بنت سويسرا دورها كمركز مصرفي للعالم الثري، على سمعة حسن تقدير مؤسساتها للأمور، وحرية التصرف التي تتمتع بها، فضلاً عن موثوقيتها إلى حد كبير. هذا فقط يجعل الفضائح والمعارك القانونية العامة والخسائر المتزايدة في «كريدي سويس غروب»، أكثر لفتاً للأنظار واستعصاءً على الفهم. بحلول منتصف آذار، تحوّل القلق بشأن مشكلات البنك إلى ذعرٍ تام، إذ تراجعت أسهمه، واضطرت إدارته إلى طلب المساعدة من البنك المركزي السويسري.
1) ما الخطأ الذي حدث؟
تضمّنت إخفاقات «كريدي سويس» إدانة جنائية بالسماح لتجار مخدرات بغسل الأموال في بلغاريا، والتورط في قضية فساد في موزمبيق، وفضيحة تجسس تورط فيها موظف سابق ومدير تنفيذي، وتسريب هائل لبيانات العملاء إلى وسائل الإعلام. كما تسببت رغبته في التعامل مع عملاء تجنبتهم بنوك أخرى، مثل الممول الذي لاحقته الفضائح، ليكس غرينسيل، وشركة الاستثمار الفاشلة «أركيغوس كابيتال مانجمنت» (Archegos Capital Management) ومقرها نيويورك، في خسارته مليارات الدولارات، وزادت من الإحساس بأنه مؤسسة لا تحكم قبضتها على شؤونها. سئم العديد من العملاء مما وصل إليه حال البنك، وتركوه، ما أدى إلى تخارجهم بوتيرة غير مسبوقة في أواخر 2022. كانت أفدح الخسائر في إدارة الثروات الآسيوية، والتي كانت لسنوات عديدة مصدراً مهماً لنمو الأرباح.
2) ما الذي تسبب في أحدث هبوط للأسهم؟
أطلق الرئيس التنفيذي للبنك، أولريش كورنر، حملة واسعة النطاق لاستعادة العملاء المذعورين وأموالهم. وبدا أن الجهود بدأت تؤتي ثمارها بحلول كانون الثاني، عندما أعلنت المجموعة عن ودائع «إيجابية صافية». ومع ذلك، شككت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في 9 آذار في التقرير السنوي للبنك، ما أجبره على تأخير نشره. انتشر الذعر بعد انهيار «سيليكون فالي بنك»، المصرف الأميركي الإقليمي الذي أظهر كيف أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى تآكل قيمة حيازات السندات في الصناعة المصرفية. بدأ المستثمرون التخلص من أي شيء تفوح منه رائحة المخاطر المصرفية، وهجرة الودائع.
3) ما مدى سوء الوضع؟
تراجع سهم «كريدي سويس» بنحو 31% في 15 آذار عندما استبعد رئيس «البنك الأهلي السعودي»، أكبر مساهم فيه، زيادة استثماراته في البنك. دفع هذا «كريدي سويس» إلى مطالبة البنك المركزي السويسري بإصدار بيان دعم عام. ارتفعت تكلفة التأمين على سندات البنك ضد التخلف عن السداد لمدة عام إلى مستويات لم يشهدها أحد البنوك الكبرى منذ الأزمة المالية العالمية في 2008. وفي علامة أخرى على الضغوط التي يواجهها البنك، انخفضت سنداته الإضافية من المستوى الأول – التي تقل عن جميع درجات الديون الأخرى ويمكن خفض قيمتها الدفترية إذا انخفض رأس المال إلى ما دون مستوى محدد مسبقاً – إلى أقل من 80% من القيمة الاسمية، وهو مستوى يشير عادةً إلى العسر المالي.
4) ماذا تفعل السلطات السويسرية حيال ذلك؟
إدراكاً منه للتداعيات الاقتصادية المحتملة إذا انهار «كريدي سويس»، عرض البنك المركزي السويسري إقراضه ما يصل إلى 50 مليار فرنك سويسري (54 مليار دولار) وإعادة شراء ما يصل إلى 3 مليارات فرنك من الديون. هدأ ذعر المستثمرين، ما أعطى إدارة البنك والحكومة السويسرية بعض الوقت للبحث عن مخرج من هذه الفوضى. طرحت الحكومة فكرة الاستحواذ على حصة في «كريدي سويس» في إطار زيادة رأس المال إذا لزم الأمر. وشملت الخيارات الأخرى التي خضعت للنقاش فصل وحدة البنك السويسرية، واندماجاً غير مرجّح مع منافسه السويسري الأكبر «يو بي إس».
5) هل يمكن أن يكون هذا «ليمان براذرز» آخر؟
هوى عملاق وول ستريت، الذي تسبب انهياره عام 2008 في الأزمة المالية العالمية، عندما نضب تمويله وتوقفت البنوك الأخرى عن التعامل معه. وعلى عكس «ليمان» و»سيليكون فالي بنك»، يملك «كريدي سويس» أصولاً سائلة كبيرة يمكن الاستعانة بها والوصول إلى تسهيلات إقراض البنك المركزي، كما أنه أقل حساسية من العديد من المنافسين للتحركات الحادة في أسعار الفائدة. وقد أعاد بناء مخصصات الوقاية والتحوط من المزيد من عمليات سحب الودائع منذ أسوأ موجة من التدفقات الخارجة في تشرين الاول. ولدى البنك أيضاً ما يكفي من الأصول السائلة الشبيهة بالمال لسداد نصف جميع التزاماته في الودائع والقروض من البنوك الأخرى، وفقاً لكاتب مقالات الرأي في مجال المصارف في «بلومبرغ أوبينيون»، بول جيه ديفيز. وقال كورنر إن نسبة تغطية السيولة لدى «كريدي سويس» أظهرت أنه يستطيع التعامل مع تدفقات خارجة كبيرة على مدى أكثر من شهر في فترة ضغط.
6) لماذا الأمر مهم؟
قد تدفع الأزمة في «كريدي سويس» وفشل ثلاثة مقرضين إقليميين في الولايات المتحدة، البنوك الأخرى إلى خفض مستوى المخاطر لديها، ما يعني إصدار عدد أقل من القروض التي تمكن الاقتصادات من النمو. ومن شأن هذا أن يجعل من الصعب على البنوك المركزية الاستمرار في رفع أسعار الفائدة القياسية لتهدئة التضخم الحاد دون التسبب في ركود. يتخلى المستثمرون عن الرهانات على زيادة أسعار الفائدة ويتوقعون الآن تخفيضات في أسعار الفائدة في الولايات المتحدة في وقت مبكر من الصيف. وقالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد إن اضطراب الأسواق المالية قد يضرّ بشروط الائتمان ويضعف الثقة في اقتصاد المنطقة.
7) ما الذي يفعله كورنر لتغيير الأمور؟
تقوم خطته – إذا نجا البنك من الاضطرابات الأخيرة – على تفكيك ذلك الكم الهائل من الخدمات المصرفية الاستثمارية التي راكمها «كريدي سويس» على مدى خمسة عقود، وإعادته إلى أصوله كمصرفٍ لأصحاب الثروات الهائلة في العالم. وهذا يعني إحياء العلامة التجارية «فيرست بوسطن» التي استحوذ عليها في 1990، وإخراج بعض أقوى الشركات في الوحدة بهدف إدراجها في العام 2025. وقد تهدئ العودة إلى جذور البنك السويسري بعض المنتقدين، ومن بينهم الرئيس التنفيذي السابق أوزوالد غروبل، الذي يقول إن خوض غمار الخدمات المصرفية الاستثمارية جلب ثقافة المخاطرة بحثاً عن أرباح كبيرة. غير أن تقليص حجم «كريدي سويس» مثلما يرنو كورنر، لم يعد أسهل بأي حال، جراء التقلبات في الأسواق التي أثارها انهيار «سيليكون فالي بنك».