انتهى المؤتمر الدولي الذي جمَع الأطراف الفاعلين في الملف الليبي في برلين، يوم أمس، إلى الاتفاق على جملة مقرّرات، لعلّ أبرزها ما يتعلّق بالنفط الليبي، محلّ الصراع، والذي كان له حيّز بارز في البيان الختامي للمؤتمر
بندٌ رئيس كان محلّ إجماع دوليّ في مؤتمر برلين: حماية النفط الليبي؛ وبينما فشِل المجتمعون في لمّ شمل طرفَي النزاع الداخليين، توافقوا على ما اعتبروه «توزيعاً عادلاً وشفافاً لعائدات النفط»، شرط الاعتراف بـ«المؤسّسة الوطنية للنفط» باعتبارها الكيان الوحيد المسموح له ببيع الخام، ودعوا جميع الأطراف إلى «الامتناع عن الأعمال العدائية ضد المنشآت النفطية». توازياً مع انطلاق أعمال القمة، لجأت قوات المشير خليفة حفتر إلى إغلاق جميع حقول النفط الرئيسة في البلاد، ما سيقلّص الإنتاج من 1.2 مليون برميل يومياً إلى 72 ألفاً في غضون أيام قليلة، وفق المؤسّسة الرسمية، في تصعيدٍ أرخى بثقله على القمة، واعتبره رئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق»، فائز السرّاج، «ورقة ضغطٍ» يستغلّها حفتر بعد فشله عسكرياً.
وبمشاركة كل من من الولايات المتحدة، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا، والصين، وألمانيا، وتركيا، وإيطاليا، ومصر، والإمارات، والجزائر والكونغو، إضافة إلى الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، وممثِّلي النزاع الليبي فائز السراج وخليفة حفتر، اتفق المشاركون في مؤتمر برلين على ثلاثة مسارات متوازية لحل الأزمة الليبية، تشمل المجال العسكري والاقتصادي والسياسي؛ في الأول، اتفق المجتمعون على تشكيل لجنة عسكرية مؤلّفة من عشرة مسؤولين عسكريين من الطرفين الليبيين المتقاتليْن، خمسة من كل طرف، من أجل تعزيز الهدنة، تدرس آليات مراقبة وقف دائم وفعّال لإطلاق النار، على أن يجري تعيين أعضائها خلال أيام. أما الثاني، فانطلق منذ مدة، وبدأ بالنظر في النقاط الأساسية المتعلّقة بإصلاح البنك المركزي والمؤسسات الاقتصادية الليبية، وكل ما يتعلق في هذا المجال. وكشف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، أنه ستجرى أيضاً مشاورات من أجل العودة إلى مسار العملية السياسية في ليبيا، داعياً الأطراف الدولية والإقليمية إلى الامتناع عن تأجيج النزاع والالتزام بقرارات حظر توريد السلاح إلى ليبيا الذي تفرضه المنظمة الدولية منذ عام 2011. وجاء في البيان الختامي أن لا «حلّ عسكرياً» للنزاع، وفق ما أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مؤتمر صحافي مشترك مع غوتيريس، ومبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا غسان سلامة. وما يبدو تحقيقه مستحيلاً على الأرض، صار ممكناً في بيان «قمة برلين»، خصوصاً بعد إشارة الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن «جميع المشاركين التزموا بعدم التدخل بعد اليوم في النزاع المسلح أو في الشؤون الداخلية لليبيا».
قرقاش: «تهميش الدور العربي كما هو الحال في سوريا درسٌ قاسٍ لن يتكرّر»
الإمارات، صاحبة الدور البارز في النزاع، أشار وزير دولتها للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، إلى أن «تهميش الدور العربي، كما هو الحال في سوريا، درسٌ قاسٍ لن يتكرّر»، مؤكداً أن بلاده تدعم حلّاً سياسياً في ليبيا. وفيما وصفه وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، بأنه «نقطة انطلاق» من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار ووقف واردات السلاح التي تسارعت مع هجوم حفتر على طرابلس في نيسان/ أبريل الماضي، رأى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن المؤتمر «خطوة صغيرة إلى الأمام مقارنة بما حدث خلال اجتماعات موسكو» الأسبوع الماضي، عندما رفض حفتر التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار، متعلّلاً بالحاجة إلى مزيد من الوقت. وقبيل انطلاق أعمال المؤتمر مساء أمس، شهدت برلين قمّة تركية ــ روسية، اتفق خلالها الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، على أن «الجهد المشترك» لبلديهما حقّق هدوءاً نسبياً على الأرض، «لكننا سنجني الثمار الأساسية لمبادراتنا مع انعقاد قمّة برلين»، وفق الرئيس التركي، الذي أكّد ضرورة ضمان قبول الأطراف الليبيين بوقف إطلاق النار والعودة إلى العملية السياسية، ما يعني «وضع حدّ للموقف العدواني الذي يتبنّاه حفتر من أجل تنفيذ المسار السياسي ومراحل الحلّ الأخرى في ليبيا».
قوات حفظ سلام؟
تبلورت فكرة إرسال قوات دولية لمراقبة الهدنة في ليبيا، خصوصاً بعد ترحيب السرّاج بالمقترح، وإعراب كل من إيطاليا وألمانيا عن استعدادهما لإرسال قوات أوروبية لدعم «السلام» في البلاد. وفيما تسعى واشنطن وراء «آلية مراقبة موثوق بها»، بحسب تغريدة لوزير خارجيتها، مايك بومبيو، فإن الاتفاق على وقف النار قد يشمل إرسال قوات سلام للفصل بين طرفي النزاع، ولكن ذلك لن يتحقّق إلا بقرار من مجلس الأمن الدولي. ومنذ عام 2014، لم تكن أوروبا مهتمة كثيراً بالحضور عسكرياً في ليبيا، إلّا في إطار محدود متعلِّق أساساً بعملية «صوفيا» البحرية لمكافحة الهجرة غير الشرعية نحو السواحل الإيطالية. لكن دخول الروس والأتراك على خطّ الأزمة، ونجاحهما في إقناع طرَفي النزاع بوقف إطلاق النار، أظهرهما كأبرز الفاعلين في الملف الليبي، ووضع دول الاتحاد الأوروبي، خصوصاً فرنسا وإيطاليا على هامش الصراع، رغم الأهمية الاستراتيجية التي تمثلها ليبيا بالنسبة إلى أوروبا، سواء من ناحية الهجرة غير الشرعية أو الطاقة أو الأمن ومكافحة الإرهاب. وهذا ما يفسر الحماسة المفاجئة لدول الاتحاد لإرسال «قوات سلام» إلى هذا البلد، إذ دعا وزير خارجية الاتّحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الأوروبيين إلى «تجاوز انقساماتهم» والمشاركة على نحو أكبر في إيجاد حلٍّ لإنهاء النزاع. وقال في مقابلة مع مجلّة «در شبيغل»: «يجب على الاتحاد الأوروبي أن يكون مستعداً للمساعدة في تنفيذ وقف إطلاق النار هذا ومراقبته، ربّما من خلال جنود في إطار مهمّة للاتحاد الأوروبي». وعشية المؤتمر الدولي، دعا السرّاج إلى إرسال قوة دولية إلى بلاده. وقال في مقابلة مع صحيفة «دي فيلت» الألمانيّة: «إذا لم يُنه خليفة حفتر هجومه، فسيتعيَّن على المجتمع الدولي التدخّل عبر قوّة دوليّة لحماية السكّان المدنيّين الليبيّين»، مضيفاً: «سنرحّب بقوّة حماية، ليس لأنّه يجب أن نكون محميّين بصفتنا حكومة، بل من أجل حماية السكّان المدنيّين الليبيّين الذين يتعرّضون باستمرار للقصف منذ تسعة أشهر».