تعتمد معياراً موحّداً بل معايير نسبية حيث زادت بعض الرسوم 10 أضعاف واخرى 15 او 30 وصولاً الى 46 ضعفاً. معتبراً ان رفع الرسوم 46 ضعفاً، ولو انه لا يوازي سعر الصرف الحقيقي، أمر غير مقبول وسيؤثر بشكل سلبي كبير على الاقتصاد والمستهلك الذي لم يرتفع مدخوله بالنسبة ذاتها، كون الرواتب والاجور إن كان بالقطاع العام او الخاص لم ترتفع 46 ضعفاً!
ما هو المعيار؟
وفيما أكد رمال ضرورة زيادة الرسوم التي لم يعد احتسابها على سعر الصرف الـ1500 ليرة مقبولاً، سأل: على أي أساس او معيار اقتصادي تمّ رفع الرسوم والضرائب؟ ألا يجب ان يكون المعيار حجم الاقتصاد ومداخيل المواطنين؟
أضاف: لا يمكن اعتماد مؤشر اسعار الاستهلاك كمعيار فقط لرفع الضرائب والرسوم من دون ان يتم اعتماده معياراً لرفع الرواتب والاجور. علماً ان الطريقة الاقتصادية لاحتساب نسبة رفع الرسوم والضرائب يجب ان تعتمد على حجم الاقتصاد الذي تراجع من 55 ملياراً الى 20 مليار دولار، وعلى حجم اعمال القطاع الخاص الذي تراجع بمعدل 50% وعلى الرواتب والاجور التي انخفضت قيمتها 80%. أي ان المعادلة بسيطة جدّاً عبر اعتماد النسبة التي كانت تستوفيها الدولة من ايرادات الضرائب والرسوم عندما كان حجم الاقتصاد 55 مليار دولار واحتسابها على حجم الاقتصاد حالياً (20 مليار دولار)، من اجل تحديد نسبة الزيادة التي يجب تطبيقها على مختلف الضرائب والرسوم.
وشرح ان زيادة الرسوم 46 ضعفاً تعني احتساب سعر صرف الليرة مقابل الدولار عند 60 ألفاً، مما يطرح سؤالاً بديهياً: هل يتم تسديد الرواتب على دولار الـ60 ألف ليرة؟ هل زادت الاجور 46 ضعفاً؟
تحفيز المكلفين
تدافع لجنة المال والموازنة عن قرارها رفع الرسوم 46 ضعفاً، بذريعة ان الرسوم (ميكانيك، الرسوم السكنية، مياه وغيرها…) تُسدد سنوياً وليس شهرياً، «لكنّ قيمة كلّ رسم من تلك الرسوم أصبحت تعادل راتب شهرين للموظف، وبالتالي لن يكون بمقدوره تسديد كافة الرسوم المتوجبة عليه سنوياً لانها ستصبح مجتمعة تفوق قدرته الشرائية.
وقال رمال انه بدلاً من العمل على رفع الرسوم والضرائب بشكل عشوائي لتأمين الايرادات، يجب على السلطة اقرار تحفيزات ضريبية للاستثمارات الخارجية من اجل جذب التدفقات المالية ومن اجل تحفيز المكلّفين على تسديد متوجباتهم الضريبية وتحفيز المتهرّبين على التصريح عن اعمالهم. واعطى مثالاً على ذلك، تهافت المكلّفون على تسديد متوجباتهم من رسوم وضرائب متراكمة عندما انهار سعر الصرف، لانها أصبحت ضمن قدرتهم الشرائية، ما يعني ان المواطن يملك ثقافة الالتزام بتسديد متوجباته للدولة عندما تكون تلك المتوجبات ضمن قدرته الشرائية ولا تنافسه على تأمين غذائه ودوائه!