يعقد مجلس النواب جلسة تشريعية اليوم، على جدول أعمالها 16 بنداً من مشاريع واقتراحات القوانين التي أنجزتها اللجان النيابية، من بينها البند الثامن حول اقتراح قانون «الصندوق السيادي اللبناني» الذي أقرّته اللجنة النيابية الفرعية للصندوق السيادي للنفط والغاز، بدمج 4 اقتراحات قدّمها كل من: «تكتل لبنان القوي»، «اللقاء الديموقراطي»، «التنمية والتحرير» و«الجمهورية القوية»
فيما أُريد لاقتراح قانون «الصندوق السيادي» أن يحدد «قدرة لبنان على المستوى التشريعي والقانوني بمعايير دولية وبشفافية مطلقة وباستقلالية وحيادية لا يحدّها سوى مسألة الملك العام وعلاقة هذا الصندوق بالدولة»، بحسب رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، بدا أن صيغة الاقتراح التي أحيلت إلى الهيئة العامة – ويبدو أنها تحظى بدعم أميركي يؤمّن لها تأييداً واسعاً في المجلس – بعيدة عن الشفافية والاستقلالية والحيادية، وأقرب إلى الانغماس في المحاصصة المعهودة.فقد اعتمدت اللجنة الفرعية صياغة دمجت فيها بين أربعة اقتراحات، كاعتمادها الصياغة الواردة في المادة 3 من مشروع «القوات اللبنانية» المتعلقة بـ«إنشاء صندوق سيادي مستقل في لبنان، يسمى الصندوق السيادي اللبناني، يتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلالَين الإداري والمالي»، ما يفتح باب التكهّنات والتفسيرات المتضاربة حول مفهوم «الاستقلال». كذلك نصّ الاقتراح على الاستعانة بمؤسسات دولية خاصة لاقتراح أسماء رئيس وأعضاء مجلس الإدارة، ما يناقض السيادة الوطنية ومبدأ استقلالية الصندوق، ويخضعه منذ نشوئه لسلطة وصاية أجنبية مبطنة. كما أن ترك موضوع اللجان والوحدات الإدارية لصلاحية مجلس الإدارة يتنافى مع أهمية الصندوق السيادي الذي ينبغي أن يُشكّل عبر قانون تُحدّد فيه جميع الملاكات والوحدات الإدارية مسبقاً. وفيما لا تضمن فقرات الاقتراح أن تكون الحوكمة خاضعة لأجهزة الرقابة الرسمية، يُسجّل على الاقتراح أنه يقرّ إنشاء محفظة جديدة باسم «محفظة التنمية» تحوّل إليها العائدات الضريبية، وهذا ما لا يرى المتخصصون حاجة إليه، وخصوصاً أنه يخالف مبادئ الموازنة العامة للدولة. فضلاً عن أن تحديد أن حجم استثمارات الصندوق في الخارج يجب ألّا تقلّ عن 75%، يضع الصندوق تحت وصاية خارجية، ولا يؤدي إلى خلق فرص عمل وتحرير الاقتصاد، ويعرّض هذه الاستثمارات وعوائدها لخطر الحظر والعقوبات والمصادرة، وهو ما حدث مع دول كبرى؛ آخرها روسيا (أكثر من 300 مليار دولار).
وتتبيّن مكامن الخلل لدى تفنيد بعض مواد الاقتراح وبنوده، كما في ما يتعلق بتبعية الصندوق لمجلس الوزراء مجتمعاً، إذ ينبغي أن تكون سلطة الوصاية لوزارة المالية (كما مصرف لبنان). ويتضمن الاقتراح «إنشاء الصندوق السيادي اللبناني كمؤسسة عامة ذات طابع خاص، لا تخضع لقواعد الإدارة وتسيير الأعمال والرقابة التي تخضع لها مؤسسات القطاع العام، كونه يدير موارد بترولية تعود ملكيتها للدولة اللبنانية، إنما تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلالين المالي والإداري وبأوسع الصلاحيات التي تحقق هذين الاستقلالين عن تدخل السلطة السياسية، وربطه قانونياً بمجلس الوزراء بما يحفظ مبدأ وحدانية الدولة بحده الأدنى، إنما بعيداً عن أية وصاية سياسية أو إدارية بالمفهوم الذي ساد في الفترة السابقة ومارستها السلطة التنفيذية سابقاً من خلال وصايتها». وما يثير التساؤلات هو عدم تحديد مفهوم مبدأ «ذات طابع خاص»، ولماذا «لا تخضع لقواعد الإدارة وتسيير الأعمال والرقابة»، ما يجعلها أقرب إلى المبادئ والقواعد التي يعمل بموجبها المصرف المركزي.
واللافت هو ما ورد في المادة السابعة من الفصل الثالث (حوكمة الصندوق وهيكليته) التي تنص على أن يتألف مجلس إدارة الصندوق من أصحاب الكفاءات والاختصاصات المرتبطة بعمل الصندوق المالية والاقتصادية والقانونية الذين تتوفر فيهم مجموعة من الخبرات، ومنها أن يكونوا أصحاب «خبرة عالمية تشغيلية لا تقلّ عن عشر سنوات في بنية تحتية أو أصول عقارية أو أسهم خاصة ذات رأس مال لا يقلّ عن مليار دولار». وهو شرط ينطبق فقط على عدد ضئيل ممّن من سبق أن عملوا في محافظ ومؤسسات مالية أميركية أو تحت سلطة أميركية.
وحصر الاقتراح تقييم كفاءة المرشحين، وبالتالي المؤهلين لرئاسة وعضوية مجلس الإدارة، بمؤسسات توظيف دولية يستعين بها مجلس الخدمة المدنية. وهنا، من البديهي السؤال عن «الحكمة» في أخذ رأي «مؤسسات توظيف دولية» في «صندوق سيادي وطني»، وما هو دور مجلس الخدمة المدنية في هذا الملف الوطني؟
كذلك ينص الاقتراح على «إخضاع حسابات الصندوق وأداء إدارته لرقابة ديوان المحاسبة المؤخّرة» ما يفتح المجال أمام ارتكابات مسبقة، على أن تأتي الحلول على الطريقة اللبنانية، فيما كان الأجدر وضع بنود لتطوير التعاون الرقابي بسلاسة، إذ يجب أن تكون الرقابة سابقة ولاحقة محصورة بديوان المحاسبة. كما ينص الاقتراح في فصل «الرقابة» على «إخضاع حسابات الصندوق لتدقيق خارجي من قبل مدقّق حسابات مستقل، أو أكثر، معترف به دولياً»، وهذا الأخطر، إذ لماذا تخضع حسابات الصندوق السيادي لمدقّق خارجي؟ وماذا يمنع رشوته أو تهديده أو إفساده، وخصوصاً أن الشواهد على فساد مؤسسات التدقيق الدولية كثيرة، وللبنان تجربة مع بعضها في التدقيق في حسابات مصرف لبنان. أضف الى ذلك: هل يصحّ فرض رقابة خارجية على صندوق سيادي وطني بدل تعزيز ديوان المحاسبة وأجهزة الرقابة وتحريرها من التبعية للسلطة التنفيذية؟
ويراعي الاقتراح قاعدة 6 و6 مكرر التي أدّت إلى هيكلية ضخمة للصندوق تضمّ 6 مديريات (المديرية القانونية والإدارية، مديرية الاستثمار والمخاطر، مديرية الدراسات والتخطيط، المديرية المالية، مديرية الالتزام والتدقيق، ومديرية الاقتصاد والتنمية)، ما يستوجب توظيفات ضخمة وميزانيات كبيرة ورواتب هائلة وتحديد نسب قبل تحقيق أيّ عائدات، وخصوصاً أن إنتاج البترول (غاز ونفط)، إذا حصل، يحتاج إلى خمس سنوات على أقلّ تقدير، منذ لحظة حفر بئر استكشافية جديدة في الرقعة الرقم 9 عام 2025. فيما كان الأجدر إقرار «قانون رشيق» يضع الإطار العام للصندوق السيادي، والعمل بهدوء على قانون يكون على مستوى ثروات الأجيال القادمة.
أثناء مناقشة اقتراح القانون في اللجنة الفرعية، تردّدت عبارة «زيادة الشفافية بالتوظيف والرقابة لأن اللبنانيين لا يثقون بالإدارة الحالية» بكثافة، لتتمخّض اللجنة عن اقتراح قفز فوق الخلل في مجلس الخدمة المدنية وديوان المحاسبة ووزارة المالية، ولم يعمل على تعزيز وضع هذه الإدارات السيادية، أو تشريع قوانين وإصدار مراسيم ليقوم مجلس الخدمة وديوان المحاسبة ووزارة المالية بدورهم، بل جرى «عجن» اقتراح يعزز «الطريقة اللبنانية» في إدارة المغانم وتقاسمها.